01/12/2008

جدل حول مسار الطائفة الشيعية



البيان المعنون "نحوتصحيح مسار الطائفة الشيعية" حظي باهتمام استثنائي ، فاشاد به كثير من كتاب الصحف ورفضه مثلهم وتبرأ منه بعض من شارك فيه ودعمه بعض من لم يوقع عليه. وهكذا فقد نجح في الانفلات من قبضة الاغفال والنسيان واصبح قضية عامة . وهذا بذاته درجة من النجاح تسجل لكاتبيه سواء وافقناهم او اختلفنا معهم.
يلخص البيان جانبا من النقاشات الواسعة التي يتداولها الجيل الجديد من الشيعة السعوديين وغيرهم ، وهي نقاشات اثمرت حتى الان عن تجاوز للكثير من المسلمات الموروثة حول الدين والسياسة والنظام الاجتماعي.


حمل البيان وكذلك المقالات المؤيدة والناقدة له الكثير من الاحكام الانطباعية حول "امكانية" التصحيح في الفكر الشيعي ، وحول "مسار" التصحيح الفعلي ايضا. دعنا في البداية نستبدل تعبير التصحيح بتعبير التجديد . فالمصطلح الاول يحمل رؤية ايديولوجية او افتراضا ايديولوجيا ، بينما يحمل الثاني مضمونا وصفيا وتحليليا . دعا البيان ومن ايده الى نبذ مسلمات فقهية وعقيدية وسلوكية وسياسية باعتبارها غير منسجمة مع احكام العقل او متطلبات العصر او مصلحة الجماعة. الدعوة موجهة بطبيعة الحال الى حملة هذه الافكار كي يقوموا بنقد ذاتي يؤدي – كما هو المفترض – الى انتخاب بدائل افضل .

 نحن اذن نتحدث عن تحول اختياري اي تطوير للمعرفة ، وهذا يقع تحت عنوان التجديد او التغيير وليس التصحيح. التجديد او التغيير هو انتقال من حالة معرفية او روحية مقبولة الى حالة اخرى مقبولة ايضا دون شعور بحرج الانفلات من دائرة القيم الخاصة بالجماعة . هذا يعني بطبيعة الحال ان ياتي التجديد او التغيير تدريجيا ومن داخل النظام الاجتماعي حتى لو استعمل ادوات نقدية مختلفة . نتطلع الى تغيير من الداخل كي يحصل على الشرعية الاجتماعية الضرورية لتنسيج الافكار الجديدة في نظام القيم وشبكة العلاقات الداخلية الخاصة بالجماعة.

خلافا للانطباع الاولي الذي يشي به البيان وكذلك المقالات الناقدة والمؤيدة له ، فان معظم الافكار التي دعا البيان الى نبذها هي موضع نقاش جدي ومعمق في الوسط الديني الشيعي . وللمفارقة فان نظرية ولاية الفقيه مثلا تتعرض لنقد واسع وهناك عدد كبير نسبيا من المقالات العلمية والكتب التي نشرت في ايران نفسها حول هذا الموضوع . وقد عرض كاتب هذه السطور في ثلاثة كتب صدرت خلال السنوات القليلة الماضية جانبا من تلك الاراء ، لكن يؤسفني القول ان قيود الرقابة لا تسمح بوصول مثل هذه الكتب الى القراء في بلادنا .

"ولاية الفقيه" هي نظرية فقهية يقبل بها بعض الفقهاء ويعارضها اخرون . وقد شخص الدكتور محسن كديور تسع نظريات اخرى تبناها فقهاء شيعة حول شرعية السلطة . لكن التيار الاصلاحي الايراني الذي يقوده الرئيس السابق محمد خاتمي يدعو الى نظرية تجمع بين القيم الدينية العليا ونظام العمل المتعارف في الديمقراطية الليبرالية . بعض الناس يجد هذا الجمع مستحيلا ، لكن التيار المذكور قدم دراسات نظرية وتجربة ميدانية تكشف عن امكانات كبيرة للجمع بين القيم الاسلامية واليات العمل الديمقراطية.

من بين القضايا الهامة التي حملها البيان ، نشير الى مسألة العلاقة بين الشيعة واخوتهم من المذاهب الاسلامية الاخرى . ولاحظت ان البيان قد وقع في خلط غير مقبول بين مسألتين مختلفتين تماما ، احدها هي العلاقة بين "الجماعة" الشيعية وسائر "الجماعات" التي تشكل المجتمع الوطني ، وهذه مسألة سياسية . والثانية المعتقدات والمسلمات التي تساعد على الانسجام او الفرقة ، وهي مسألة نظرية تبحث في الاطار العقيدي او الفقهي.

 نحن ندعو بطبيعة الحال الى نبذ جميع الافكار التي تؤدي الى الفرقة ، سواء كان مصدرها معارف دينية او اعرافا اجتماعية . لكن من المهم التاكيد على ان العلاقة بين الجماعات المختلفة الدينية او الاثنية ، هي موضوع تحكمه الاعراف السياسية والقوانين الوطنية. العلاقة الحسنة لا يمكن ان تقوم الا على قاعدة المواطنة ، والمساواة الكاملة في الفرص والحقوق والواجبات. ولهذا السبب فان تنظيم العلاقة بين الاطياف الوطنية ، هو مسؤولية الدولة ، فهي الجهة الوحيدة القادرة على وضع القانون وتطبيقه ، وهي المسؤولة بالتالي عن طبيعة العلاقة القائمة بين هذه الجماعة وتلك.

1 ديسمبر 2008

المؤتمر الاهلي الموازي لقمة الكويت الخليجية


يسعى عدد من الناشطين في المنطقة لعقد مؤتمر شعبي مواز للقمة الخليجية التي ستلتئم في الكويت منتصف الشهر الجاري. تستهدف الفكرة توجيه رسالة لحكومات المنطقة تتضمن المطالب الرئيسية للاهالي ، وهي مطالب لا تبتعد عن الوعود التي اطلقتها مؤتمرات سابقة لزعماء الخليج. وتدور بشكل رئيسي حول محورين :

تعزيز مشاركة المواطنين في الحياة السياسية وتسريع الخطوات الوحدوية بين الدول. جربت فكرة المؤتمر الاهلي الموازي لمؤتمرات القمة الرسمية في اوربا ، كوسيلة لاظهار قوة المجتمع المدني وحضوره على المستوى القاري . لا يزال المجتمع المدني في الخليج ضعيف التاثير على المستوى السياسي لكونه تجربة جديدة ولان الميدان السياسي ضيق ومحتكر من جانب النخب العليا. الانفتاح السياسي وضمان الحريات العامة هي شروط ضرورية لتحول المجتمع الاهلي الى قوة مؤثرة في الحياة العامة ، وهو ما نفتقر اليه في الخليج ، رغم التفاوت بين البلدان في مستوى الانفتاح ومؤدياته.

ليس سرا ان مجلس التعاون الخليجي قد خسر الكثير من بريقه وشعبيته في السنوات الاخيرة. بعيد تاسيسه في 1981 اعتقد اهالي الخليج ان المجلس قد ارسى اساسا قويا لتجربة وحدوية جديدة في العالم العربي . ورغم معرفة الجميع بالطبيعة المحافظة لحكومات المنطقة ، ورغم شكوك المتشائمين ، الا ان مجموع ما قيل في البيانات الرسمية وعلى هامش اجتماعات المجلس قد اوقد امالا بان وحدة الخليج اصبحت على الطريق. معظم هذه الامال تبخر الان ، ولم يعد الخليجيون يحتفلون بالقمم السنوية للمجلس كما كان الامر في البداية .

 ليس فقط لان الامر اصبح مكررا ومعتادا كما يقول بعض المراقبين ، بل لان السنوات العشر الماضية كشفت عن ميول معاكسة. نعرف على سبيل المثال ان موعد اطلاق العملة الخليجية قد تأجل فعلا ولم يبق سوى الاعلان الرسمي عن تاجيله ، بعدما كان مقررا ان يبدأ العمل الفعلي بها في اول الشهر القادم. ونعرف ايضا ان انتقال الرساميل بين دول الخليج ما زال مقيدا . كان المفترض ان يستطيع اي مواطن خليجي او شركة مسجلة في دولة خليجية العمل في الدول الاخرى كما لو كانت شركة محلية. لكن هذا الامر لا زال بعيد المنال ، اي ان فكرة السوق الخليجية الموحدة لم تتحقق رغم الاعلان الرسمي عن قيامها في يناير 2008.

اذا مررت باي منفذ حدودي بين دول الخليج فستواجهك المئات من الشاحنات التي تنتظر اياما قبل انهاء المعاملات الجمركية المعقدة بين بلدين يفترض – نظريا – ان لا حواجز جمركية بينهما. على مستوى تنقل الاشخاص لم تحدث تطورات مهمة فتنقل المواطنين بالبطاقة الشخصية لم يطبق بالكامل ، ولازال المواطن مضطرا للانتظار في كل منفذ ، خلافا للنموذج الاوربي الذي كان مأخوذا بعين الاعتبار ، حيث يتنقل المواطن والاجنبي المقيم من دون تفتيش او توقف بين الدول الاعضاء في الاتحاد الاوربي.

على مستوى الاصلاح السياسي ثمة تفاوت ملحوظ ، يشبه تماما ما كان عليه الحال قبل قيام المجلس . في قمم سابقة تحدث كل من الملك عبد الله وامير الكويت السابق الشيخ جابر الاحمد وامير قطر  الشيخ حمد بن خليفة عن ضرورة توسيع المشاركة الشعبية في العمل السياسي ، وكان ثمة اتجاه الى تشكيل ما يشبه البرلمان الاهلي في اطار المجلس ، لكن هذه الدعوات لم تقترن بوضع التزامات محددة او برنامج زمني . من المفهوم ان مثل هذا الموضوع يدخل في الاطار المحلي الذي لا يناقش في مؤتمرات القمة ، لكن كان الامل ان تسهم تلك الدعوات ، ولا سيما بسبب صدورها في اجتماعات القمة في اطلاق روحية جديدة  تؤدي الى نوع من الالتزام الادبي تجاه شعوب المنطقة.

هذه التراجعات احبطت الامال القديمة ، فهل يستطيع المؤتمر الموازي اعادة تدوير العجلة ؟.

اشرت الى ان المجتمع الاهلي ليس قويا بما يكفي لتوليد ضغط يتناسب مع حجم المهمة المطروحة ، لكن المبادرة بذاتها تستحق التقدير . انه في اقل الاحوال تحرك يستهدف اثبات وجود المجتمع الاهلي واعلان تطلعاته . واذا لم يستطع المبادرون تحقيق اهدافهم المعلنة اليوم ، فان لكل شيء بداية ، وقد تكون هذه المحاولة هي البداية المنتظرة لشيء اكبر ياتي في قادم الايام . من المهم على اي حال ان يقوم الاهالي بما يستطيعون ولو اقتصر على اعلان موقف او توجيه رسالة .
ديسمبر 2008

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...