31/12/2014

موسم الهجرة الى السلاح



ثمة حولنا ما يمكن وصفه بجيش أممي يتألف من الاف الشبان المستعدين للهجرة من أوطانهم الى سوح القتال. من افغانستان الى لبنان ومن اواسط آسيا الى تشاد والبلقان. انه جيش غير منظم ولا منضبط ، لا يسعى رجاله وراء الرواتب والرتب العسكرية ، مقصدهم الوحيد مكان يتيح لهم المشاركة في الحرب.

عرفنا رجالا من الخليج قاتلوا في الشيشان والبوسنة ، وجزائريين قاتلوا في افغانستان ، وتونسيين ذهبوا الى العراق وسوريا ، وهكذا. شهد العالم ظاهرة شبيهة في اربعينات القرن المنصرم حين تنادى الشيوعيون للمشاركة في الحرب الاهلية الاسبانية (1936-1939) نصرة للجمهوريين بقيادة "الجبهة الشعبية"  اليسارية. كذلك الحال في السبعينات حين انضم عشرات من الناس من دول مختلفة الى المقاومة الفلسطينية. لكن هذه مثل تلك كانت اضيق نطاقا من الحشد الاممي الذي نشهده اليوم.

اظن ان الاف الشبان الذين تسللوا من بلدانهم للالتحاق بالجماعات المقاتلة منذ اوائل الثمانينات ، كانوا يسعون وراء تحقيق ذواتهم من خلال القيام بعمل ، قدروا انه يسهم في تغيير العالم. الاف مثلهم حاولوا تحقيق ذواتهم من خلال التجارة او العلم او الدعوة الدينية او حتى من خلال المشاركة في الصراعات السياسية السلمية ، او غيرها من الحقول. لكن اولئك الشبان على وجه التحديد رأوا في الحرب ظرفا وحيدا لتحقيق الذات. 
والمثير في الامر ان هؤلاء اشد ميلا الى الجماعات الاكثر تطرفا ، اي الاكثر استعمالا للعنف. ثمة عشرات من الجماعات المسلحة التي توصف احيانا بانها معتدلة ، لكن المهاجرين للحرب يتجهون عادة للجماعات المشهورة بالتطرف. هذا يكشف ربما ان العامل المحرك لهم ليس الجهاد كموضوع ديني ولا التحرير كموضوع سياسي ، بل الحرب ذاتها كأداة للتغيير. السلاح هو عباءة سوبرمان التي يرتديها الانسان العادي فيمسي قادرا على قهر الغير والزامه بمشيئة المسلح او الجماعة التي ينتمي اليها.
من يستمع لأحاديث الشباب الذين تضيق نفوسهم بأساليب الدعوة البطيئة والحوارات الطويلة المملة والاساليب البيروقراطية التي تتبعها الحكومات ، فسوف يكتشف دون عناء انهم يبحثون عن عصا سحرية ، يهزونها في وجه المشكلة فيولد الحل. بالنسبة لكثير من الشباب الحالم ، فان السلاح هو العصا السحرية التي تغير الحقائق على الارض ، وتحولهم من كائنات متسائلة معطلة او مقيدة الى شركاء في تغيير العالم.
بحث الشباب عن ذاتهم ، بحثهم عن دور في تغيير الواقع ، ليس السبب الوحيد الذي حرك الاف المهاجرين نحو ساحات الحرب المتنقلة. لكنه – كما أظن – عامل يستحق التأمل. لو درسناه كواحد من الاحتمالات فلربما ساعدنا في كشف نقاط ضعف في نظامنا الاجتماعي او في سياساتنا او في نظامنا القانوني ، تشكل في مجموعها الثقب الاسود الذي يتساقط فيه هؤلاء الشباب ، فيتحولون من قوة بناء الى مكينة قتل وتدمير في هذا البلد او ذاك.
الشرق الاوسط 31 ديسمبر 2014 مـ رقم العدد [13182]
http://aawsat.com/node/255216

24/12/2014

يوم رحب الناس بالخلافة


التمدد السريع لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" على مساحات شاسعة في سوريا والعراق ، وانضمام الاف المقاتلين الى صفوفه ، يكشف عن ظرف اجتماعي متأزم ، مستعد للترحيب بأي قوة ترفع شعارا مواتيا ، او على الاقل غير مبال بانهيار الدولة القائمة وحلول جماعة مسلحة مكانها.
صحيح ان النزاعات الاهلية توفر مثل هذه الفرص في أي مكان. لكن هذا لا يحدد المسؤولية عن العوامل التي تدفع الناس للترحيب او عدم الاكتراث بتطور من هذا النوع. كما لا يحدد مستوى وطبيعة النزاع الذي يسمح بظهور نظائر لتنظيم "الدولة". بعبارة اخرى فنحن امام سؤالين ، اولهما: هل هناك ظرف آخر غير الحرب الاهلية يمكن اعتباره مواتيا لظهور جماعات مسلحة نقيضة للدولة؟. والثاني: اذا كان ظرف النزاع الاهلي هو الوحيد الذي يعتبر مواتيا ، فهل ثمة نوع معين من الصراعات الاهلية او مستوى معين نعتبر الوصول اليه ضروريا لظهور تلك الجماعات؟. الاجابة على هذين السؤالين سوف تمهد ايضا لتحديد بعض الحلول الممكنة ، ولا سيما تحريك الظرف الاجتماعي باتجاه جعله ممانعا لانتشار جماعات كهذه او لافظا لها.

يكشف مثال الجزائر (1997-2001) والصومال (1991-1997) عن مفارقة جديرة بالاهتمام ، وهي بقاء "الايمان بالدولة" في الحالة الاولى وغيابه في الثانية. واظن هذا اهم الاسباب التي جعلت الجزائر قادرة على اطلاق مشروع حل سياسي تمثل في قانون الوئام الوطني لعام 1999 ، بينما فشلت كافة مبادرات الحل السياسي السلمي في الصومال. الايمان بالدولة يعني تحديدا الاقتناع العميق عند عامة الناس بان حكومتهم ضرورية لحياتهم وانها تقوم فعليا بما يتطلبه هذا الدور. يتلاشى هذا الايمان اذا توقفت الدولة عن القيام بواجباتها او انحازت بشكل مفرط الى طرف اجتماعي ضد بقية الاطراف ، او فشلت لوقت طويل في معالجة مشكلات البلد الملحة.
في مقالته الشهيرة "التنمية السياسية والتفسخ السياسي-1965" ركز صمويل هنتينجتون على ما يسميه ظرف انفجار التطلعات ، وفشل الدولة في الوفاء بالوعود التي ترفع سقف توقعات الجمهور ، ويعتبره ابرز العوامل التي تنشر الاحباط في المجتمع ، وربما تمهد الطريق امام تحولات دراماتيكية ، مثل الاستيلاء على الدولة. واحتمل ان هذا هو السر وراء نجاح داعش في السيطرة المباغتة على محافظة الموصل العراقية منتصف يونيو الماضي. فرغم وجود الدولة وقواتها ، الا ان النزاعات السياسية المريرة في السنوات الماضية قضت تماما على الثقة المتبادلة بين الدولة المركزية والمجتمع. وتكرر هذا الامر في محافظة تكريت التي نعرف ان شريحة واسعة من سكانها شاركت قوات داعش في اسقاط مؤسسات الدولة.
لم يكن ثمة حرب اهلية فعلية في العراق كحال سوريا ، ولم تكن الدولة غائبة. الغائب الحقيقي كان الايمان بالدولة القائمة وانهيار الثقة بينها وبين مواطنيها. وهي حالة قد تظهر حتى في الدول القوية. ترى هل نستطيع تطوير وسيلة لقياس مستوى "الايمان بالدولة" في كل مجتمع عربي؟. هل نستطيع كعرب مصارحة انفسنا بالعوامل التي تؤدي الى تعزيز هذا الايمان او اضعافه؟. 
الشرق الاوسط  24  ديسمبر 2014 

مقالات ذات علاقة

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...