22/02/2010

بعد عقدين على صدوره ، نظام المناطق يحتاج الى مراجعة


 بعد عقدين تقريبا على صدور نظام المناطق ، تبدو الحاجة ملحة لمراجعة مدى نجاحه في تحقيق الغاية الرئيسية التي صدر من اجلها ، واعني بها التحول الى نظام الادارة اللامركزية ولا سيما في مجال الخدمات العامة والتنمية .
في المملكة مثل جميع الاقطار العربية الاخرى ساد الميل فيما مضى الى ادارة مركزية لجميع اعمال الحكومة ، من تعيين صغار الموظفين حتى وضع الميزانيات والخطط العمرانية في كل قرية ومدينة. صدور نظام المناطق في 1992 كان بمثابة تاكيد على الحاجة الى تجاوز ذلك النمط الاداري ، وهو اتجاه اخذت به جميع دول العالم المتقدم واثبت نجاحه في حل مشكلات الادارة والتوزيع المتوازن للموارد الوطنية فضلا عن تعزيز هيبة الدولة وكفاءة القانون.

قراءة الصيغة التي صدر بها النظام تشي بنوع من الحذر والتجريبية ، ويبدو هذا امرا طبيعيا عندما تقرر ادخال تغييرات رئيسية على فلسفة عمل يتاثر بها ملايين الناس وتتحرك وفقها مليارات الريالات كل عام. لكن بعد ثمانية عشر عاما من صدور النظام ، يمكن القول ان لدينا ما يكفي من التجربة والقدرة على اكتشاف نقاط القوة ونقاط الضعف في ذلك النظام وفي تطبيقاته.
المبرر الرئيس للنظام المركزي هو ضبط العمل الاداري والانفاق وربطهما بالخطط المقررة سلفا ، وصولا الى تضييق نطاق التصرف الشخصي في الموارد العامة ، وفرض النسقية او سيادة القانون في جميع ارجاء البلاد على نحو واحد.  على اي حال فان فاعلية النظام المركزي وفائدته مرحلية ، سيما في ظروف النمو الاقتصادي السريع كما هو الحال في المملكة.

اتساع الرقعة الجغرافية والتنوع الاجتماعي والبيئي الكبير يجعل الادارة عن بعد اقل كفاءة مما يتمنى المخططون. صحيح ان تطور انظمة المواصلات والاتصالات ربما قللت من تاثير التباعد الجغرافي ، لكنها لا تعالج ابدا تاثيرات التباين البيئي والاجتماعي ، وهما عنصران مؤثران بشدة في العمل الفعلي لاي ادارة عامة.

في المقابل فان نظام الادارة اللامركزية يستهدف جعل الخطط والمشروعات متناغمة مع حاجات البيئة الجغرافية والاجتماعية المحلية . ويظهر ذلك على وجه الخصوص في جانبين متكاملين :

الاول : في كل منطقة ثمة شريحة من الموارد وفرص الانماء تختلف عن المناطق الاخرى . كما انها تعاني من مشكلات او هموم تتمايز بدرجة او باخرى عن غيرها. بل انه حتى في الموارد والفرص المتشابهة فان مستويات المعيشة والنمو ، اي القابلية المحلية لاستثمار الموارد والفرص تتباين بين منطقة واخرى ، الامر الذي يستوجب طريقة مختلفة في التخطيط وتوزيع الميزانيات بحيث تحصل المناطق الاقل نموا على حصة اكبر من المشروعات بهدف ايصالها الى المستوى الوطني العام في عرض الفرص والقدرة على استثمار الفرص القائمة. هذا يعرف في دراسات التنمية بالتوزيع المتوازن للثروة الوطنية.

الثاني: رغم اهمية الكفاءة العلمية في الاداريين ، الا ان المعرفة العميقة للبيئة الجغرافية والاجتماعية للعمل ، اي تلك العناصرالتي تندرج في الجانب الاول ، هي في الغالب ثمرة للمعايشة المباشرة والطويلة الامد. مدير المدرسة الذي يعرف عائلات الطلاب وتاريخهم ووضعهم الاجتماعي هو الاقدر بالتاكيد على فهم طبائعم ومشكلاتهم وعناصر قوتهم وضعفهم والعوامل المؤثرة في نفوسهم . مدير البلدية الذي هو ابن البلد اقدر من غيره على استيعاب حاجات قريته او مدينته والعناصر المساعدة والمعيقة في انمائها ، والامر نفسه يقال عن معظم جوانب العمل الاخرى.
لا ينبغي المبالغة بطبيعة الحال في تقدير اهمية هذا الجانب ، لكن من الخطأ ايضا اغفاله او تناسيه ، فاهل مكة ادرى بشعابها كما في الامثال.

بناء على تجربتنا الخاصة وعلى تجارب العالم نستطيع القول ان الادارة اللامركزية تضمن استفادة اكبر من الامكانات المادية والبشرية المتاحة في انجاز الاعمال المطلوبة . لان التنمية والتطوير ليست فقط خططا على ورق ، بل تفاعل بين المخطط والمدير وبين البيئة الاجتماعية التي يعمل فيها ، فضلا عن التناغم الضروري بين الخطط وبين الظروف البيئية والجغرافية المحلية .
التحول الى اللامركزية الادارية والتنموية يتطلب تمهيدات قانونية وتنظيمية ، سوف نعود اليها في وقت لاحق.

عكاظ 22 فبراير 2010

08/02/2010

مجتمع محافظ وليس رجعيا


في هذه الأيام شهدنا عددا من القضايا التي تعتبر علامات فارقة في مسار العمل الإداري العام. من كارثة السيل في جدة إلى حكم المحكمة العليا بإبطال الطلاق المبني على عدم تكافؤ النسب، كان للرأي العام دور فعال في إظهار أهمية المسألة والضغط على الإدارة لاتخاذ موقف يستجيب لتطلعات الجمهور.

يوم أمس كان صديق أجنبي يقول لي إن الجمهور السعودي محافظ، وهو يعني أن هذا الجمهور سلبي لا يصدر رد فعل حتى لو استطاع. وبناء على هذا التقييم يعتقد هذا الصديق أن مساهمة المجتمع السعودي في تحديث وتطوير نفسه وبلاده محدودة أو معدومة. كنت قد سمعت هذا الرأي تكرارا من متحدثين أجانب وهو أيضا متداول في صحافتهم.


المجتمع السعودي محافظ بالتأكيد وهذا الوصف يشمل حتى من يوصفون هنا بالليبراليين أو العلمانيين. لكن محافظة السعوديين لا تختلف عن محافظة نظرائهم الأجانب. هناك محافظون في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان وجميع دول العالم الأخرى، وربما يشكلون نسبة غالبة في مجتمعاتهم. وفي تركيا مثلا وصف رئيسها عبد الله غل حزب العدالة 
والتنمية الذي ينتمي إليه بأنه حزب محافظ، كما أن الحزب الحاكم في ماليزيا يوصف هو الآخر بأنه محافظ، رغم أن كلا من الحزبين يعتبر ــ بالمقاييس الشرقية ــ ديمقراطيا ليبراليا، وهما يتبنيان بالفعل أجندات ليبرالية. حزب العدالة التركي هو بالتأكيد أكثر ليبرالية من الجمهوريين الأتاتوركيين، وهو أكثر ليبرالية من القوميين ذوي الميول العسكرية.

بعبارة أخرى فإن اعتبار وصف «المحافظ» قرينا للسلبية والرجعية ينطوي على تكلف غير مقبول. نحن محافظون ولسنا رجعيين. نحن نحترم التقاليد القديمة لكننا لا نقبل بها قيدا أبديا على حياتنا. نحن نحترم تاريخنا لكننا لا نريد أن يكون التاريخ سجنا لعقولنا ومعارفنا. ربما جرت عادتنا لزمن طويل ــ نسبيا ــ على تناسي الأخطاء والسكوت عما يجري أمام أعيننا حتى لو كان مؤذيا، وهذي بالتأكيد مظاهر لسلوك سلبي لا أبالي. لكن هذا السلوك ليس عميقا في ثقافتنا، أو ــ على أقل التقادير ــ ليس هو جوهر ثقافتنا ومسارها الوحيد

أيامنا هذه تشهد تمظهرات لسلوك جمعي يتجه خصوصا نحو نقد وتصحيح العمل في المجال العام والتعامل بين الإدارة الرسمية والمجتمع. الجدل الشعبي الذي رافق كارثة جدة هو مثال على قابلية المجتمع للتفاعل مع قضاياه العامة ودفع الإدارة باتجاه التصحيح، ومثله الجدل الذي دار بعد صدور الحكم بالطلاق القسري في القضية المعروفة بعدم تكافؤ النسب. لو كان المجتمع السعودي سلبيا أو رجعيا لسكت عن هذه القضايا وتركها تمر مثل عشرات غيرها

هذا يقودنا إلى جوهر المسألة التي نحن بصددها، أي دور المجتمع فيمكن للمجتمع أن يلعب دورا فعالا في هذا الصدد، وإذا فعل فهو يقدم خدمة جليلة ويوفر أعباء سياسية ومالية كبيرة جدا. لكنه دور مشروط بعاملين آخرين: الإعلام الفعال والتنظيم المؤسسي. في كلتا القضيتين لعبت الصحافة المحلية دورا محوريا في نقل مجريات القضية من الدوائر المغلقة إلى الرأي العام، ولو لم تقم الصحافة بهذا الدور لما علم الناس بما جرى. المطلوب إذن صحافة أكثر حساسية وأكثر ذكاء. أما العامل الثاني 
ــ وهو للأسف مفقود حتى الآن ــ فهو جمعيات المجتمع المدني المتخصصة، سواء تلك التي تركز على حماية المستهلك أو تلك التي تعمل لتصحيح الأنظمة والممارسات الإدارية، فضلا عن الجمعيات العلمية والحرفية التي مهمتها تطوير حقول عمل محددة في المجال الحكومي أو الاجتماعي

لهذه المناسبة فإني أناشد الجهات المختصة التعجيل في إصدار نظام الجمعيات التطوعية الذي سبق أن نوقش باستفاضة في مجلس الشورى. هذا النظام يوفر إطارا قانونيا للعمل الشعبي الموازي والداعم للمؤسسات الرسمية. أعتقد أن التعجيل في إصداره سوف يكشف سريعا عن صورة جديدة للمجتمع السعودي، المجتمع النشط والحريص على تطوير نفسه وبلاده.


عكاظ 8 فبراير 2010

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...