26/11/2013

المرأة الغامضة في مفاوضات جنيف



البارونة كاثرين اشتون هي – ربما – ابرز الاسماء التي سيخلدها التاريخ ، عند الحديث عن اتفاق جنيف الذي وقع هذا الاسبوع بين ايران ومجموعة 5+1. تنتمي اشتون لعائلة من الطبقة العاملة ، وكانت اول فرد فيها يحصل على فرصة الدراسة الجامعية. ومنذ شبابها عملت بنشاط في حزب العمال ، وشاركت في تاسيس "حملة نزع السلاح النووي CND". وكان محور اهتمامها هو تعريف الجمهور بالكلف الانسانية الباهضة للسلاح النووي والمخاطر البيئية المترتبة على حيازة المواد المشعة. وهي حملة ادت الى تشديد الرقابة على المنشآت النووية ونقل نفاياتها.
مضى عقد كامل على اعلان سعد اباد في اكتوبر 2003  الذي اطلق اول مفاوضات جدية بين ايران والغرب . لكن الاتفاق فشل ، كما فشل اتفاقان مماثلان في بروكسل وباريس في العام التالي. خلال هذه الفترة عقد الطرفان تسع جولات من المفاوضات المكثفة ، ولدت انطباعا قويا بان ايران لن تتراجع عن المطالب التي وضعتها على الطاولة في سعد اباد ، مهما يكن الثمن. الاصرار الايراني ، والعقوبات الغربية الشديدة جعلت تلك المفاوضات اشبه بتدريب على العبور من خطوط النار. في نهاية المطاف اثبت المفاوضون الايرانيون انهم ملوك اللعبة الدبلوماسية ، حين يقتضي الامر الحصول على ما يعتبره الطرف الاخر مستحيلا.
لا بد بطبيعة الحال من الاشارة الى تغير الظروف في المنطقة ، من الازمة السورية ، الى عودة الاصلاحيين للحكم في ايران ، ولا ننسى بالطبع حاجة الولايات المتحدة للتوافق مع ايران قبل خروجها المرتقب من افغانستان في 2014. لكن هذه الظروف ما كانت لتثمر لولا كفاءة السيدة اشتون ، فقد وظفتها بذكاء بالغ. واشير خصوصا الى نجاحها في جمع وزيري خارجية ايران والولايات المتحدة ، للمرة الاولى خلال ما يزيد عن عشرين عاما.

وصفت اشتون في الاعلام البريطاني بالسيدة الغامضة ، بسبب قلة حديثها للصحافة. ولعل قلة الكلام وكثرة التفكير ، هي التي مكنتها من اجتراح حلول مبتكرة ، اثمرت عن التزام ايران بنسبة خمسة بالمائة كسقف لتخصيب اليورانيوم ، بعدما نجحت فعليا في بلوغ نسبة 20 بالمائة. واقتناع المجموعة الغربية بتخفيف العقوبات الاقتصادية ، فضلا عن السماح بتسييل 8 مليارات دولار من الارصدة الايرانية المجمدة في بنوكها ، كدليل ملموس على جديتها في انجاح الاتفاق. 
انجاز اشتون هذا ، سوف يضمها بالتاكيد الى قائمة ابرز النساء اللاتي لعبن ادوارا محورية في السياسة الدولية ، خلال القرن الواحد والعشرين ، جنبا الى جنب مع هيلاري كلينتون ، كوندوليزا رايس والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل. هذا يثير سؤالا جديا حول مصداقية الادعاء التقليدي  بعدم كفاءة النساء للقيادة وصناعة الحلول على مستوى عالمي. ترى هل يمكن القول ان سيدات كهؤلاء اقل كفاءة من نظرائهن الرجال؟.
http://www.aleqt.com/2013/11/26/article_802792.html

19/11/2013

ظرف الانتقال العسير


الاضطراب السياسي الذي شهده العالم العربي خلال السنوات القليلة الماضية ، كشف عن عيوب جوهرية في بنية النظام العربي ، ابرزها هو انحدار مستوى الاجماع الوطني ، اي توافق الجمهور والقوى الاجتماعية النخبة السياسية ، على طبيعة النظام القائم واستهدافاته ومصادر شرعيته وفلسفة عمله والطرق القانونية التي يلجأ اليها الفرقاء لادارة التعارض بين مصالحهم وحل اختلافاتهم.
يعتقد ديفيد هيلد ان تيار التحديث يقود غالبا الى تغيير في توزيع مصادر القوة ، قيمة الفاعلين السياسيين ، منظومات القيم ، والثقافة السياسية ، وتبعا لذلك تدهور مقومات الاجماع الموروث. وفي المرحلة الانتقالية ، تتبلور هذه التحولات على شكل انقسامات جديدة ، او اكتساب الانقسامات التقليدية مضمونا سياسيا. هذا يستدعي بذل جهد استثنائي لاعادة توليد الاجماع ضمن مدى زمني ملائم ، بالاعتماد على الطبقات الحديثة.  تتسم المرحلة الانتقالية بكثرة الالتباسات والتحولات الحياتية والقيمية ، التي تجعل النظام السياسي والاجتماعي برمته على المحك . ويتماثل هذا الاستنتاج مع راي ليونارد بيندر الذي رأى ان قلة اهتمام دول العالم الثالث باستيعاب القوى الجديدة وتطوير اطر العمل السياسي الديمقراطي ، قد ادى غالبا الى تباين قيمي وسلوكي ، انكماش وسائط التفاهم بين الشرائح الاجتماعية المختلفة ، واتساع الفاصل الطبقي ، اضافة الى تفارق تقنيات العمل السياسي بين الطبقات الحديثة والتقليدية .
ليس مهما الان التساؤل عن العوامل الاكثر تاثيرا في توليد تلك الفوضى. الواقع الذي امامنا يقول ان جانبا مهما من اخفاقات الدولة العربية خلال الحقبة الاخيرة  ، سواء في مجال التنمية الاقتصادية او السياسية ، يرجع الى انكسار الاجماع القديم ، وعجز المجتمع السياسي عن توليد عقد اجتماعي جديد ، اي اجماع جديد على طبيعة النظام واستهدافاته والقيم الكبرى الناظمة لحركته.
في ظل الانقسام فان كلا من المجتمع والدولة ينطلق في مواقفه وعمله من مبررات متفاوتة واحيانا متعارضة . النظام السياسي الذي يفتقر الى الاجماع  سوف يكون – بالضرورة - فوضويا ، باهت السمات وعديم الاستقرار.  ما يميز الانظمة السياسية المتقدمة – حسب راي ليونارد بيندر – هو قيامها على اجماع ثقافي تاريخي يضمن الاستقرار والتواصل. اعادة بناء الاجماع الوطني المستقر والفعال ، يتوقف على تفاهمات اولية تؤكد على مفهوم المواطنة وسيادة القانون كمرجع اعلى للعلاقة بين اطراف المجتمع الوطني. تفاهمات كهذه يمكن ان تمثل منطلقا ، لكن الوصول الى الغاية النهائية ، يحتاج الى استراتيجية متعددة الابعاد ، تبدأ من التعليم ، لكنها تتناول ايضا تقريب مستويات التنمية وتعزيز التواصل بين اطراف البلد ، فضلا عن ايجاد صيغة مناسبة للتشابك بين الهويات المحلية والهوية الوطنية الجامعة.
http://www.aleqt.com/2013/11/19/article_800863.html

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...