27/06/2007

تشكيل الوعي.. بين الجامع والجامعة.. دعوة مستحيلة

؛؛ الدين يحتاج للعلم في جوانب، والعلم يحتاج الدين في جوانب أخرى. لكن كلا منهما عالم مستقل بمناهجه ومعاييره واغراضه؛؛

هذا تعليق على مقالة اخرى جميلة للاستاذ احمد عائل فقيهي (عكاظ 21 يونيو2007 )، يدعو فيها الى عودة التلاقي بين الجامعة والجامع، كتمهيد لصياغة وعي جديد بين جيل المسلمين الحاضر. وأظن ان معظم قراء الاستاذ فقيهي قد وافقوه فيما ذهب اليه، فغالبية الناس تميل الى سبيل المصالحة، وتفضل اللقاء على الفرقة، والوئام على الخصام. 

أحمد عائل فقيهي

لكن ليسمح لي الاستاذ فقيهي وقراؤه المكرمون بادعاء ان هذه دعوة مستحيلة ضمن الشروط الاجتماعية – الثقافية الراهنة عندنا، رغم انها ممكنة على المستوى النظري.

ولو كنت في محل الكاتب لبدأت بسؤال : لماذا نشكو اليوم من انفصال المؤسستين؟. فالواضح ان احدا لم يقرر هذا الفصل او يسعى اليه. والواضح ان معظم الناس يرغبون في مصالحة بين الدين والعلم، تعيد الى الحياة ما يقال عن تاريخ المسلمين القديم من توافق وتفاعل بين الدين وعلم الطبيعة والتجريب والفلسفة. 

دعنا نحاول سؤالا آخر ربما يسبق ذلك السؤال:

-          ما الذي نعنيه بكلمة «انفصال»؟.

فالواضح ان كثيرا من رواد المساجد قد تخرجوا من جامعات، واكثرية طلاب الجامعات ملتزمون بدينهم. نحن لا نتحدث اذن عن انفصال اهل الدين عن اهل العلم. 

-  هل المقصود هو منح العلوم هوية دينية؟.

بعض الدعاة تحدث عن اسلمة العلوم، واظن ان اهتمام هؤلاء كان منصبا على العلوم الانسانية مثل الفلسفة والاجتماع والادب الخ. لكن فريقا منهم ذهب الى ما هو ابعد فتحدث عن طب اسلامي وكيمياء اسلامية الخ.

انطلق دعاة اسلمة العلوم من فكرة ان العلم المعاصر قد تطور في بيئة معرفية تنكر دور الدين. ولهذا السبب فقد يتطور العلم بعيدا عن الاخلاق، وقد يتحول من خدمة الانسان الى استغلاله. لكن على اي حال فان هذه الدعوة لم تجد قبولا واسعا، لانها ظهرت في بيئة لا تنتج العلم ولا تجري فيها نقاشات علمية حرة. بعبارة اخرى فان اسلمة العلوم غير قابلة للتحقق الا اذا اصبح العالم الاسلامي منتجا للعلم. اما اذا بقي مستهلكا للنتاج العلمي الاجنبي، فان الكلام عن اسلمة العلم يبقى مجرد بلاغة لفظية تشبه اعلان سيتي بنك الامريكي عن انشاء «وحدة مصرفية اسلامية» لاستقطاب زبائن جدد في الخليج.

اظن ان جوهر مشكلة الانفصال التي تحدث عنها الاستاذ فقيهي، تكمن في عجز كل من الجانبين، الديني والعلمي، عن تحديد نقاط التداخل ونقاط التخارج بينهما. فالمؤكد ان الدين يحتاج الى العلم في جوانب، والمؤكد ان العلم يحتاج الى الدين في جوانب أخرى. لكن يبقى كل منهما عالما مستقلا بذاته، له مناهجه ومعاييره واغراضه وأدوات تطوره الخاصة.

نتيجة لغموض نقاط التداخل والتخارج، اصبحنا عاجزين عن تحديد المكان الذي ينبغي ان نستعمل فيه المنهج الديني والاداة الدينية، والمكان الذي ينبغي ان نستعمل المنهج والاداة العلمية. 

الدين بطبعه عالم يسوده اليقين والتسليم والتنازل والخضوع. بخلاف العلم الذي يسوده الشك والجدل والنقد والتعارض وانكار المسلمات. دور الدين هو توفير الاجوبة لانسان يبحث عن الاطمئنان، اما دور العلم فهو اثارة الاسئلة وهدم كل جواب سابق. 

اظن ان اتضاح الخط الفاصل بين مجالات العلم ومجالات الدين، هو الخطوة الاولى لعودة التفاعل الايجابي بينهما، وبالتالي قيام تواصل بناء بين العالمين. لكن هذا يتوقف مرة اخرى على توفر نقاشات حرة ونشطة تنتج علما او تطور العلم. ان تحديد النقاط المشار اليها ليس من الامور التي نرجع فيها الى آراء السابقين وما تركوه من تراث، بل هو نتاج لاكتشاف حاجات معاصرة وأسئلة جديدة تضع على المحك الاجوبة المعتادة والآراء المنقولة من ازمنة سابقة وتثير الشك في ما يبدو بديهيا ومتعارفا.

 https://www.okaz.com.sa/article/114404

عكاظ الأربعاء 12/06/1428هـ ) 27/ يونيو/2007  العدد : 2201

20/06/2007

نهاية حماس الاسلامية : بداية حماس الفلسطينية



سيطرة حماس على قطاع غزة سيقود الى نهاية حماس الاسلامية، و بداية حماس الفلسطينية، اي نهاية الحركة التي قامت لمقاومة الاحتلال وبداية الحركة التي تعمل في السياسة كوظيفة أو «أكل عيش» كما هو شأن جميع التنظيمات الفلسطينية الاخرى.

ماذا تستفيد حماس من السيطرة على قطاع غزة غير تأكيد كونها حزبا حاكما ؟. لكن حماس لم تتأسس – كما يقول ميثاقها - كي تحكم بل كي تقاوم الاحتلال. وحتى اذا قررت اليوم التحول الى حكومة، فان فرصتها لاقامة حكم ناجح معدومة تماما بل مستحيلة. ويكفيها تجربة الاشهر الماضية وما جرى فيها كي تتأكد ان النوايا وحدها لا تكفي لاقامة حكومة فعالة. الحكومة الفلسطينية ليست خيار الفلسطينيين، بل هي مركب من إرادات دول عديدة مؤثرة، اضافة بالطبع الى اللاعب الرئيس اي اسرائيل.
نتيجة بحث الصور عن شرطة حماساراد الفلسطينيون حكومة تقودهم نحو الاستقلال، وارادت تلك الدول حكومة تقرأ الفاتحة على ما بات يعرف بالقضية الفلسطينية، اي تحرير الاراضي المحتلة وعودة اللاجئين. خيار الفلسطينيين مجرد حلم لا نرى في الساحة من يرغب في حمل اعبائه. فالتنظيمات الفلسطينية على اختلاف مسمياتها وايديولوجياتها قررت من دون مواربة الاكتفاء بالبضاعة المعروضة، اي ثلث فلسطين التاريخية. وما جرى من توافقات واتفاقيات، ابرزها اتفاقية اوسلو، هي اعلان عن قبول منظمة التحرير بذلك الثوب ايا كانت التحفظات الجزئية عليه.

مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية اوائل العام الماضي ثم تشكيلها الحكومة هو قبول ضمني بالارضية التي يقوم عليها النظام السياسي الفلسطيني. القبول بفلسفة اتفاق اوسلو وما ترتب عليه ادى بالطبع الى تكييف نفسي لاعضاء حماس وقادتها، وهو ما تجلى حين وافقت على وقف الهجمات الفدائية على اسرائيل، وحولت جهدها العسكري من المقاومة الى ضبط الامن في الشارع الفلسطيني، شأنها في ذلك شأن اي حكومة اعتيادية.

هذه التحولات هي مقدمة منطقية لانخراط حماس في الصراع على السلطة مع فتح، منافسها الرئيس. لكن ما فعلته في هذا الصراع فاق كل توقع بعدما اقدمت على تقسيم الاراضي الفلسطينية. المشهد السياسي الفلسطيني هو اليوم اسوأ مما كان في اي وقت سابق.

فشرعية المقاومة اصبحت موضع شك، والبدائل التي يمكن للناس ان يعلقوا عليها امالهم مشغولة بالسلطة والحرب من اجلها، والمواطن الفلسطيني الذي كان يظهر على شاشات التلفزيون فيما مضى مدافعا عن خيار المقاومة ومتحديا ماكينة القتل الاسرائيلية، اصبح اليوم مهموما بلقمة عيشه وسلامة اولاده المهددين ببنادق فتح وبنادق حماس على حد سواء. لم يعد الفلسطيني متحديا كما اعتدنا عليه، بل كست ملامحه سيماء الاحباط والقرف والهوان.

لن تتحول غزة الى قاعدة للامارة الاسلامية كما يحلم الفرحون بخطوة حماس الاخيرة، ولن تعود حماس الى مقاومة الاحتلال كما يعدنا قادتها. بل ستنشغل بالدفاع عن سلطتها وستكابد آلام الحصار الفلسطيني والحصار العربي والحصار الاسرائيلي والحصار الدولي، بدرجة مكثفة عن النموذج الذي رأيناه خلال العام المنصرم. كل هذا سيأكل من رصيد حماس الشعبي ومن حماسة اعضائها. لكن ما نخشاه حقيقة هو ان يؤدي ذلك المنزلق الى تفككها، اي نهاية القوة الوحيدة التي بدت لفترة انها امل الفلسطينيين الوحيد في الاستقلال والكرامة.

لم يعد ثمة حل، كل ما هناك هو مخارج اضطرارية لتقليل الخسائر، ولعل ابرز هذه المخارج هو تخلي حماس عن السلطة وتسليم غزة الى القوى الفلسطينية الاخرى عدا فتح. مثل هذه الخطوة ستحدث دمارا هائلا في بنية حماس، لكنها على الاقل سوف تنقذها من احتمال التفكك والانهيار الكلي.

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070620/Con20070620119518.htm
عكاظ الأربعاء 05/06/1428هـ -- 20/ يونيو/2007  العدد : 2194

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...