31/08/2009

"ولي امري ادرى بامري" مخالفة لروح الدين


لعل بعض القراء قد اطلع على مبررات حملة "ولي امري ادرى بامري" . كتبت في الاسبوع الماضي عن الحملة من حيث الشكل الخارجي الذي وجدته مثيرا للاهتمام . لكن الحملة - من حيث المضمون – تنطوي على خطأ جوهري لعل السيدات اللاتي يقفن وراءها قد انتبهن اليه الان . يتمثل هذا الخطأ في الربط المتكلف بين واقع اجتماعي تسنده تقاليد متوارثة ، وبين مبررات دينية ينبغي ان تبقى متجردة عن هذا الواقع . تقول احدى وثائق الحملة ان ولي الامر المقصود هو "النسخة المثالية" ، اي الرجل الذي يوفي بمسؤلياته كلها وليس النسخة المعروفة في مجتمعنا ، اي الشخص الذي يحول الولاية الى مبرر للتحكم الشخصي.

وتقول وثيقة اخرى ان مرجع الحملة هو التعاليم الدينية التي تلزم المرأة بطاعة وليها. والحقيقة انه لا يوجد نص واحد في القرآن او السنة يدل دلالة قطعية على مفهوم ولاية الرجل على المرأة المتعارف في مجتمعنا في هذا الوقت. الاراء والادلة التي تقال في هذا السياق تتسم جميعها بطابع اعتذاري ، تبريري ، او دفاعي ، وغرضها جميعا هو تسويغ وضعية اجتماعية خاصة ، هي الوضعية القائمة في مجتمعنا اليوم. لكن جميعها قابل للرد والنقض بادلة عقلية او بنصوص اخرى ، فضلا عن دلالة التجربة الحسية.

فكرة الولي المثالي تتحدث عن شيء غير موجود في الواقع ولا يمكن ايجاده . لانها لو كانت قابلة للتطبيق الواقعي لما وصفت بالمثالية . نعم هناك رجال افضل من غيرهم ، لكن المشكلة لا تكمن في كون الرجل فاضلا او غير فاضل . المشكلة تكمن في فكرة "حاجة الانسان – رجلا كان او امرأة - الى ولي" ، وهي فكرة تستبطن مخالفتين بارزتين لروح الدين الحنيف . 

المخالفة الاولى هي ارضية الفكرة ، اي اعتبار المولى عليه - المرأة في هذه الحالة - انسانا ناقص الاهلية . والنقص هنا متعلق بكفاءتها الذهنية والروحية. وهذا خطأ واضح لان القرآن يتحدث عن خلق الانسان "في احسن تقويم" ، وليس ثمة دليل على ان الرجل فقط هو المقصود بالانسان في الاية المباركة ، كما لا دليل على استثناء المرأة من عموم الاية . حسن التقويم لا يعني بطبيعة الحال الشكل الخارجي ، بل التكوين الكلي ، واهم تجسيداته بالنسبة للانسان هي الكفاءة العقلية والروحية . اضافة الى نص القرآن الكريم ، فامامنا الدليل الحسي: ملايين السيدات في شرق العالم وغربه حصلن على الاستقلال الكامل وتحملن المسؤولية الكاملة عن انفسهن وحياتهن ، ولم يشعرن ابدا بالحاجة الى كفيل ينوب عنهن في التفكير واتخاذ القرار في صغير الامور وكبيرها .

اما المخالفة الثانية لروح الدين فتكمن في ان ولاية الرجل على المرأة بالمفهوم المتعارف في مجتمعنا تؤدي – موضوعيا - الى تقسيم المجتمع الى طبقتين ، طبقة السادة ، اي الرجال ، وطبقة الاتباع ، اي النساء. فالطبقة الاولى تتحمل مسؤولياتها ومسؤوليات اتباعها ، والطبقة الثانية تتهرب من مسؤولياتها بالقائها على عاتق الغير . دعنا نقرأ معا مثالا قرآنيا قريبا من هذا المعنى : " وضرب الله مثلا رجلين احدهما ابكم لا يقدر على شيء وهو كلّ على مولاه اينما يوجه لاياتي بخير هل يستوي هو ومن يامر بالعدل وهو على صراط مستقيم (النحل 76) . ما الذي يختاره الانسان بعد قراءة الاية المباركة : الابكم الذي هو كل على مولاه ، ام العدل الذي يحمل عبء حياته بنفسه ؟.

ليس هنا مجال الجدل الفقهي حول مفهوم ولاية الرجل وقوامته ، وهو مفهوم غير محرر تماما ، وارى ان ما يتداوله كثير من الفقهاء في هذا الباب هو اقحام لمفهوم تولد ضمن عرف خاص ، وهو قابل للتغيير مع تغير هذا العرف ، او مع الاستعانة بعرف مجتمع آخر . بل ان التساهل قد ادى ببعض البحوث الفقهية الى تسويغ تقاليد اجتماعية خاصة ، بدل مجادلة الواقع بحثا عن اجتهاد قريب من روح الدين. اقول ليس هذا هو المحل المناسب لنقاش هذه المسألة ، لكن من المهم الاشارة الى ان المضمون القيمي لحملة "ولي امري ادرى بامري" يتعارض مع روح الدين الحنيف تعارضا لا يخفى على اي قاريء للشريعة ، رغم انها تدعي الانطلاق من تعاليم الدين وشريعته.

31 أغسطس 2009

24/08/2009

«ولي أمري أدرى بأمري»: زاوية مختلفة



حملة «ولي أمري أدرى بأمري» تستحق التقدير والإشادة لسبب وحيد هو كونها أحد البواعث المحتملة لقيام الحركة النسائية التي نعتقد أنها ضرورية للمجتمع السعودي. بعض القراء سوف يغرق في الضحك من هذا التحليل. لكن دعنا نؤخر الضحك إلى النهاية لعلنا نكتشف أسبابا أخرى أو نعيد النظر. وأشير هنا إلى نقطتين: 

تتعلق الأولى بمشاركة المرأة في الشأن العام، والتي تعتبر مسلمة معروفة في تجارب التنمية البشرية أو الشاملة. تمكين المرأة يعني تمكين نصف المجتمع، وهو يكتسي أهمية خاصة في المجتمعات التقليدية نظرا لأن معظم الجهد التنموي يستهدف إعادة توزيع القيم وتجديد التقاليد الاجتماعية بما يناسب الحياة المعاصرة. أما النقطة الثانية فتتعلق بالحركية الاجتماعية social mobility التي تعتبر معيارا لقابلية المجتمع للتغيير والتطور. الحركية الاجتماعية في أرقى أطوارها تتمثل في تحول بعض شرائح المجتمع من منفعل سلبي بنشاطات الآخرين إلى فاعل أو مشارك في الفعل.

 إذا تزايدت الشرائح التي تقوم بمبادرات وتسعى للتأثير في المجال العام، فإن المجال العام بذاته سيكون نشطا ومتنوعا. كل مبادرة تولد حراكا في جانب يستنهض حراكا موازيا، مماثلا أو معاكسا. ويفتح الطريق أمام أنواع جديدة من المبادرات. مسمى المبادرة التي نتحدث عنها اليوم وأسماء المشاركين فيها ليست مهمة، حجمها عند الولادة ليس معيارا، أهدافها المعلنة ليست مؤشرا نهائيا على طبيعتها. ما هو مهم هو نفس المبادرة والتموج الذي نتوقع أن يحدث بعد قيامها.


تاريخيا كان الدور الاجتماعي للمرأة السعودية محدودا أو معدوما. وأقصد بالتحديد دورها كفاعل اجتماعي أو كصانع لتيار اجتماعي. النشاطات القليلة التي قامت بها السيدات السعوديات كان أغلبها ملحقا بنشاطات رجالية أو خاضعا لأجندات رجالية.

 المجتمع السعودي بقي خاليا من حركة نسائية مثل تلك التي نعرفها في البلدان المجاورة وبلدان العالم الأخرى. الثقافة العامة والتقاليد الموروثة أعطت للرجال احتكارا فعالا وكاملا للمجال العام وما يدور فيه من نشاطات. ونتيجة لهذا لا ينظر المجتمع السعودي إلى المرأة كعامل تأثير في الثقافة أو الحركة الاجتماعية أو منظومات القيم. بل إن كل شيء يتعلق بالمرأة نفسها يصدر عن الرجال، من معايير السلوك إلى الثقافة إلى القرار...إلخ.

المبادرة الجديدة تقدم فرصة لتغيير في المعادلة القائمة، أي المعادلة التي تفرض على النساء البقاء في الصفوف الخلفية وانتظار أن يحدد لهن الرجال أدوارهن وأعمالهن وطريقة تفكيرهن ونظام معيشتهن. أفهم بطبيعة الحال أن مبادرة بهذا الحجم الصغير لن تصنع ذلك التغيير، كما أن هذه المبادرة بالذات تؤكد على بقاء النساء في الصفوف الخلفية، ولذلك فليس متوقعا أن تقود بذاتها إلى عكس ما تسعى إليه. لكني أنظر ـــ كما أسلفت ـــ إلى المبادرة من حيث هي، وإلى التموجات الموازية التي يمكن أن تحدثها. المبادرات التأسيسية، أي تلك التي تنطلق من واقع جامد أو متوقف، تعطي للجميع نموذجا محتملا. 

إذا دعوت الناس إلى تحمل المسؤولية في مجتمع ساكن، فسوف يتردد معظمهم وسوف يحتجون بصعوبة العمل أو استحالته. سيقول لك الناس: لو كانت الدعوة عملية وواقعية أو ممكنة لتسابق إليها عشرات من الناس. انكفاء الناس جميعا دليل على وجود مانع حقيقي، قد يكون القانون أو العرف أو رد فعل المجتمع أو أي عائق آخر، المهم أن انعدام النموذج يساوي ـــ في رأي الناس ـــ عدم إمكانيته أو عدم جدواه.

لهذا السبب، ولهذا السبب فقط، أجد في حملة «ولي أمري أدرى بأمري» إشارة تبعث على التفاؤل، وأعتقد أنها ستفتح الباب أمام مبادرات موازية، مماثلة أو معاكسة كما أشرت.

أفهم أن هذه المبادرة تنطلق من مفهوم رجعي أو نكوصي للعلاقات الاجتماعية، ولهذا السبب ربما اعتبرها بعض الناشطين والناشطات معيقا للتطور. ومع تقديري لهذا القلق، فقد فضلت مناقشة الحدث من زاواية مختلفة. أما مناقشة مضمون الحملة فسوف أتركها لمقال مقبل بعون الله.
الاثنين, 24 أغسطس 2009 

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...