25/02/2010

تحولات التيار الديني -1 : تصدعات وقلق المؤامرة


في العام المنصرم (2009) خسر الشيخ سعد الشثري كرسيه في هيئة كبار العلماء بعدما دخل في جدل حول ما قيل عن السماح بالاختلاط في جامعة الملك عبد الله للعلوم ، التي ينظر اليها كنموذج لمستقبل التعليم العالي في المملكة . وتعرضت تصريحات الشثري لنقد واسع النطاق في الصحافة بينما حصلت على تاييد في منتديات الانترنت التي يسيطر عليها السلفيون الشباب. تكرر الامر نفسه قبل بضعة اسابيع مع الشيخ محمد العريفي بعدما القى خطبة تضمنت كلاما غير لائق في حق اية الله السيستاني والشيعة السعوديين.
خلافا لما هو متوقع فان معظم المشايخ وزعماء التيار السلفي اختاروا السكوت ونأوا بانفسهم عن الجدل في كلا الحادثتين. ولم يكن مثل هذا الموقف معتادا في الماضي. يكشف هذا الموقف عن تصدع جديد في صفوف التيار الديني السعودي ، كان دافعه في هذه المرة سياسيا مثل جميع التصدعات السابقة.

ومنذ اواخر العام 2003 بدأت الصحافة المحلية في نقد فتاوى العلماء ونشاطات المؤسسة الدينية بعدما كان هذا من المحظورات . وفي هذه الايام نشاهد مثل هذا النقد بشكل شبه يومي. وثمة كتاب اصبحوا معروفين بمعاركهم المتكررة مع الهيئات الدينية ورجالها. ولا يقتصر النقد على الكتاب المعروفين باتجاهاتهم الليبرالية ، فهناك ايضا مثقفون من داخل التيار الديني ، وهناك رجال دين بارزون يكتبون باستمرار في هذا الاتجاه. وخلال العام الجاري برز اسم الشيخ احمد بن باز ، نجل المفتي السابق كناقد رئيسي للافكار والممارسات المتعارفة في الوسط الديني. وانتقل الجدل الى الاعلام الديني نفسه ، ولا سيما على القناة التلفزيونية "دليل" التي يشرف عليها الشيخ سلمان العودة ، حيث قدمت برنامج نقاش اسبوعي غالبا ما اثار الجدل.

في الوقت الراهن يمكن تمييز اتجاهات متعددة واحيانا متصارعة في داخل التيار الديني السلفي . ولم يعد الامر مقتصرا على التنافس الطبيعي بين كبار الشيوخ ، بل انتقل الى الشارع وتمظهر في مواقف متعارضة تجاه المسائل السياسية والدينية المثيرة لاهتمام عامة الناس.

يعتقد بعض المراقبين ان انشغال التيار الديني بالسياسة هو العامل الرئيس وراء ما اصابه من تصدع . شهد العام 1991 ثاني انشقاق رئيسي في التيار السلفي حين عبر جيل الشباب فيه عن رؤية سياسية تتعارض – من حيث الشكل والاسلوب – مع المنهج الذي اعتاده رجال الدين التقليديون الذين تتشكل منهم المؤسسة الدينية الرسمية . وتعرض رموز الانشقاق لعنت شديد . لكن فكرة التمايز بين الجيل الجديد وشيوخه استمرت في الاختمار والتبلور حتى تحولت في نهاية عقد التسعينات الى مشروع جديد مختلف الى حد كبير عما كان معروفا في الوسط الديني السعودي. لم يجرؤ احد في بداية التسعينات على التشكيك في سلطة كبار العلماء ومرجعيتهم في الامور الدينية وغير الدينية. لكن الكثير منهم يتعرض الان لنقد صريح ، يتجه لارائهم احيانا ولاشخاصهم في معظم الاحيان.

يفسر السلفيون التقليديون هذا النقد باعتباره مظهرا لمؤامرة او جزءا من مؤامرة ، تستهدف في نهاية المطاف اضعاف مقاومة المجتمع لما يوصف بالغزو الثقافي الاجنبي ، وتفكيك العوائق التي تعطل تغريب البلاد. ليس ثمة شك بان هناك من ينظر الى التيار السلفي باعتباره معيقا للحداثة التي يحتاجها المجتمع السعودي. وليس ثمة شك ان التحديث يؤدي فعليا الى تهميش العديد من القيم واساليب العيش التقليدية لصالح قيم جديدة – غربية في معظمها – . لكن من المبالغة اعتبار هذا التحول مؤامرة على التيار الديني او نسبة التصدع الذي يتعرض له الى مؤامرة . التحديث ينطوي بالضرورة على تحول في الافكار والمواقف والمواقع الاجتماعية والقيم الناظمة للعلاقات الاجتماعية . وهذا يقود بالطبع الى تمايز المصالح وتعارضها . فاذا اتخذ التيار الديني موقفا مضادا لمسيرة التحديث فسوف يكون جزءا من الصراع بين القوى الداعمة للحداثة وتلك المدافعة عن التقاليد. بهذا المعنى فان الموقف السلبي من التيار الديني يفسر كتمظهر للجدل حول الحداثة والتحديث وليس كمؤامرة عليه.

انشغال التيار الديني بالسياسة ادى الى ظهور دوائر مصالح فرعية ، متنافسة نوعا ما، في داخله، تشبه – من بعض الوجوه على الاقل – التنافس الذي كان قائما في الماضي بين كبار الشيوخ على النفوذ الاجتماعي . واظن ان تعارض المصالح قد ساهم في تسليط الضوء على العيوب ونقاط الضعف الرئيسية في الخطاب الديني التقليدي . ثمة بين السلفيين الشباب من يسعى للتخلص من الطابع الخشن والمتشدد الذي ميز هذا التيار في السنوات الماضية . وهم يطرحون رؤيتهم من خلال الدعوة لما يسمى بفقه التيسير او فقه المقاصد .
من زاوية سوسيولوجية بحتة ، يمكن اعتبار مثل هذا التطور تجسيدا لتاثير السياسة في الافكار ، او مثالا على انعكاس التغيير في نظم المعيشة والاقتصاد على التفكير الديني ونمط التدين. وهذا ما سوف نعود اليه في مقال آخر. 



الايام 25 فبراير 2010  http://alayam2.epkss.com/Issue/7626/PDF/Page23.pdf

22/02/2010

بعد عقدين على صدوره ، نظام المناطق يحتاج الى مراجعة


 بعد عقدين تقريبا على صدور نظام المناطق ، تبدو الحاجة ملحة لمراجعة مدى نجاحه في تحقيق الغاية الرئيسية التي صدر من اجلها ، واعني بها التحول الى نظام الادارة اللامركزية ولا سيما في مجال الخدمات العامة والتنمية .
في المملكة مثل جميع الاقطار العربية الاخرى ساد الميل فيما مضى الى ادارة مركزية لجميع اعمال الحكومة ، من تعيين صغار الموظفين حتى وضع الميزانيات والخطط العمرانية في كل قرية ومدينة. صدور نظام المناطق في 1992 كان بمثابة تاكيد على الحاجة الى تجاوز ذلك النمط الاداري ، وهو اتجاه اخذت به جميع دول العالم المتقدم واثبت نجاحه في حل مشكلات الادارة والتوزيع المتوازن للموارد الوطنية فضلا عن تعزيز هيبة الدولة وكفاءة القانون.

قراءة الصيغة التي صدر بها النظام تشي بنوع من الحذر والتجريبية ، ويبدو هذا امرا طبيعيا عندما تقرر ادخال تغييرات رئيسية على فلسفة عمل يتاثر بها ملايين الناس وتتحرك وفقها مليارات الريالات كل عام. لكن بعد ثمانية عشر عاما من صدور النظام ، يمكن القول ان لدينا ما يكفي من التجربة والقدرة على اكتشاف نقاط القوة ونقاط الضعف في ذلك النظام وفي تطبيقاته.
المبرر الرئيس للنظام المركزي هو ضبط العمل الاداري والانفاق وربطهما بالخطط المقررة سلفا ، وصولا الى تضييق نطاق التصرف الشخصي في الموارد العامة ، وفرض النسقية او سيادة القانون في جميع ارجاء البلاد على نحو واحد.  على اي حال فان فاعلية النظام المركزي وفائدته مرحلية ، سيما في ظروف النمو الاقتصادي السريع كما هو الحال في المملكة.

اتساع الرقعة الجغرافية والتنوع الاجتماعي والبيئي الكبير يجعل الادارة عن بعد اقل كفاءة مما يتمنى المخططون. صحيح ان تطور انظمة المواصلات والاتصالات ربما قللت من تاثير التباعد الجغرافي ، لكنها لا تعالج ابدا تاثيرات التباين البيئي والاجتماعي ، وهما عنصران مؤثران بشدة في العمل الفعلي لاي ادارة عامة.

في المقابل فان نظام الادارة اللامركزية يستهدف جعل الخطط والمشروعات متناغمة مع حاجات البيئة الجغرافية والاجتماعية المحلية . ويظهر ذلك على وجه الخصوص في جانبين متكاملين :

الاول : في كل منطقة ثمة شريحة من الموارد وفرص الانماء تختلف عن المناطق الاخرى . كما انها تعاني من مشكلات او هموم تتمايز بدرجة او باخرى عن غيرها. بل انه حتى في الموارد والفرص المتشابهة فان مستويات المعيشة والنمو ، اي القابلية المحلية لاستثمار الموارد والفرص تتباين بين منطقة واخرى ، الامر الذي يستوجب طريقة مختلفة في التخطيط وتوزيع الميزانيات بحيث تحصل المناطق الاقل نموا على حصة اكبر من المشروعات بهدف ايصالها الى المستوى الوطني العام في عرض الفرص والقدرة على استثمار الفرص القائمة. هذا يعرف في دراسات التنمية بالتوزيع المتوازن للثروة الوطنية.

الثاني: رغم اهمية الكفاءة العلمية في الاداريين ، الا ان المعرفة العميقة للبيئة الجغرافية والاجتماعية للعمل ، اي تلك العناصرالتي تندرج في الجانب الاول ، هي في الغالب ثمرة للمعايشة المباشرة والطويلة الامد. مدير المدرسة الذي يعرف عائلات الطلاب وتاريخهم ووضعهم الاجتماعي هو الاقدر بالتاكيد على فهم طبائعم ومشكلاتهم وعناصر قوتهم وضعفهم والعوامل المؤثرة في نفوسهم . مدير البلدية الذي هو ابن البلد اقدر من غيره على استيعاب حاجات قريته او مدينته والعناصر المساعدة والمعيقة في انمائها ، والامر نفسه يقال عن معظم جوانب العمل الاخرى.
لا ينبغي المبالغة بطبيعة الحال في تقدير اهمية هذا الجانب ، لكن من الخطأ ايضا اغفاله او تناسيه ، فاهل مكة ادرى بشعابها كما في الامثال.

بناء على تجربتنا الخاصة وعلى تجارب العالم نستطيع القول ان الادارة اللامركزية تضمن استفادة اكبر من الامكانات المادية والبشرية المتاحة في انجاز الاعمال المطلوبة . لان التنمية والتطوير ليست فقط خططا على ورق ، بل تفاعل بين المخطط والمدير وبين البيئة الاجتماعية التي يعمل فيها ، فضلا عن التناغم الضروري بين الخطط وبين الظروف البيئية والجغرافية المحلية .
التحول الى اللامركزية الادارية والتنموية يتطلب تمهيدات قانونية وتنظيمية ، سوف نعود اليها في وقت لاحق.

عكاظ 22 فبراير 2010

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...