14/04/2011

الحداثة تجديد الحياة


د. توفيق السيف: الحداثة مرتبطة باستمرار الحياة وليست حجرا
الاحساء 10 مارس 2009
منال الحليفة - التوافق
لم تمنع العاصفة الرملية وظروف المناخ السيئة نخبة المثقفين من حضور واثراء محاضرة الدكتور توفيق السيف (الحداثة وتجديد الحياة) ، مما اثرى النادي بوجودهم كانت هذه الكلمات للدكتور يوسف الجبر رئيس النادي الادبي بالاحساء  قالها شاكرا للمحاضر في ختام محاضرته التي اقيمت في النادي يوم الثلاثاء 10 مارس 2009 الموافق 13/ 3 /1430هـ 
ولم يكن تواجد نخبة المثقفين في المنطقة بالمستغرب في محاضرة للدكتور توفيق السيف اذ تميز بالاسلوب السلسل المشوق المترابط العميق المبسط في ذات الوقت او كما وصفه مقدم المحاضرة الاستاذ محمد الحرز بقوله (السهل الممتنع الذي يذهب الى فكرته مثلما يذهب الطفل الى لعبته) و( يعطي الكثير حول جدية الحياة )
ابتدأ الدكتور توفيق السيف الحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية والعضو في مركز الدراسات العربية محاضرة الحداثة بمقدمة بين فيها ان ( التفكير في الاشياء هو الذي يأتي بالعلم ) مستحثا عقول الحضور ذكورا او اناثا في تقبل ما يريد التحدث به مضيفا ( ان العلم هو نتاج عصره وليس نتاج الاشخاص ) ليدخل في تعريف الحداثة والتي اختصرها في جملة ( تجديد الحياة) او كلمة ( المعاصرة ) والتي وجدها السيف قريبة من الاجتهاد الذي يفتح ابواب تعديل الاحكام وفقا للعصر الذي نعيش فيه.
واعتبر السيف أن الزمن عامل مهم في الحداثة التي (تعني بالحاضر والاتي وتتخذ  الماضي مصدرا للقيمة )حيث الزمن مهم في تحديث وتجديد وتطوير فكرة ما وفق احتياجات معينة
ووجد السيف ان اصل الجدل حول الحداثة هي قناعة توصل اليها مفكرون اعتقدوا ان الحداثة تهدف الى تغير التقاليد باتجاه جديد اكثر انسجام متوافق مع قدرات والحاجة الراهنة وهذا خلاف اصل الحداثة التي (تعتبر تجديد الحياة على ايدي الاحياء وفق مصالحهم) وضرب السيف امثلة على حداثة رفضت ثم تبين اهميتها او فاعليتها مثل تعليم البنت سابقا او العمل في ارامكو او غيرها
وشبه السيف رفض فكرة الحداثة بمن يتحدث عن لوحة بلون واحد فقط التي  تمثل  طبيعة الحجر لا الحياة فالحداثة مرتبطة بالحياة مع استمرارها.
عن شبكة التوافق الاخبارية
http://www.altwafoq.net/index.php?/article/172425

ابرز عناصر المحاضرة

ايهما افضل سيارة حديثة ام سيارة قديمة
ايهما افضل طب حديث ام طب قديم ، فكرة قديمة ام فكرة حديثة ، اسلوب عيش حديث ام قديم ؟ .
 لو سأل اي منا نفسه هذا السؤال لاجاب بالتاكيد : الحديث افضل .. لماذا يكون الطب الحديث افضل من القديم؟
- لان الطبيب الحديث يجمع معارف القدماء ويضيف اليها ما جاء بعدها .
الحداثة ببساطة شديدة هي المعاصرة ، الزمن يصبح عنصرا في تشكيل المعرفة والتقييم.
-         هل تبدو هذه قريبة الى فكرة الاجتهاد في الدين؟ الاجتهاد الذي يعيد تشكيل المسالة على ضوء عامل الزمان والمكان والجماعة؟.
ثمة جدل واسع حول الحداثة ، وفي معظم هذا الجدل ثمة خلط غير مقبول بين تعريفها الاولي وبين تشريح مراحلها التاريخية وتطبيقاتها . ولهذا فمن المهم العودة الى اصل المسالة بدل الانشغال في تداعياتها .
اصل الحداثة هو قناعة توصل اليها مفكرون بالحاجة الى تغيير نمط الحياة والثقافة والتقاليد السائدة نحو نمط جديد اكثر انسجاما مع قدرات الجمهور وحاجاته وظروف حياته الراهنة .
التغيير ليس مهمة يسيرة ، لان الناس بطبعهم اميل الى قبول ما اعتادوا عليه. كثير من الناس ترتبط مصالحهم بالوضع القائم ، ولذا فهم يعارضون اي تغيير ربما يضعهم امام مجهول ، او يضعف من قدرتهم على ضمان تلك المصالح.
الحداثة – ببساطة – هي تجديد الحياة على ايدي الاحياء ووفقا لمراداتهم ومصالحهم . ليس شريحة معينة ولا طبقة خاصة ، بل جميع الاحياء ، جميع الناس .
وفقا للقاعدة المعروفة ، فانه اذا انتفع اكثر الناس من التغيير فان الجميع سيحصل على فرصة لمنافع جديدة ، حتى اولئك الذين كانوا يخشون من التغيير .
امثلة من واقع بلادنا ..
في اوائل القرن عارض بعض وجهاء البلاد وعلمائها تحديث التعليم خوفا من التغريب ، فما هو رأيهم الان ؟..
هل يرون وهل ترون جميعا في ما حدث منفعة ام تتمنون لو بقي الحال على ماكان في بداية القرن.
في ذلك الوقت عارض بعضهم الاذاعة والتلفزيون واخيرا البث الفضائي .. لكنهم وجدوا بعد ذلك انه يوفر  فرصا جديدة للتواصل مع جمهورهم .
على مستوى الدولة عارضوا تخصيص الخدمات العامة ، لكننا ندرك اليوم ان تخصيص الهاتف قد انهى مشكلة عويصة . عارضوا السفر الى البلدان الاجنبية ، لكننا نعرف اليوم ان هذا كان سبيلا الى تحسين حياة الناس وثقافتهم .
ما المشكلة اذن ، ولماذا اصبحت الحداثة محل جدل في مجتمعنا ؟
- هذه بعض الاسباب المحتملة :
1-    كونها جاءت في سياق الانفتاح الحضاري على الغرب
2-    لان الحراك الثقافي في مجتمعنا قائم على التلقي لا النقد
3-    لاننا مجتمع قلق ، ينظر للامور بقلبه وعقله معا ، ولهذا فهو يخلط – بصورة لا ارادية بين المعرفة والقيمة .
معالجة هذه الاسباب هي جزء من الانتقال الى الحداثة ولهذا سوف نركز عليها .
العلاقة الملتبسة مع الغرب:
هل المشكلة في الغرب ام في غرابة الحداثة.
هناك كلام كثير عن الاطار المعرفي الذي تطورت فيه فكرة الحداثة . لكني ساقترح عليكم تحليلا مختلفا للموضوع . المشكلة في ظني ليست في كون الفكرة غربية ، بل في كونها غريبة . كل الذين جربوا الحداثة مقتنعون اليوم بانها خيار افضل . ولنتذكر نفس الامثلة السابقة ونظرتنا اليوم اليها .
نعم .. فكرة الحداثة جاءت من الغرب .. لكن لماذا نناقشها من الخارج ، فنقول اننا نرفضها او نقبلها ؟.. بدل الرفض المبدئي ، دعنا نفككها ، نحذف المزعج منها ونعيد انتاج المريح والمقبول ضمن نسيجنا الثقافي الخاص. مباديء الحداثة هي القطار الذي حمل الغربيين الى الح
ضارة المعاصرة .. فهل نستطيع تكرار التجربة؟
تكرار التجربة مشروط بتبيئة الحداثة ،اي جعلها منتجا محليا متناغما مع هويتنا وحاجاتنا .
ترى هل نستطيع تبيئة الحداثة ؟
- نعم ولكننا نحتاج الى بعض التمهيدات واولها تعديل السياق الثقافي من التلقي الى النقد
الحراك الثقافي في مجتمعنا قائم على التلقي لا النقد.
ما هو الفرق بين الاستماع الى محاضرة يلقيها عالم وبين مناقشة العالم ؟
- لقد اكتشفتم جميعا هذا الفارق ، على الاقل من خلال المقارنة بين المحاضرات التي تلقى في التلفزيون وبين الحوارات التي تجريها ذات القنوات ..
الفارق بين الاثنين هو في الموقف النقدي للمحاور والمناقش .. في المناقشة يستمع الانسان الى ما يقوله المتحدث بينما يبحث عقله عن نواقص الحديث ، وحين يرد بسؤال اخر فانه سينبه المتحدث الى ذلك النقص ، ومن هنا فسوف يشترك الطرفان في التفكير وفي صناعة الفكرة . الجدل يخلق افكارا جديدة ويسمح بدخول الطرفين الى عمق الفكرة بدل الوقوف عند اطرافها .
هناك بشكل عام نوعان من الثقافة : ثقافة الاجوبة وثقافة الاسئلة . ثقافة الاجوبة هي نهايات للعلم ويميل الناس اليها لانهم يرغبون في جواب يريحهم ، اما ثقافة الاسئلة فانها طرق العلم ولا يرغب فيها اكثر الناس لانها متعبة ، فهم يعملون فيها اذهانهم ولا يصلون الى جواب اخير. بطبيعة الحال كلا النوعين ضروري ، لكن الاول ينتهي الى ما يسمى بالتقنيات ومكانه دليل استعمال الاجهزة . اما الثاني فهو العلم الحقيقي الذي يقود الانسان خطوة خطوة الى كشف الغيب.
العقل النقدي هو ابرز اعمدة الحداثة. التلقي والتلقين هو ابرز اعمدة التقاليد. العقل النقدي يعطيك سلاحا لفهم الاشياء واستيعابها، قبل الحكم عليها، اما عقل التلقين فهو يجردك من سلاحك، اي من عقلك. ورد في الاثر " اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل دراية لا عقل رواية فإن رواة العلم كثير و رعاته قليل".
لماذا شاعت ثقافة التلقي والتلقين بدل ثقافة الجدل والسؤال؟
السبب في رايي هو القلق على الهوية والقلق على الوحدة . والعلة الكبرى لهذا القلق هو الخلط بين المعرفة والقيمة.
الخلط بين المعرفة والقيمة
مجتمعنا قلق ، ينظر للامور بقلبه وعقله معا ، ولهذا فهو يخلط – بصورة لا ارادية - بين المعرفة والقيمة . بعبارة اخرى : حينما نسمع عن شيء مثل الحداثة ، فان سؤالنا الاول هو : هل هي جيدة ام سيئة ؟ هل تتفق مع قيمنا ام تعارضها . وهذا سؤال سابق لوقته وغير سليم ..
السؤال الاول الصحيح هو : ماهو هذا الشيء الجديد ، ما هي مكوناته ، وهل فيه شيء يفيدنا ام لا ، وما هي خلاصة تجارب الاخرين فيه . وهل نستطيع تعديله كي يتوافق مع حاجاتنا .. 
هذه هي الاسئلة الصحيحة التي ستقود بالطبع الى فهم لماذا يكون الشيء موافقا او مخالفا لقيمنا . ونشير في هذا الصدد الى نقطتين:
الاولى :  مناقشة الجديد تحتاج الى تسامح المجتمع ازاء الافكار المختلفة والمتنوعة ، اي قبوله بالجدل في كل المسائل . نحن نكره الجدل لاننا نظن انه يؤدي الى الخلاف والنزاع ، وهذا قد يكون صحيحا ، لكننا – بسبب هذا القلق – ضحينا بالفائدة الاهم للجدل ، اي تنشيط العقول وابتكار الافكار الجديدة . ولهذا نحن نميل – بصورة لا اردية ربما – الى ايكال التفكير الى اشخاص محددين نعتبرهم نخبة القوم ، ونطالبهم بان يقولوا لنا ما ينبغي ان نأخذ به.
من ابرز اركان الحداثة هو مبدأ الفردانية ، الذي يعني ان كل فرد يجب ان يشارك في التفكير وان كل فرد يجب ان يطور معرفته من خلال المثاقفة والتامل والتجربة. الحركة الثقافية ضمن اطار الحداثة ليست نشاطا نخبويا يقوم به افراد معينون بل تجربة اجتماعية يشترك فيها الجميع.
في تجربة المجتمعات الغربية ، كانت الكنيسة تعتقد ان العلم كله موجود في مكتباتها . وبالمناسبة كانت مكتبات الكنائس الكبرى هي المكان الوحيد الذي حفظ تراث الانسان ، لكنه ايضا حدد طريقة استعماله. كان الاعتقاد السائد ان كل علم يخالف ما فهمه الرهبان من الكتاب المقدس فهو علم باطل وممنوع. فى عام 1600م تم احراق جيرانو برونو ، الذي طور فيزياء كوبرنيكوس, حيا ،  في احدى ساحات روما  ، بامر من محكمة كنسية ، لانه قال بعلم يخالف ما تاخذ به الكنيسة . بعد ذلك بثلاثة عقود من الزمن اعتمد  جاليليو على نفس الفكرة ليطور التلسكوب ، ويطرح نظرية حول كون الشمس مركز الكون . حكم على جاليليو  بالسجن المؤبد في 1633 لانه قال بما يخالف نظرية بطليموس التي تتبناها الكنيسة. لكن الكنيسة برأته في 1979. كانت فيزياء جاليليو الاساس الذي بنيت عليه فيزياء نيوتن ومن جاء بعده. ولولا نظرياته الابداعية في علم الفلك والفيزياء لما كان لدينا اليوم طيران او اتصالات فضائية.
الثانية : كي تحكم على الاشياء تحتاج الى معرفتها بدقة . وهذا يعني ان تؤخر الحكم عليها الى ما بعد المعرفة . القلق على تاثير الجديد على هويتنا وقيمنا هو الذي يجعلنا زاهدين في الاشياء الجديدة. ولهذا فاننا بحاجة الى التاكيد على الخط الفاصل بين المعرفة والقيمة كي لا نقبل بالاشياء لمجرد جمالها ولا نرفضها لمجرد غرابتها .
نقاط تكميلية :
الحداثة تقدم الجديد على القديم لكنها لا تلغي القديم بل تستثمره كمرجع .
الحداثة تقدم العلم على المعتقد والعقل على القلب ، لكنها لا تلغي المعتقد ولا القلب.
الحداثة تعتبر الناس جميعا سواء في التفكير وصناعة القيم لكنها لا تلغي دور النخبة .
الحداثة تؤمن ايمانا مطلقا بالغيب وترفض الوثنية .. ما وراء الحجاب هو فرصة تستحق البحث والتحدي.
 الحداثة تفكر في تسخير الطبيعة لا الوقوف بخوف امام صعوباتها .
كيف نفكر في الحداثة وكيف نتعامل معها :
ما الفرق بين شراء كتاب وقراءة كتاب ؟ ما الفرق بين شراء وردة او زراعة وردة ؟ بين شراء سيارة وتصميم سيارة ؟
انتم ترون ان اشخاصا كثيرين يشترون كتبا ، لكن هل يقرأونها جميعا ؟ . عشرات الناس يشترون الورود لكن كم عدد الذين يزرعونها في منازلهم ؟.
تشير هذه الاسئلة الى الفارق بين نوعين من السلوك الانساني : سلوك يدور حول امتلاك شيء وسلوك يدور حول تجربة الشيء . الذي يشترى كتابا يملك الورق ، اما الذي يقرأ فهو يخوض تجربة ثقافية ، يقوم خلالها بتعديل افكاره ، باضافة اشياء او حذف اشياء او تعديل اشياء في ذهنه . كذلك الذي يزرع الوردة ، فانه يخوض تجربة ، يقيم علاقة مع التراب والشجر والماء والالوان والزمن . يتحقق الامتلاك في لحظات ، اما التجربة فهي تحتاج الى وقت لانها تنطوي على تغيير في سلوك الانسان وفي اهتماماته وفي اولوياته ، في الاشياء التي يحبها او يكرهها. ولهذا السبب فان علاقتنا مع الغرب ملتبسة ، نحن نحب اقتناء وتملك منتجات الغرب ، لكنا لا نريد خوض تجربة العلاقة مع هذه المنتجات . الافكار والفلسفة والقوانين لا تختلف كثيرا عن السيارة والساعة والكمبيوتر .
معظم الناس يحرصون على اقتناء وامتلاك هذه الاشياء لكن قليلا منهم يرغبون في تفكيكها واعادة تركيبها او تعديلها ، اي الدخول في علاقة نقدية غرضها الفهم والاستيعاب ثم الحكم.  العلاقة النقدية هي تجربة تنطوي على محاولة للمعرفة الكاملة بالموضوع ، اي تفكيكه ثم اعادة تركيبه . وبالتالي فهم المنطق الذي يعمل وفقا له .
بدأت علاقتنا مع الغرب منذ زمن بعيد ، ولا زالت مثلما بدأت . نحن ننظر الى الصناديق التي يصدرونها الينا ، سواء كانت صناديق حديدية تحتوي اشياء اسمها سيارات ، او صناديق ورقية تحتوي اشياء اسمها افكار . ننظر اليها من الخارج ، نحاول امتلاكها ، نقبلها او نرفضها كما هي ، لكننا لا نفتحها ، لا نفككها ، لا ننظر الى ما في داخلها .
الذي يفكر في الامتلاك يريد الشيء المملوك جميلا وجذابا يتناسب مع ذوقه . ولهذا فهو يرفض كل ما لا يتناغم مع ذوقه او ميوله. والذي يفكر في التجربة قد يخوض الصعاب ويتحمل الالم حتى نهايتها. انظروا مثلا الى مفكر ينفق سنوات طويلة من عمره كي ينتج كتابا يستحق القراءة او يصمم جهازا يفيد الناس او يتوصل الى نظرية او حل لمشكلة ، مع انه شخصيا لا يستفيد منها بشيء. هذا الرجل يحركه الايمان بالتجربة لا التملك.
تذكروا راي مالك بن نبي عن الفارق بين المسلمين واليابانيين في تعاملهم مع حضارة الغرب ، اولئك ذهبوا كزبائن وهؤلاء ذهبوا كمتعلمين وتعرفون النتيجة التي توصل اليها كل من الطرفين.
خلاصة الكلام ان الحداثة ، مثل كل الافكار الجديدة الاخرى هي منتجات بشرية وليست صناديق مقدسة ، يمكن لنا ان نفتحها ونفككها ثم نعدل فيها ما نشاء ثم نعيد تركيبها على نحو ينسجم مع مراداتنا وظروفنا وتصوراتنا عن انفسنا وعالمنا. الحداثة ليست نصا منزلا ولا قطعة من الجوهر نخشى ان تنكسر اذا فككناها . نحن بحاجة الى موقف تجريبي ونقدي من الحداثة وغيرها ، كي نكتشف ما الذي يفيد وما الذي يضر فيها .

مقالات  ذات علاقة
 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)
تعقيبات على الكتاب

13/04/2011

الوطن شراكة في المغانم والمغارم



 الرياض  - 9 / 1 / 2011م 
تحدث الدكتور توفيق السيف، في منتدى د. راشد المبارك بالرياض هذا الاسبوع، حول مفهوم الوطن، المواطن، المواطنة، الوطنية، فأشار إلى أنها تعبيرات شائعة يختلط في معناها الوصف بالقيمة. لكنها جميعا تنطوي على إشكاليات أساسية، مصدرها كما تطورها خارج الإطار المعرفي العربي، وتطبيقها على نحو متغاير مع حاجات الناس في العصر الجديد.
وأضاف ان مفهوم المواطنة المتداول الآن يشير إلى منظومة من الحقوق الدستورية يتمتع بها الفرد مقابل ولائه لوطنه. وتعتبر الثورتان الفرنسية «1789» والامريكية «1775» محطات حاسمة في تطور المفهوم، الذي قصد من صياغته تمييز المواطن ذي الحقوق عن المفهوم السابق الذي يعتبر الخاضعين لسلطة الامبراطور رعايا أو أتباعا يتوجب عليهم طاعته دون مناقشة. عرف ارسطو المواطن بأنه «الرجل المؤهل لتولي المناصب العامة»، وهذا مفهوم أساسي في الفكر الدستوري المعاصر فهو ينطوي على جانب كبير من فكرة المسؤوليات المتبادلة بين الدولة والأفراد .

المرحوم د. راشد المبارك

والوطن بالمفهوم السابق ليس عميق الجذور في الثقافة العربية. فقد انتقل إليها من الإطار المعرفي الأوربي، ولم يتحول إلى جزء نشط ومتطور في النسيج الثقافي العربي. والسبب يرجع إلى ضآلة الإنتاج الفكري الجديد في اللغة العربية خلال القرن العشرين، وهذا الفقر اظهر ما يكون في حقول الفلسفة السياسية وعلم الاجتماع والقانون، وهي الحقول العلمية التي عولجت في إطارها فكرة الوطن والدولة في صورتهما الحديثة.
وأشار إلى مفهوم الوطن الرومانسي والوطن المادي، فأضاف إن الإذاعة والتلفزيون والصحافة والمدارس يتحدثون عن الوطن الذي نحبه ونفديه ونعظمه ونفخر به أما الوطن المادي الواقعي فهو الذي تقابله حين تخرج صباحا الى المدرسة او العمل، تسمع عن مشكلة. وتقابله حين تريد التعبير عن رأيك أو تختار مكانتك ودورك وحصتك في الفرص وفي كلف المواطنة، وفي القانون الذي تخضع لمتطلباته، وفي العلاقة مع الذين ينفذون هذا القانون.
بعبارة أخرى فان الوطن الرومانسي هو الوطن الذي نحمله ونحميه ونفديه، أما الوطن المادي فهو الوطن الذي يحملنا ويحمينا ويفدينا. هذا الوطن ليس مجرد ارض حتى لو كانت مقدسة، بل هو شرفي المغانم والمغارم ونظام للتكافل الجمعي يتساوى فيه صغير القوم مع كبيرهم، قريبهم وبعيدهم.
مقابل هذا المفهوم، يتكون مفهوم الوطن في الفكر الحديث من ثلاثة عناصر: الأرض «السيادة على إقليم محدد» وعقد اجتماعي ينشيء نظاما سياسيا ذا ملامح محددة، ومشاركة نشطة من جانب كل مواطن في تقرير أو تسيير امور البلاد.

الفوارق بين المفهومين

ثمة عناصر أساسية يتفارق عندها مفهوم الوطن الجديد عن المفاهيم الثلاثة السابقة:
1.      مفهوم الجماعة ويركز على عنصر الإيمان باعتباره أرضية العلاقة بين أعضاء الجماعة، ويتضمن هذا المبدأ منظومة حقوق وتكاليف متقابلة، من بينها الضمان القانوني للحريات الطبيعية والمدنية وتساوي الفرص والمشاركة في الشأن العام.
2.      مفهوم الأمة يقارب إلى حد كبير مفهوم "الاثنية" أي الرابطة القائمة على مشتركات ثقافية أو عرقية، وهو لا يعد في العلوم السياسية الحديثة أساسا لعلاقات دستورية أو سياسية.
3.      مفهوم "الوطن" في التراث الإسلامي وينطبق على القرية أو مسقط راس الإنسان.

ظهور وتطور مفهوم الوطن المعاصر

 مفهوم الوطن الجديد يتألف من ثلاثة عناصر أساسية: ارض وعقد ومشاركة نشطة. تبلور هذا المفهوم وتطور خلال ثلاث مراحل، إلا انه لم يتطور في بلادنا.
ومن ثم طرح الدكتور توفيق السيف سؤالا جوهريا ومهما، قائلا لماذا لم يتطور هذا المفهوم في بلادنا؟
واجاب قائلا ان فكرة الوطن تؤسس لمبدأ المواطنة والمتوفر منها بشكل صريح وواضح هو الأول فقط. أما الثاني والثالث ففيهما نقاش وقد يقال أنهما - بنسبة ما - متوفران لشريحة من المواطنين..
و نستطيع القول دون مجازفة بان فكرة الوطن لازالت محل جدل، وان مبدأ المواطنة لازال غير مستقر ثقافيا ودستوريا. ثم عرض ثلاثة أسباب محتملة لهذا الحال، لا تشكل تفسيرا كاملا، لكنها تشير إلى طبيعة المشكلة التي نحن بصددها:
الاول - ثقافتنا الموروثة تدور حول محور "التكليف" او الواجب وليس "الحق". حين نربي أولادنا فإننا - في العادة - لا نعلمهم حقوقهم وواجباتهم، بل الأخير فقط، ونعتبر الولد الفاضل والمهذب هو الذي يلتزم بالتكاليف التي عليه. كذلك الأمر في المدارس والإعلام والمنابر الدينية. نحن نتحدث كثيرا عما يجب علينا وما لا يجب، لكننا لا نتكلم إلا نادرا عن حقوقنا وحقوق الآخرين. هذا سائد في اللغة والأدب والتعليم والإعلام والتربية
الثاني- قبل ثمانية عقود تأسست المملكة كمجتمع سياسي جديد اندمجت فيها مجتمعات تنتمي إلى خلفيات اقتصادية وتاريخية متنوعة، وفي بعض الحالات متباينة. يتحدث علماء السياسة عن مرحلة وسيطة بين قيام الدولة واكتمالها، يجري خلالها بناء الدولة «اي النظام السياسي» وبناء الأمة أي «المجتمع السياسي». عملية بناء الأمة تستهدف تسكين الهويات السابقة للدولة في إطار يتفق عليه الجميع هو الهوية الوطنية الجامعة التي تقر الهويات الأصلية لكن تنزلها من الإطار السياسي إلى الاجتماعي - الثقافي. تتطلب هذه العملية إستراتيجية إدماج واسعة لربط اقتصاديات المناطق وتوحيد القوانين المطبقة فيها وكشفها ثقافيا واجتماعيا. من العناصر الرئيسية في إستراتيجية الاندماج نذكر في الجانب الاقتصادي مثلا التنمية المتوازنة جغرافيا وتوزيع المنافع وتساوي الفرص، وفي الجانب السياسي نذكر التمثيل المنصف في الإدارة العامة، وفي الجانب الاجتماعي والثقافي تشجيع التعبير عن التراث الثقافي والفني الخاص بكل منطقة وعرضه في بقية المناطق
إلا أن عملية بناء الدولة تركز على المؤسسات القانونية التي تنظم العلاقة بين المجتمع والحكومة، وأبرزها الدستور او القانون الأساسي والمؤسسات التي يشارك من خلالها المواطنون في القرار المتعلق بمصالحهم، وكذلك القنوات التي يعبرون من خلالها عن رأيهم وتطلعاتهم. وفي كلا المجالين فإننا نعاني فقرا شديدا.
من الواضح ان إستراتيجية شاملة ومقصودة لبناء الدولة وبناء الأمة لم تطرح أبدا.
الثالث-  الاتجاه الديني ينطوي على ارتياب في الفكرة دفع الحكومة والنخبة الى الإغماض عنها.
واضاف الدكتور السيف قائلا انه لا شك لدي بالقدر الذي اطلعت عليه من كتابات علماء الدين السعوديين فان فكرة الوطن ومبدأ المواطنة لم تكن ضمن انشغالاتهم الفكرية في أي وقت من الأوقات. وجميع ما كتبوه - مما اطلعت عليه - يدور تقريبا حول محورين: القلق من تقديم الرابطة الوطنية على الرابطة الدينية والقلق من اتخاذ الاحتفاء الرمزي بالوطن صفة العيد.
على أي حال فان الارتياب في مبدأ المواطنة كأساس للرابطة الوطنية واضح في الأدبيات المعبرة عن التيار الديني التقليدي، وصدرت فتاوى تحرم الاحتقال باليوم الوطني وتكريم الرموز والممارسات الرمزية الخاصة مثل تحية العلم والنشيد الوطني وأمثالها.

استراتيجية التصحيح

ثم تطرق الدكتور توفيق الى استراتيجية تصحيح لهذا الوضع، تتلخص في النقاط التالية:
1.      عمل فكري يرسم مفهوم "الوطن" وطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تقوم بين أعضاء المجتمع السياسي «المواطنين»، والقيم المعيارية التي نرجع إليها كناظم ومفسر عند الاختلاف. اقترح مفهوم "شراكة التراب" كقاعدة فلسفية لفكرة الوطن التي نريد تصميمها.
2.      عمل قانوني - سياسي يتمثل في إنشاء المؤسسات التي تستوعب وتنظم تطبيق البند السابق، إضافة إلى تنظيم المشاركة الشعبية في القرار والشأن العام.
3.      عمل إعلامي وتربوي - تعليمي يستهدف إيصال المفهوم الجديد إلى المواطن كما يسعى لإقناع المواطنين بالمشاركة الفاعلة في إستراتيجية التصحيح.
4.      إستراتيجية للإنماء الاقتصادي يستهدف ربط مناطق الأطراف بالدورة الاقتصادية الوطنية، ويعزز جاذبيتها للاستثمار، ويسهم في إنهاء وضعها الحالي الطارد للقوى العاملة المؤهلة.
5.      الانفتاح الإعلامي والثقافي وتمكين جميع المواطنين من التعبير عن أنفسهم وثقافاتهم الخاصة وآرائهم في إطار الجدل السلمي الحر والمحمي بالقانون. وهذا يتطلب التعجيل في إصدار نظام الجمعيات التطوعية وجعله مرنا واسع الاستيعاب، وتغيير فلسفة الرقابة على النشر.
هذه العناصر الخمسة تمثل محاور لإستراتيجية واسعة يمكن أن نطلق عليها إستراتيجية الاندماج الوطني أو إعادة بناء الهوية الوطنية أو إعادة صناعة الإجماع الوطني. ويمكن أن تطلق كبرنامج من مرحلتين، خمس سنوات لكل منهما، تبدأ برسم الصورة التي نريد الوصول إليها في نهاية المدة، وتفاصيل الخطوات التي يجب القيام بها لقطع المسافة والبرنامج الزمني والمتطلبات المادية والعملية.
كان ذلك أخر فقرات ندوة الدكتور توفيق السيف التي عقدت في الاحد2/1/2011م في ديوانية الدكتور راشد المبارك بالرياض والتي تعتبر من ابرز الديوانيات على مستوى المملكة، وحضرها جمع كبير من المهتمين ومن الأدباء والمفكرين وأساتذة الجامعات، مما أثرى النقاش الذي تلي الندوة، فكانت هناك مداخلات واستفسارات كثيرة حول الموضوع، وأثنى غالبية المشاركين على المحاضر والمحاضرة القيمة، والتي استمرت أكثر من ساعتين ونصف، وأدارها الدكتور يحيى ابو الخير.

مقالات ذات علاقة 

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...