14/11/2006

الآراء الجديدة للشيخ العودة


  لابد ان كثيرا من الناس يشاركونني الاعجاب بالاراء الجديدة والمثيرة للاهتمام التي عبر عنها الشيخ سلمان العودة في برنامجه الاسبوعي الذي يبث ظهر الجمعة على قناة «ام. بي. سي.». هناك بالطبع من يرفض هذه الاراء وربما يشتم الشيخ بسببها، وهذه فئة لا تقدر على استيعاب أي جديد او التعامل مع أي تطور في الافكار او في الواقع، فهي ملتصقة بقديمها ولو تخلى عنه كافة العقلاء واهل العلم. هناك ايضا من يرفضها لانها في نظره، «اقل من المطلوب»، لكننا نقدرها كآراء في غاية الاهمية، بالنظر الى موقع المتحدث والطبيعة الاشكالية للموضوع، فضلا عن التوجهات السائدة في الاطار الاجتماعي الذي يمثله الشيخ ويخاطبه في المقام الاول.
  والعودة فقيه ذو شعبية معتبرة في المملكة العربية السعودية، وقد ظهر تطور واضح في منهجه خلال السنوات الاخيرة. حافظ الرجل على المقولات الاساسية المتعارفة في اطار التدين التقليدي، لكنه عدل كثيرا من تطبيقاتها، ولا سيما تلك التي لها علاقة مباشرة بالموقف من منظومات القيم الحديثة والعلاقة بين الدين والسياسة. وهذه التعديلات تكفي لاعتبار آرائه متميزة، وان لم تصل الى مستوى التبني الكامل لفكر الاصلاح الديني المعاصر.
اريد الاشارة خاصة الى آرائه الجديدة حول «الشيعة» والتي تعد استثنائية في اهميتها، سواء بالقياس الى ارائه السابقة المتحفظة او بالقياس الى الاراء المتشددة لبقية المشايخ الذين يشتركون معه في المنهج والبيئة الاجتماعية. ما يهمني في حقيقة الامر نقطتان تشكلان كما اظن ارضية للتفاهم بين التكوينات المذهبية والاجتماعية المختلفة في المجتمع السعودي.
تتعلق النقطة الاولى بدعوة الشيخ العودة الى جعل الوطن والمواطنة وليس الانتماء المذهبي - اساسا للعلاقة بين السعوديين.
هذه الفكرة وان بدت بديهية للكثير من الناس، لكنها ليست كذلك بالنسبة للفقهاء والتيار الديني «ولا سيما التقليدي منه».
فباستثناء الاقلية التي قبلت بالعقل مصدرا مستقلا للتشريع، واعتبرت المصلحة العامة «العرفية» لجمهور المسلمين معيارا للمفاضلة بين الاحكام، فان الاغلبية الساحقة من الفقهاء، من السنة والشيعة، لا ترى في المواطنة قيمة مستقلة او حاكمة على العلاقة بين ابناء البلد الواحد، فالناس عندهم يتفاضلون بحسب ايمانهم، وكل منهم يفسر التقوى في معنى الالتزام بالمذهب الفقهي او الكلامي الذي ينتمي اليه «باعتباره حقا والحق احق ان يتبع».
 وثمة تنظيرات فقهية مطولة تستهدف في مجموعها التأكيد على فكرة عدم المساواة بين الناس. وقبل بضعة اشهر اثار احد القضاة جدلا لم ينته حتى اليوم، حين مدد هذا المفهوم الى النسب وقرر ان التكافؤ فيه شرط للمساواة بين الناس، وحكم بالتفريق بين زوجين بالرغم منهما لان الزوجة تنتمي الى قبيلة اعلى نسبا وارفع شأنا من قبيلة زوجها. نفهم بطبيعة الحال ان هذه التنظيرات تنطوي على تعسف شديد في استعمال النصوص والقواعد الفقهية، وهي لا تصلح كأساس للعلاقة بين الناس في المجتمعات السياسية الحديثة.
تقوم الدول الحديثة على قاعدة المساواة الكاملة بين ابناء الوطن الواحد بغض النظر عن دينهم او مذهبهم او التزاماتهم الاخلاقية. وارضية هذه المساواة هي الشراكة في التراب الوطني وليس الاشتراك في الدين او المذهب او الولاء السياسي.
تحدث الشيخ العودة ايضا عن نقطة اخرى لا تقل اهمية عن سابقتها وان كانت تقوم على قاعدة نظرية اخرى، وهي ربط تطبيق الاحكام بالمصالح العقلائية. وقد استدل الشيخ بالسيرة النبوية في التعامل مع اهل مكة عند الفتح، وبسيرة قدامى المسلمين مع من يعيش معهم من اتباع الديانات الاخرى، ليخلص الى مقولة فحواها ان علاقة المسلمين من اتباع المذاهب المختلفة مع بعضهم البعض، وعلاقتهم مع غيرهم لا تبنى على الخلاف او الوفاق في العقائد والاراء بل على اساس المصالح العقلائية. فمع الاقرار بوجود الخلاف المذهبي بين الشيعة والسنة، او بين المسلمين وغير المسلمين، الا ان العلاقة بينهم لا تقوم على التقارب او التباعد في هذا الاطار، بل على المصالح العامة والضرورات العقلائية.
هذه الاراء الجديدة للشيخ العودة تمثل في ظني نقلة هامة وسيكون لها اثر ملحوظ في تحسين المزاج الاجتماعي، خاصة فيما يتصل باعادة تكوين الاجماع الوطني الذي تضرر كثيرا في السنوات الاخيرة بسبب هيمنة الجدل المذهبي على ساحة السياسة، وتحول الفروقات المذهبية الى مبررات للتمايز السياسي والاجتماعي.
   اتمنى ان يواصل الشيخ العودة طرح مثل هذه الافكار التي تعزز سلامة المجتمع وأمنه، كما تقطع الطريق على تجار الجدل والوصوليين الذين وجدوا في خلافات اهل المذاهب سلما يتسلقون عليه الى المراتب والمناصب والمال والشهرة.
   صحيفة الأيام البحرينية  14 / 11 / 2006م 

23/10/2006

صيانة الوطن في سيادة القانون

سواء كنت تحب المواطن الاخر او تبغضه فان رايك فيه لا يؤثر على وصفه كمواطن يتساوى معك في الحقوق والواجبات. المواطن الاخر شريك لك في الوطن ، ويجب ان يتمتع – اخلاقيا وقانونيا – بنفس الحقوق التي تدعيها لنفسك ، كما يتحمل نفس الواجبات التي تطلب منك بمقتضى عضويتك في الجماعة الوطنية. صحيح ان الناس قادرون على اختيار اوطانهم ، لكنهم غير قادرين على سلب غيرهم وطنيته وحصته في وطنه. الوطن شراكة بين افراد احرار متساوين في الحقوق والواجبات . لا يستطيع احدهم افتراض حق لنفسه يزيد عن الاخرين الا بموافقتهم . القاعدة العامة ان جميع اعضاء الجماعة لهم شريحة من الحقوق هي الحد الادنى الذي لا يمكن سلبه ولا حجبه ولا اختصاره باي مبرر او قانون.
الوطن ليس احتشادا لبشر في رقعة جغرافية . بل هو منظومة قانونية – اخلاقية جرت صياغتها على  نحو عقلاني ومقصود وفق فلسفة خاصة وقواعد عمل محددة . ومن هنا فان العلاقة بين المواطنين ضمن المجتمع السياسي الواحد ليست عفوية ولا هي تطور طبيعي عن علاقات عضوية مثل العائلة. وهي ليست من نوع العلاقات الطبيعية التي تقوم على اساس وحدة الدم مثل العائلة والقبيلة ، وليست من نوع العلاقات التجارية المؤقتة التي تقوم على اساس التبادل المالي مثل المنظمات التجارية ، كما انها لا تدور حول مصلحة محددة كما هو الحال في منظمات الاعمال ومجموعات المصالح والاتحادات النقابية .
 قامت فكرة الوطن على قاعدة الشراكة الابدية في الارض والموارد الطبيعية والمتجددة . ووضع القانون لتحديد طبيعة هذه الشراكة ومعناها وكيفية الاستعمال الامثل للارض والتوزيع العادل للموارد ، وصيغة العلاقة المناسبة بين المواطنين ، كي يحصل جميع اعضاء الجماعة على حقهم كاملا ، يتساوى في ذلك الصغير مع الكبير ، الوضيع مع الرفيع ، والبعيد مع القريب .
الهوية الوطنية التي نسميها اختصارا بالمواطنة هي المعيار الوحيد للعلاقة بين المواطنين ، مهما اختلفت اصولهم والوانهم وثقافاتهم ومتبنياتهم العقيدية والحياتية . ربما اجد نفسي خيرا من جاري ، وربما ترتاح نفسي لابن قريتي ولا ترتاح لابن القرية الاخرى . ربما افضل الناس من شريحة خاصة على من ينتمون الى شرائح اخرى . ربما اتبنى عقيدة او مذهبا او ايديولوجيا تعتبر اهلها ارقى من غيرهم او اقرب الى الصلاح ، وربما تحصر الخير فيهم دون غيرهم . لكن هذه الاعتبارات كلها متبنيات شخصية ، هي حق للفرد ، لكنها لا تصلح اساسا لتحديد طبيعة العلاقة بين المواطنين ، ولا تصلح لتبرير حجب الحقوق عن شريحة معينة . فالعلاقة بينك وبينهم قائمة في اطار اخر ، على ارضية اخرى ، وتحكمها منظومة قواعد وقيم مختلفة .
حين نقبل بحمل الهوية الوطنية ، فاننا نقر – ضمنيا – بمنظومة القيم والقواعد التي تنطوي عليها فكرة الشراكة القائمة على تكافؤ القيمة بين اعضاء الجماعة ، وتساويهم في الحقوق والواجبات ، وكون القانون حاكما على العلاقة بين كل منهم والاخر. لا يستطيع احد مهما علا كعبه ومهما وجد في نفسه من ميزة على غيره ، ان يقبل بحمل هوية الوطن ثم يقرر لنفسه حقوقا فوق الاخرين . وسواء كان لديه مبررات ، او عرض ادلة ، او استعان بالقوة او ببليغ الكلام ، فانه لا يستطيع تجاوز حصته التي تماثل حصة كل فرد آخر.
من اجل صيانة علاقة التكافؤ والمساواة في الحقوق والواجبات ، وضعت القوانين التي توضح حدود العلاقة بين الافرد ، وتسمي الانتهاكات التي ربما يمارسها بعضهم على غيره ، والوسائل المتبعة لتصحيح ما ترتب على تلك الانتهاكات من فساد . تتعزز المواطنة برسوخ سيادة القانون ويتسع الفساد والبغي اذا ضعف القانون او فقد هيبته او قل الاهتمام بتطبيقه . ولهذا السبب اتفق علماء السياسة قاطبة على ان سيادة القانون وتطبيقه على نحو واحد ، على الجميع من دون تمييز ، هي الخطوة الاولى لصيانة النسيج الوطني وترسيخ المواطنة ، وبسط العدالة في توزيع الموارد ، وكبح البغي والظلم

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...