06/04/2009

عن الهوية والمجتمع



كتب الزميل داود الشريان شاكيا من تفاقم المشاعر القبلية والطائفية وتحولها إلى محرك للحياة الاجتماعية. وكان هذا الموضوع مدار مناقشات كثيرة في السنوات الأخيرة. وكتب زميلنا أحمد عايل في منتصف يناير الماضي داعيا إلى الاهتمام بقيمة الفرد كوسيلة وحيدة لمعالجة المشاعر التي تستوحي هويات دون الهوية الوطنية.

النقاشات العلمية في علاقة الهوية بالواقع الاجتماعي ليست قديمة. فأبرزها يرجع إلى أواخر القرن المنصرم. وبرزت خصوصا بعد ما وصف بانفجار الهوية في الاتحاد السوفيتي السابق.

 ثمة اتجاهان رئيسيان في مناقشة الموضوع، يعالج الأول مسألة الهوية في إطار مدرسة التحليل النفسي التي أسسها سيغموند فرويد، ويركز على العلاقة التفاعلية بين النمو الجسدي والتطور النفسي. بينما يعالجها الثاني في إطار سوسيولوجي يتناول انتقال الثقافة والقيم الاجتماعية إلى الفرد من خلال التربية والمعايشة. كلا الاتجاهين يهتم بدور المجتمع في تشكيل هوية الفرد، من خلال الفعل العكسي، أو الاعتراف بالرغبة الفردية كما في الاتجاه الأول، أو من خلال التشكيل الأولي لشخصية الطفل – المراهق عبر الأدوات الثقافية، كما في الاتجاه الثاني.

هوية الفرد هي جزء من تكوينه النفسي والذهني. وهي الأداة التي تمكن الإنسان من تعريف نفسه والتواصل مع محيطه. إنها نظير للبروتوكول الذي يستعمله الكمبيوتر كي يتعرف على أجزائه وما يتصل به من أجهزة. ولهذا يستحيل إلغاؤها أو نقضها، مثلما يستحيل إلغاء روح الإنسان وعقله. إلغاء الهوية أو إنكارها لن يزيلها من روح الإنسان بل سيدفع بها إلى الاختفاء في أعماقه. وفي وقت لاحق سوف يؤدي هذا التطور إلى ما يعرف بالاغتراب، أي انفصال الفرد روحيا عن محيطه، وانتقاله من الحياة الاعتيادية التي يتناغم فيها الخاص مع العام، إلى حياة مزدوجة، حيث يتعايش مع الناس على النحو المطلوب منه، بينما يعيش حياته الخاصة على نحو متناقض تماما مع الأول، بل رافض أو معاد له في معظم الأحيان.

الهوية الشخصية هي الوصف الذي يرثه الفرد من الجماعة الصغيرة التي ولد فيها، والتي قد تكون قبيلة أو طائفة أو عرقا أو قومية أو قرية أو عائلة أو طبقة اجتماعية. وحين يشب الطفل يبدأ في استيعاب هويات أخرى، أبرزها الهوية الوطنية، كما يطور هوية فردية غير شخصية ترتبط بالمهنة أو الهواية، وفي مرحلة لاحقة يطور هوية أخرى يمكن وصفها بالاجتماعية وتتعلق خصوصا بالمكانة التي يحتلها في المجتمع أو الوصف الذي يقدمه مع اسمه.

لكل فرد -إذن- هويات متعددة، موروثة ومكتسبة. يشير بعضها إلى شخص الفرد، ويشير الآخر إلى نشاطه الحياتي، بينما يشير الثالث إلى طبيعة العلاقة التي تربطه مع المحيط العام، الاوسع من حدود العائلة. يمكن لهذه الهويات أن تتداخل وتتعاضد، ويمكن لها أن تتعارض. في حالات خاصة يخترع الفرد تعارضا بين هوياته. لاحظنا مثلا افرادا يتحدثون عن تعارض بين هويتهم الدينية وهويتهم الوطنية أو القبلية. وقد يقررون – بناء عليه – التنكر لاحداها أو تخفيض مرتبتها، بحيث لا تعود مرجعا لتنظيم العلاقة بينه وبين الغير الذي يشاركه الهوية ذاتها.

لكن المجتمع هو المنتج لأكثر حالات الالتباس بين الهويات الفردية. في تجربة الاتحاد السوفيتي السابق مثلا، جرى إجبار المواطنين على التنكر لهوياتهم القومية والدينية والالتزام بالهوية السوفيتية في التعبير عن الذات. وفي تركيا الأتاتوركية أطلقت الدولة على الأقلية الكردية اسم «أتراك الجبل» ومنع التعليم باللغة الكردية أو استخدامها للحديث في المحافل العامة أو دوائر الدولة.

 وفي كلا المثالين، وجدنا أن النتيجة هي تحول الهوية القومية إلى عنصر تضاد مع الهوية العامة. ولهذا يركز الأكاديميون اليوم على دور الهوية في تحديد مؤثرات الحراك الاجتماعي.. مسألة الهوية لا تعالج بالوعظ الأخلاقي، بل تحتاج في الدرجة الأولى إلى فهم معمق للتنوع القائم في كل قطر وكيفية تأثيره على المجتمع، ثم التعامل معه بمنظور الاستيعاب والتنظيم.
عكاظ 6 ابريل 2009

30/03/2009

ارامكو واخواتها : الشفافية الضرورية في قطاع الاعمال


؛؛ الازمة المالية العالمية 2007-2009 ضربتنا في العمق لكن الحكومة والشركات الكبرى بقيت صامتة. نحن لانعرف كيف تؤثر هذه المشروعات على حياتنا ومستقبلنا؛؛

ثمة مسلمة في الاقتصاد الحديث فحواها ان الشركات المطروحة في سوق الاسهم ، وكذلك الشركات المملوكة للدولة مطالبة بالاعلان بصورة منتظمة عن استراتيجياتها ، مشروعاتها ، ميزانياتها ، ووضعها الفعلي في السوق ، بما فيه الصعوبات التي تواجهها ، وتوقعات الادارة عن المدى الزمني المتوقع لتجاوز تلك الصعوبات. شركات الكهرباء والمواصلات والاتصالات والشركات الكبرى مثل شركة سابك وامثالها تدير مشروعاتها بغرض الربح ، الخاسر والمستفيد هو بالدرجة الرئيسية حامل الاسهم . لكن تاثير عملها يتجاوز ملاك الاسهم الى مستعملي منتجاتها. خاصة المنتجات الضرورية للمعيشة والعمل. تخيل ماذا سيحصل لو نقلت شركات الطيران خدماتها الى دولة اخرى بناء على معايير تجارية بحتة . او قررت شركة الكهرباء – لنفس السبب – بيع منتجها ، اي الطاقة الكهربائية لمدينة محددة لانها تجني ارباحا اكثر ، او استغنت شركة سابك عن موظفيها المحليين واستبدلتهم جميعا بموظفين اجانب لتوفير نفقات التشغيل . كل هذه الاحتمالات مقبولة اذا نظرنا الى الجانب التجاري البحت ، اي الربح والخسارة بالمعنى السوقي البحت .

لكننا نعلم ان قرارات من هذا النوع لا تتخذ ابدا خشية التاثير السلبي على حياة الناس الذين قد لا يكونون ملاكا لاسهم الشركة لكن حياتهم ترتبط بصورة او باخرى بوجودها . ولهذا السبب تتدخل الحكومة فيما يتجاوز ادارة التعارض بين المصالح او حماية المبادرة الحرة . تتدخل الحكومات انطلاقا من كونها وكيلا عن المجتمع وممثلا للمصلحة العامة .

يقودنا هذا الى زبدة الكلام . حيث يمر العالم بازمة مالية هائلة . وهي تؤثر في كل بقعة وفي كل قطاع . ونحن نتاثر بها بصورة مباشرة شئنا ام ابينا. الازمة الاقتصادية العالمية هبطت باسعار البترول من 145 دولارا الى ما دون 40 دولارا ، وهبطت معها مداخيلنا الى ثلث ما كانت عليه قبل عام. قلة الدخل ستوقف او تؤجل مشروعات حكومية . كما ان شركة مثل ارامكو ستلغي او تؤجل المئات من مشروعاتها التي يعمل فيها او يستفيد منها مئات الالوف من الناس . الازمة نفسها ستهبط بالطلب على منتجات شركة سابك وشركات البتروكيمياء والمصافي ومنتجي مواد البناء ... وو..الخ . تاثير الازمة العالمية سيطال الملايين من الناس اذا لم نقل جميع الناس . وقد بدأت هذه التاثيرات في الظهور منذ اواخر العام الماضي ولا تزال.

لكن الملاحظ في الجملة ان جميع هذه  الشركات لا تخبر الناس عن تقديراتها الخاصة . المواطنون السعوديون لا يعرفون العمق الحقيقي لتداعيات الازمة على الاقتصاد السعودي ، ولا يعرفون كيفية تاثيرها على معيشتهم ومشروعاتهم المستقبلية . الطلبة الذين يفكرون في اختيار تخصصات جامعية لا يعرفون اي تخصص سيكون مطلوبا بعد اربع سنوات . وصغار المستثمرين الذين يفكرون في مشروعات جديدة لا يعرفون اي القطاعات سيستفيد من الازمة الراهنة ، او ايها سيكون مؤمنا نسبيا ضد انعكاستها . والذين يملكون اسهم في شركات مثل سابك وامثالها لا يدرون التاثير الفعلي للازمة على شركتهم وكيف سيجري الامر خلال السنوات الثلاث القادمة .

زبدة القول اذن ان هذه الشركات ، المملوكة للدولة او المملوكة للقطاع الخاص ، ليست مجرد وحدات تجارية محدودة التاثير ، بل تنعكس اعمالها على حياة الالاف من الناس ممن يملكون اسهمها وغيرهم. واذا كان هذا الامر صحيحا فهي مطالبة بمكاشفة الراي العام بحقيقة الوضع الذي تمر فيه ، وعمق التاثير الذي خلفته الازمة المالية العالمية على اعمالها ، وانعكاس هذا على الاقتصاد المحلي ومعيشة الناس. ليس من حق مديري هذه الشركات التسلح بمقولة ان الشركة تقدم تقاريرها السنوية للمساهمين ، فثمة الاف من الناس خارج هذه الدائرة تتاثر معيشتهم سلبيا وايجابيا بوجودها وعملها . وهو تاثير لا ينتظر التقرير السنوي ، بل يحصل اليوم وغدا وبعد غد وفي كل يوم .

لكي تستقر معيشة الناس فاننا بحاجة الى تمكينهم من المساهمة في تحمل اعباء حياتهم ، وهذا يتطلب بصورة قطعية معرفتهم لما يجري اليوم وما سيجري غدا كي يدبروا انفسهم قبل ان يجدوا انفسهم محاصرين بلا حول ولا قوة ولا قدرة على مبادرة او تصحيح.





عكاظ 30-3-2009 

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...