12/08/2014

العنف السياسي : 3 عوامل رئيسية


العنف السياسي ظاهرة اجتماعية متعددة الاشكال. لكن معظمها يرجع الى واحد من ثلاثة عوامل:
 أ) عامل سيكولوجي يظهر خصوصا عند الشباب الذين يعيشون المرحلة الانتقالية بين المراهقة والرجولة. وهي مرحلة يسودها ميل شديد لاكتشاف الذات وتحقيق الذات. فشل الشباب في تحقيق ذواتهم ضمن اطارات سليمة في البيئة المحيطة ، يجعلهم عرضة للانزلاق في سلوكيات متوترة ، تتمظهر في صورة عنف سياسي أو اجرامي.
ب) عامل اجتماعي/ اقتصادي يتلخص في عجز الفرد عن التكيف مع ظروف المعيشة المتغيرة ، مما يعزز ميله لمنازعة المجتمع الذي يحمله مسؤولية اخفاقه في مجاراة الاخرين. ويظهر هذا العامل بصورة اجلى بين المهاجرين الجدد من الريف الى المدينة ، او الذين يعيشون في بيئات فقيرة نسبيا ، على حواشي المدن غالبا.
ج) عامل ديني/سياسي يتمثل في شعور الفرد بان هويته تواجه تهديدا جديا من جانب اطراف قوية. اكثر الشباب عرضة لهذا العامل هم الملتزمون بحضور الاجتماعات الدينية التي يكثر فيها الحديث عن التهديد الغربي والمؤامرة الدولية على الاسلام.
تتفاعل هذه العوامل فيما بينها بشكل وثيق. فالذين يواجهون عسرا اقتصاديا/اجتماعيا (العامل ب) يميلون الى تصديق الدعاوى القائلة بتباعد المجتمع عن الاسلام ، ويرون في مظاهر الحياة الحديثة دليلا على ذلك. وهذا الميل يقودهم الى تقبل فكرة التهديد الخارجي للهوية (العامل ج). كما ان الشباب الذين يواجهون عسرا في المعيشة ، يشعرون اكثر من غيرهم بالعجز عن تحقيق غاياتهم وذواتهم (العامل أ). بشكل عام يمكن القول ان المتاثرين بالعامل الاول اصغر سنا من مجموعة العامل الثاني ، وهؤلاء بدورهم اصغر سنا من المجموعة الثالثة.
 الغرض من هذا الكلام هو دعوة المهتمين الى البحث عن تفسيرات علمية لظاهرة الارهاب ، وعدم الاكتفاء برجمه او ارجاعه الى عامل واحد. وبنفس المنطق ، فان المعالجة الناجحة للظاهرة تتوقف على تشخيص العامل الاكثر تأثيرا في الفرد او المجموعة المستهدفة. هذا يحتاج بطبيعة الحال الى بحوث علمية كثيرة في حقول متعددة.
خلال السنوات الخمس التي تلت الهجوم على نيويورك في سبتمبر 2001 نشر  في الولايات المتحدة نحو 11000 كتابا تحاول تفسير ظاهرة الارهاب وسبل معالجتها. اما في المملكة فلا اعرف الا عددا قليلا من الكتب حول الموضوع ، ولعل ما نشر منذ الهجوم الارهابي في 1995 حتى اليوم لا يصل الى 100 كتاب متخصص.
هناك بالتاكيد فارق كبير بين البيئة العلمية في امريكا ونظيرتها في السعودية. لكن غرضي هو تنبيه المعنيين الى ما اظنه قلة اكتراث بدراسة الظواهر الاكثر حرجا في حياتنا. وفي هذا المجال لا تجد فرقا يذكر بين القطاع الاكاديمي والرسمي. العنف السياسي ظاهرة معقدة ومتغيرة الملامح ، يستحيل فهمها مالم تتحول الى مادة جذابة للبحث العلمي .
الاقتصادية  12 اغسطس 2014
http://www.aleqt.com/2014/08/12/article_875856.html

05/08/2014

المدرسة كأداة لمقاومة العنف


بعد ايام يعود شبابنا الى مدارسهم ، في ظرف مليء بالهموم. ثمة اتفاق – فيما يبدو – بين شرائح واسعة من المثقفين ونخبة البلد على الدور المحوري للتعليم  في تفكيك الحاضن الاجتماعي للعنف ودعاته. ولاتقاء الافراط في التوقعات ، ينبغي التاكيد على ان هذا جهد وقائي ، يحجم دعوات العنف ، لكنه لا يقضي على المجموعات القائمة. هذه مهمة تقوم بها جهات اخرى بوسائل مختلفة. 
لا أملك تصورا عمليا كاملا حول كيفية قيام المدرسة بتلك المهمة. لكني سانطلق من فرضية الحاجة الى تغيير الباراديم او فلسفة العمل السائدة في نظامنا التعليمي ، وأضع بعض الافكار التي اظنها مفيدة في هذا السياق.
 اولى واخطر المهمات في رايي هي تعزيز قابلية الشباب لمقاومة الافكار الهدامة ، ومفتاحها تربية العقل النقدي الذي يحاور ويجادل ويتأمل ولا ينبهر ببليغ الكلام او التصوير. هذا يقتضي تخصيص جانب من وقت الصف للنقاش في المنهج او خارجه. تعويد الشباب على النقاش يرسخ ثقتهم بذواتهم واهليتهم لنقد الافكار ومجادلتها.
الثانية: هي نشر احترام الحياة والانسان والزمن. ومفتاحها التركيز على تدريس العالم المعاصر بدل التاريخ القديم. ومحاولة فهمه وفهم الفرص التي وفرتها تجارب البشر وابداعاتهم ، وكيفية استثمارها لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الطموحات. لقد جرت عادتنا على تقديم تاريخ انتقائي لشبابنا ، يركز على الجوانب المشرقة لماضي المسلمين دون التعرض لكلفتها المادية والمعنوية والانسانية ، ودون الاشارة الى الجانب الاخر المظلم ، فتحول التاريخ عند كثير منهم الى كائن مقدس يريدون احياءه بأي ثمن. اللباس والمظهر الذي نراه في جماعات العنف مثل "داعش" وأخواتها توضح تماما هذا النزوع الشديد لفرض الماضي على الحاضر.
التأكيد على احترام الحاضر وأهله واحترام تجربة البشرية يساعد ايضا على تحرير المجتمع من "قلق الهوية" اي الشعور العميق باننا ضعفاء مهمشون قليلو الحيلة في عالم يتفق ضدنا ، ويتآمر للقضاء علينا. قلق الهوية واحد من اهم الثغرات التي تستثمرها جماعات العنف لكسب الانصار والدعم المادي والسياسي.
الثالثة: التاكيد على شراكة الشباب في امور بلدهم وفي ملكية ترابه ، وقابلية مجتمعهم وحكومتهم للاصلاح والتطور وتحسين الاداء ، وكونهم شركاء في اي مسعى تطويري او اصلاحي ، بما فيها اصلاح القانون والسياسات وتوسيع الاطارات والمسارات الضرورية للاصلاح والتقدم. هذا التفكير يجب ان يبدأ بفتح الباب للنقاش في امور المدرسة والمجتمع القريب ، وتقبل المعلمين والاداريين لاراء الشباب المختلفة ، وتمكينهم من عرضها بحرية. اما الغرض النهائي فهو التأكيد على قابلية الاصلاح من خلال القانون وليس بالانقضاض على النظام الاجتماعي.
اخيرا فان شبابنا بحاجة الى فهم الدين كتجربة يشارك فيها كل مسلم ، وليس كصندوق مغلق يحمل اعباءه مرغما. ولهذا حديث آخر نعود اليه في قادم الايام.
الاقتصادية 5 اغسطس 2014
 http://www.aleqt.com/2014/08/05/article_873535.html

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...