25/02/2014

افعلوا شيئا قبل خراب النفوس


والمعلوم أن الأنفس لا تخرب دفعة واحدة كما أن الخراب لا يأتي مفاجئا. ثمة نذر وعلامات تتراكم على مدى زمني طويل، وهي كفيلة بإقناع من ألقى السمع وهو شهيد.
إني أعلم ــــ مثلما يعلم الناس ــــ أن في الدولة من يراقب ما تكتبه الصحف وما يقوله الناس عما تفعله وما ينبغي أن تفعله. وأعلم أن في الدولة من يتألم حين يرى المسافة بين هموم الناس وبين ما يسمعون من وعود، وما يتحقق من تلك الوعود.
لقد أذهلني في الأسبوع الماضي تصريح الأمين المساعد لمجلس التعاون بأن سكة حديد المجلس ستدخل الخدمة بعد أربع سنين. وهو يعلم مثلي أن توسعة محطة الجمارك والجوازات في جسر الملك فهد أعلنت في 2009 ولم تنجز حتى اليوم، وأن مشروع تطوير طريق الملك عبد الله في العاصمة الرياض مضى عليه خمس سنوات بالتمام والكمال ولم ينته. لاحظ أن طوله 25 كيلومترا فقط وليس 2100 كيلومتر كحال سكة الحديد الموعودة. هذا مشروع لم يبدأ بعد، ولهذا لا نعول عليه، بل نقول لسعادة الأمين أن هذا كلام "مأكول خيره". لكني أراجع أيضا مشروعات قيل إنها عاجلة، ورصدت لأجل استعجالها ميزانيات فلكية، كمشروع الإسكان الذي يشمل بناء 500 ألف بيت خلال خمس سنوات. لقد مضى الآن نصف هذه المدة، أي ما يكفي لنرى ــــ على الأقل ــــ هياكل نصف المليون بيت في 48 موقعا حسب تصريحات مسؤولي وزارة الإسكان. كان هؤلاء قد قالوا في منتصف 2012 إن الدفعة الأولى ستسلم للمستحقين خلال عام، أي قبل منتصف 2013، وها نحن الآن في 2014 وما زالوا يتحدثون عن تسليم الأراضي وتسوية الأراضي، كما نتحدث عن تشبيك الأراضي... إلخ.
لعل الأفضل تناسي قصة الـ 200 مدرسة التي رصدت لها وزارة التربية ملياري ريال. ذلك أن المقاولين انسحبوا. وــــ كالعادة ــــ لم تخبرنا الوزارة شيئا عن مصير المشروع والأموال المخصصة له والطلاب الذين ينتظرونه. سنتناسى هذا المشروع ومعه مشروع تطوير التعليم وعشرات المشاريع الأخرى التي قيل أنها على الطريق.
خلاصة القضية أن الناس يسمعون بالكثير ولا يرون إلا القليل الضئيل. ويتساءلون: ماذا يفعل هؤلاء الذين يعدوننا بالمن والسلوى، وكيف يديرون المال العام، وكيف يخططون للمستقبل؟. مع مرور الوقت تتحول هذه الأسئلة إلى شكوك، ثم إلى قناعات أن أصحاب الوعود يسخرون من عقولنا ويسخرون من ذاكرتنا. هذا ببساطة مطبخ الإحباط، وقد ورد عن الإمام زين العابدين "أن الشكوك والظنون لواقح الفتن".
لا أعلم ما الذي علينا أن نفعله. لكني واثق مثل غيري أن هذا طريق يقود إلى الفتنة. وإني آمل أن ينتبه أصحاب القرار إلى عواقب الاستمرار فيه، قبل فوات الأوان.

الاقتصادية 25 فبراير 2014  http://www.aleqt.com/2014/02/25/article_828373.html

18/02/2014

سؤال العلاقة بين الدين والدولة

 

في مقاله الأسبوعي يتساءل الدكتور خالد الدخيل: هل شهد تاريخ الإسلام توحدا بين الدين والدولة على النحو الذي يفهم من شعار "الإسلام دين ودولة"؟

هذا واحد من مئات الأسئلة التي تدور حول معنى الدين ومفهوم الدولة في هذا العصر. كثير من الناس يبحث عن جواب مبسط عمومي من نوع أن الدين والدولة يتلاءمان أو يتخاصمان. لكن أي جواب من هذا النوع سيكون مخادعا. لأنه مبني على فرضية مسبقة فحواها أن للدين والدولة مفهومات ثابتة ونهائية. تحولات العالم، ولا سيما في أواخر القرن العشرين، غيرت بعمق معظم المفاهيم الموروثة حول النظام الاجتماعي.

النظام الاجتماعي (والدولة) ليس حشدا من الأفراد يديرهم رئيس. بل هو مركب ثقافي قيمي يتأثر باستمرار بما يجري داخله وحوله من تحولات اقتصادية وسياسية. يعرف دارسو العلوم الاجتماعية أن تحولات كهذه تقود بالضرورة إلى تحولات لاحقة في الثقافة التي تمثل أرضية لذلك التنظيم أو اطارا للتفاعل بين عناصره.

من الأمثلة الواضحة على تلك التحولات التكييف الفقهي لدور الجمهور (العامة). يعرف الباحثون أن العامة كانت غفلا في التراث والفقه الإسلامي، دورها قصر على السمع والطاعة والموت في الحروب. في عصرنا هذا أصبح الجمهور محور الحياة السياسية.

خلال السنوات الأخيرة تحدث باحثون وفقهاء عن رضا العامة ورأيهم "المعبر عنه بالانتخابات العامة مثلا" كمصدر للشرعية السياسية، خلافا للإجماع القديم على إرجاع أمور الولاية في الجملة والتفصيل للخاصة أو النخبة. ومن ذلك أيضا الموقف من أحكام المرأة ودورها في النظام الاجتماعي.

اتفق قدامى الفقهاء وأتباعهم من المعاصرين على أن بقاء المرأة في بيتها هو الوضع الصحيح وأن خروجها لطلب العلم أو العمل أو غيره، مشروط بضرورات مؤقتة. بينما نرى اليوم علماء وناشطين وجماعات دينية تتقبل، وبعضها يشجع، خروج النساء لكل تلك الأغراض ولغيرها. بل إن الجمهور المسلم والجماعات الدينية في العديد من البلدان، لا ترى بأسا في ترشيح النساء للمناصب السياسية، مما عرف سابقا بالولايات، التي اتفق قدامى الفقهاء وقراؤهم المعاصرون على حصرها في الرجال.

هذه أمثلة على تحول في النظام الاجتماعي تؤدي بالضرورة إلى تحول مواز في ثقافة الناس وقناعاتهم، ومن ثم إعادة صوغ القيم الدينية أو تفسيرها على نحو يلائم الأوضاع الجديدة. أي إعادة صوغ لمفهوم الدين وكيفية تطبيقه في الاجتماع السياسي.

من المهم في تقديري تحديد مفهوم الدين ومفهوم الدولة الذي نناقشه، قبل الحديث عن العلمانية. إن كثيرا من التطبيقات التي يتقبلها الجمهور والفقهاء اليوم، كانت في نظر الجيل السابق قد تمظهرات للعلمانية. لكن المفاهيم تتبدل تبعا لتحول النظام الاجتماعي والثقافة. من المهم إذن عدم إغفال هذه التحولات كي لا ننزلق لاستنتاجات مخادعة أو ربما قصيرة العمر.

الاقتصادية 18 فبراير 2014

  http://www.aleqt.com/2014/02/18/article_826430.html

 مقالات ذات علاقة

 

حول الفصل بين الدين والعلم

حول تطوير الفهم الديني للعالم

خاتمي وفكرة توطين الديمقراطية

الديمقراطية في بلد مسلم- الفصل الاول

 الـدين والمعـرفة الدينـية

العلمانية بين فريقين

العلمانية على الطريق

الإخوان .. خطاب بديل

مثال على طبيعة التداخل بين الدين والعلم

نقد التجربة الدينية

هل تتلاءم الثقافة الإسلامية مع الديموقراطية؟

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...