26/06/2012

اربع سنوات ونصف على اقرار نظام الجمعيات الاهلية

في ديسمبر 2007 اقر مجلس الشورى "نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية" بعد شهور من المداولات. خلال ذلك العام حظي المشروع بمناقشة العديد من كتاب الراي في الصحافة المحلية. والحق ان ما نشر من مواده يمثل بداية معقولة ، رغم بعض التحفظات.
مجلس الشورى السعودي
على اي حال ، فقد تصرمت اربع سنين ونصف منذ ارسال المشروع الى مجلس الوزراء كما يقتضي مسار التقنين. هذا الزمن الطويل يثير قلق النخبة الوطنية من ان المشروع المنتظر، ربما اصبح ضيفا ثابتا في الارشيف.
كان مقدرا ان يؤسس نظام الجمعيات الاهلية اطارا قانونيا لمجتمع مدني نشط في المملكة. قبل عقدين من الزمن لم يكن في المملكة سوى الجمعيات الخيرية التي تكفل الفقراء. اما اليوم فهناك – اضافة الى هذه - عشرات من الجمعيات العلمية والحرفية ، وجمعيات الشباب والطلاب ، ومجموعات الدفاع عن حقوق الانسان ، فضلا عن جماعات الارشاد والمساعدة الثقافية ، والعناية بالبيئة والتراث وغيرها.
تمثل هذه المجموعات رافدا مهما في التنمية الاجتماعية. ويمكن لها ان تلعب دورا اكبر في تطوير الكفاءات ، ومساعدة الدولة في استنهاض المجتمع ، وحماية مكاسب التنمية ، وتطوير الادارة الرسمية ، وعقلنة الثقافة ، واشاعة قيم الحوار والتفاهم بين الاطياف الاجتماعية المختلفة.
يعرف الاجتماعيون ان منظمات العمل التطوعي تلعب دورا فعالا في عقلنة المطالب والجدالات المحلية ، وتحويل انشغالات الجمهور من هموم (في المعنى السلبي)  الى فرص (في المعنى الايجابي) ، وفي تخفيف الاستقطاب والتحيز ، فضلا عن اغناء وترسيخ الهوية الوطنية الجامعة. لكن هذا يتطلب اولا وضع الاطار القانوني الذي يسمح بانشاء المؤسسات وينظم عملها. من دون اطار قانوني واسع ، تتحول مؤسسات المجتمع المدني الى عمل تحت الارض ، موجود ومؤثر ، لكنه يميل الى الخفاء والاستتار.
اظن ان الهواجس الامنية هي التي عطلت صدور نظام المؤسسات الاهلية كل هذه السنوات. ولا ارى اي سبب قانوني او اداري او سياسي يعطل مثل هذا النظام المهم. لكن ايا كان الامر، فالمنطق يقتضي اعادة النظر في ذلك العامل او اي عامل اخر وراء التعطيل.
ثمة  اجماع بين المثقفين ونخبة المجتمع على ان تقنين المجتمع المدني هو واحد من ابرز تجليات الاصلاح الذي ينشده الجميع . وهو وسيلة لادارة التحولات الاجتماعية على نحو سلس ومفيد. ومن هنا فقد علقت على النظام امال عريضة.
الحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني تزداد يوما بعد يوم . وثمة كثير من الناس ينشئون مجموعات عمل تطوعي. لا يريد احد ان تبقى هذه المؤسسات خارج اطار القانون. لكني لا اظن الناس سينتظرون الى ما لا نهاية.
مسارعة الدولة الى فتح المجال العام للاذكياء والنابهين والناشطين ، ستوفر عليها مؤونة مراقبة العاملين خارج اطار القانون . وسوف تريح نفسها من اجواء الارتياب التي ترافق اي نشاط عام غير مقنن. لكل الاسباب السابقة ، ادعو حكومتنا الى المسارعة في اصدار نظام المؤسسات الاهلية. فهو سيعين على حل العديد من المشكلات ، لكنه – ايضا – سيعزز الامل في ان قطار الاصلاح مازال على السكة.
نشر (مع تعديلات قليلة من الرقيب) في الاقتصادية 26 يونيو 2012

12/06/2012

حان الوقت كي يقيم المثقفون نواديهم المستقلة

أزمة في النادي الادبي بجيزان ، وازمة في نادي مكة المكرمة ، وقبلهما ازمة مماثلة في نادي المنطقة الشرقية. وربما نسمع قريبا عن ازمات في نوادي اخرى.
 هل يستحق الامر مناقشة صريحة لدوافع التازم في النوادي الادبية؟. هل هو مجرد خلاف شخصي على الرئاسة كما يوحي بعض اطراف النزاع . ام ان ما يظهر على السطح ليس سوى الدمامل الصغيرة التي تشير – دون تصريح – الى علة تستشري في الداخل؟.
الادب والدولة عالمان مختلفان. هذا هو جوهر المشكلة.  اقيمت النوادي الادبية يوم كان البعض يشعر بحاجة الى "رعاية" الحكومة لكل نشاط اهلي ، او "رقابة" الحكومة على كل نشاط اهلي. ولان الحكومة هي المخرج والمنتج ، فقد تحول النادي الى ما يشبه هيئة حكومية.
 وهذا هو المازق الكبير. الادارة الحكومية عالم مستقر لا يحتمل التغيير ولا يقبل الجدل. انه – كما وصفه احد تلاميذ ماكس فيبر – عالم اوراق ، كل جديد فيه مبني على قديم ، كل ورقة ترجع بالضرورة الى ورقة سابقة وكل قرار الى قرار قبله.
اما عالم الثقافة والفكر والادب فهو على النقيض. عالم يعيش على الاختلاف والجدل والتغيير الدائم.
لا يمكن وضع حدود للفكر لانه تمظهر للخيال.  لو وضعت حدودا للخيال فقد وأدته ، ولو قيدته فقد حولته من انتاج متجدد الى تكرار لما انتجه السابقون. الحكومة عالم اتباع اما الثقافة فهي عالم ابتداع ، وشتان بين العالمين.
مع اتساع شريحة المشتغلين بالثقافة والادب في المملكة ، تفاقمت الازمة. ليس سرا ان الاغلبية الساحقة من مثقفي المملكة ليسوا اعضاء في النوادي الادبية. وليس سرا ان معظم النتاج الثقافي السعودي يطبع خارج البلاد ، وهو يناقش ويثير الاهتمام خارج اطار النوادي الادبية. وليس سرا ان السنوات الاخيرة شهدت قيام منتديات اهلية تعقد نشاطات تزيد اضعافا مضاعفة عما تقوم به النوادي الادبية التي تمولها الدولة.
اذا اردنا مناقشة صريحة حول الازمات المتنقلة بين النوادي الادبية ، فهذا هو السؤال الاول: لماذا لا يرغب مثقفو البلاد في العمل ضمن هذه النوادي ؟ ولماذا لا يشكل نشاط النادي غير جزء هامشي من الحراك الثقافي على المستوى المحلي والوطني؟.
اعضاء نادي الشرقية ،  مثل اعضاء نادي مكة ونادي جيزان يطالبون وزارة الثقافة والاعلام بالتدخل. حسنا . لقد كانت الوزارة المنتج والمخرج طيلة السنوات الماضية ، فلماذا لم ينجح الفيلم ، ولماذا غاب الجمهور؟.
جوهر العلة في النوادي الادبية هو خضوعها لاشراف دائرة رسمية. ومطالبة الوزارة بالتدخل يشبه قول الشاعر "وداوني بالتي كانت هي الداء".
نعرف انه لا يمكن اختلاق وظيفة رسمية اسمها "كاتب" او "اديب" او "مفكر" او "ناقد" . كذلك لا يمكن تصنيع حياة فكرية او ادبية في دائرة رسمية او تحت اشراف دائرة رسمية.
اعتقد ان الحل الجذري هو تخلي الوزارة عن ولايتها على النوادي والاكتفاء بدور الداعم والحامي. يجب ان يتحول النادي الى مؤسسة اهلية كاملة. ويجب ان يسمح بفتح نوادي مماثلة ومنافسة ، سواء قررت الحكومة دعمها او اعفت نفسها من هذا العبء.
حان الوقت كي يشعر مسؤولو الوزارة بان حيوية الثقافة في المملكة تتوقف على تحرر المثقفين من وصاية الموظفين. وحان الوقت كي يشعر المثقفون انهم قادرون على تدبير امورهم وحل مشكلاتهم ولو بالخروج من هذا النادي واقامة ناد منافس.
الاقتصادية 12 يونيو 2012

مقالات ذات صلة

اربع سنوات ونصف على اقرار نظام الجمعيات الاهلية

حان الوقت كي يقيم المثقفون نواديهم المستقلة

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب) 

في الطريق الى المجتمع المدني

كي تستمر المنتديات الأهلية رافدا للحياة الثقافية

مجتمع العقلاء

المجتمع المدني كاداة لضمان الاستقرار

مكانة العامة في التفكير السياسي الديني: نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة والاجتماع السياسي

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية

من المجتمع الطفل الى المجتمع المدني: تأملات في معاني اليوم الوطني

المؤتمر الاهلي الموازي لقمة الكويت الخليجية

اليات التفاوض الجماعي كوسيلة لضمان رضى العامة

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...