29/05/2012

مصر ما زالت متدينة لكنها خائفة من التيار الديني



ذهلت حين سمعت أن الفريق أحمد شفيق حصد 24 في المائة من أصوات الناخبين المصريين. كان الأمر بسيطًا ومفهومًا لو ذهبت هذه الأصوات لعمرو موسى أو حمدين صباحي، لكن التصويت الكثيف لأحمد شفيق يكشف عن تأزم غير اعتيادي يجري تحت السطح. فهم هذا التأزم ربما يساعدنا أيضًا على كشف السبب الذي جعل الثورة اليمنية تنتهي بإعادة إنتاج النظام القديم بدل إرساء جمهورية جديدة. وهو قد يساعدنا على فهم تلكؤ العالم في اتخاذ موقف يدفع الأزمة السورية إلى خط النهاية المأمولة.
كنت أظن أن دول العالم ما عادت تخشى وصول الإسلاميين إلى السلطة، لكن ما جرى في ليبيا بعد سقوط القذافي، وما يجري في لبنان وسورية اليوم، يقدم مبررات إضافية على أن قلق دول المنطقة والعالم ليس مجرد ''إسلاموفوبيا'' كما كان يقال في السنوات الماضية.

ليس سرًّا أن الثورة اليمنية فتحت الباب أمام سيطرة تنظيم القاعدة على عدد من المحافظات. وليس سرًّا أن عددًا من المحافظات الليبية يخضع لجماعات دينية محلية تتبع اسميًّا فقط حكومة طرابلس. وليس سرًّا أن مراقبين عديدين يتحدثون عن احتمال مماثل في سورية ولبنان.

Mohamed Morsi-05-2013.jpg
التيار الديني كان هو القاسم المشترك في كل هذه الحوادث. هذا يثير سؤالاً جديًّا: هل يسهم الصعود الحالي للتيار الإسلامي في تصحيح مسار الدول العربية، أم يؤدي إلى تفكيك الإجماع الوطني والتمهيد لظهور دويلات الطوائف؟
تصويت المصريين لمصلحة أحمد شفيق بعد أشهر قليلة من إسقاط النظام الذي كان جزءًا منه، يشير إلى قلق عميق ينتاب المصريين. لعل الناس أرادوا الإسلاميين في الحكومة لأنهم يثقون بنزاهتهم، لكنهم يخشون تسليمهم القوات المسلحة. وهذا ما سيحصل لو أصبح مرشح الإخوان رئيسًا للجمهورية. الجيش- بالنسبة لعامة الناس- يمثل الملجأ الأخير فيما لو سارت الأمور في الطريق الخطأ.

يقول محللون إنه لو عقدت الجولة الثانية للانتخابات المصرية اليوم، فإن أحمد شفيق سيكون الرئيس القادم وليس مرشح الإخوان محمد مرسي. ولهذا السبب فإن على التيار الإسلامي المصري أن يبذل جهدًا استثنائيًّا لتطمين الناس. هذا لا يتحقق بالكلام في التلفزيون، ولا بإصدار تعهدات أحادية، بل باتفاقات محددة مع الأطراف السياسية الفاعلة، تتضمن التزامات علنية تعالج أسباب قلقهم.

أبرز نقاط ضعف الإخوان في الأشهر القليلة الماضية هو استهانتهم بقوة الآخرين، وتعزز هذا مع سيطرتهم على البرلمان. هذا يجعلهم اليوم أمام خيارات مريرة: لو فاز أحمد شفيق فسيقول الناس إن الإخوان هم الذين مهدوا له الطريق. ولو عالج الإخوان خطأهم وتحالفوا مع القوى السياسية، ونجح مرشحهم، فسوف يكون– في المرحلة الأولى على الأقل– رئيسًا ضعيفًا، الأمر الذي سيعطل عودة مصر إلى مكانتها السابقة كدولة محورية في النظام الإقليمي.

إذا كان ثمة درس على الإسلاميين أن يتعلموه من التجربة المصرية، فهو بالتأكيد درس التواضع. تستطيع السيطرة على كل شيء، وربما تشعر بالفخر ويشعر أتباعك بخيلاء القوة، لكن ليس كل انتصار في السياسة يستحق العناء. بعض الانتصارات تدفع تكلفتها بعد أن تتحقق، وهي تكلفة قد تكون أعلى كثيرًا من قيمة الانتصار ذاته.

الاقتصادية   2012 مايو 29

مقالات ذات صلة:

22/05/2012

اضحك مع الضاحكين والا فانت هاتف عملة


لا مناص من مواصلة التفكير . ولا مناص من التعبير عما نتوصل اليه من افكار . سواء قبلها الناس او رفضوها. وسواء توافقت مع المألوف او كانت غريبة. بوسع الكاتب والمفكر ان يستقريء اراء الناس ثم يعيد صياغتها في قالب ادبي . وسوف يحصل بالتاكيد على شهادات مديح لاحصر لها ، لانه "عبر عما في نفوس الناس" او كان "مرآة للمجتمع". لكننا نعرف ان المرآة لا تريك شيئا غير القشرة الخارجية. تريك وجهك الذي تعرفه والذي اعتدت عليه.

المفكر ليس مرآة للمجتمع ولا ينبغي ان يكون كذلك. وليست مهمة الكاتب محصورة في التعبير عما في نفوس الناس. رايت مرة اشخاصا ياتون الى عزاء فيجدون اهله يبكون وينتحبون فيشاركونهم في البكاء ، وهم بذلك يواسونهم ويعزونهم ويخففون عليهم وطأة المصيبة . فهل وظيفة الكاتب هي البكاء مع الباكين والضحك مع الضاحكين؟.
لو قبل اصحاب الافكار بالاستسلام لفكرة التوافق مع مألوف المجتمع والانسجام مع تقاليده ، فمن الذي سيكشف للمجتمع عيوب هذه التقاليد والمالوفات؟ ومن الذي سيخبر الناس عن الافكار الجديدة ، ومن الذي سيلفت انظارهم الى عيوب الواقع ونواقصه؟.
كتب توماس كون ، الفيلسوف الامريكي الشهير ، ان العلوم لم تتطور بشكل تدريجي ، لبنة فوق لبنة. تقدم العلوم جاء على شكل انقلابات دراماتيكية في المفاهيم والافكار والمسلمات. وجادل في كتابه "بنية الثورات العلمية" بان عالم الافكار ليس مجرد منظومة متفاعلة ، بل هو نسق Paradigm مغلق الى حد ما ، يحوي في داخله – اضافة الى النظرية العلمية – انماط سلوك ونظم علاقات وقيم . بل وحتى تكوينات اجتماعية ، تعمل جميعها على نحو يشبه مؤسسة مترابطة ، تدافع عن وجودها ، مثلما يدافع حزب سياسي عن طروحاته ومصالحه.
حين يتمرد البعض على هذا النسق ، يعارضون مسلماته او يقدمون بدائل عنه او حلولا لمشكلات مستعصية فيه ، فانهم – خلافا للمتوقع – لا يلقون ترحيبا او تشجيعا . بل يواجهون الشكوك والاتهامات ، وربما يصفهم رجل دين – كما فعل الشيخ ناصر العمر هذا الاسبوع – بانهم هواتف عملة ، يتحدثون بقدر ما يدفع لهم. او ربما يوصفون بانهم حمير للاجنبي ، او تافهون – رويبضة حسب الوصف المعياري الدارج في بلدنا -. 
تجربة الانسان المعاصر تكشف بوضوح حقيقة ان  الخلاص من التقاليد البالية والاعراف المتخلفة لم يكن – في اي بلد – سهلا او ميسرا. ولعل ابسط ثمن يدفع هو احتمال تلك الاوصاف والصبر على اصحابها ، حتى يصل النداء الجديد الى جميع الناس. وعندها سينقلب الذين قاوموا الراي الجديد الى مدافعين عنه وانصار.
لو مالأت المجتمع وانسقت في تياره فلن يكون لفكرك قيمة. لانك – حينئذ – مجرد ميكروفون او مرآة. ولو حاولت تنبيه الغافلين الى العوالم التي لا يرونها ، او التي لا يريدون رؤيتها ، فسوف تتهم بالزندقة والالحاد وعمالة الاجنبي. هذه اوضح الخيارات المتاحة امام اصحاب الراي والكتاب.

الاقتصادية 22 مايو 2012
http://www.aleqt.com/2012/05/22/article_659209.html

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...