23/07/2005

المسلمون البريطانيون ومشكلة الهوية


 يصل عدد المسلمين في بريطانيا الى مليون وستمائة الف حسب تقديرات رسمية. لكن يرجح ان الرقم الحقيقي يزيد عن المليونين, يعيش اكثر من نصفهم في مدينة لندن. ويرجع الفارق بين الرقم الرسمي والتقديرات الاخرى الى ميل الكثير من البريطانيين, من مسلمين وغيرهم, الى عدم الاعلان عن ديانتهم في الاوراق الرسمية باعتبار ذلك حقا شخصيا لا شأن للدولة به.
اضافة الى ذلك فهناك بضعة ملايين من الذين وصلوا الى بريطانيا وبقوا فيها بصورة غير قانونية, ولا تتوافر معلومات دقيقة عنهم, لكن يعتقد اجمالا ان عدد المسلمين بينهم يصل الى نصف مليون. اما الشريحة الفاعلة في الحياة العامة فتتكون في الغالب من الجيل الثاني والثالث من ذوي الاصول الباكستانية والبنغالية الذين هاجر اباؤهم في منتصف القرن المنصرم.
مال معظم المهاجرين في اول الامر الى الاندماج في المجتمع البريطاني, لكن منذ اوائل الثمانينات حدث ما يمكن اعتباره انبعاثا جديدا للهوية الاسلامية الخاصة ادت بصورة او باخرى الى تصاعد فكرة الانفصال وتكوين مجتمعات خاصة. وثمة اسباب كثيرة لهذا الاتجاه, لعل ابرزها هو الكساد الاقتصادي الذي ضرب المدن الصناعية التي كانت في العادة مراكز اساسية لتجمعات المهاجرين الاوائل, مثل مانشستر وبرمنغهام.
كان العمل في صناعة النسيج والصناعات الثقيلة هو ابرز مصادر العيش لهؤلاء المهاجرين, وفي الحقيقة فان معظم الذين جاؤوا الى بريطانيا في اوائل الستينات الميلادية, استقدموا لهذا الغرض. لكن منذ اواخر السبعينات فان القاعدة العريضة للاقتصاد البريطاني قد تحولت باتجاه الخدمات المالية والسياحية والصناعات العالية التقنية لقد جرف هذا التحول الكثير من المجتمعات المحلية, ومن بينها مجتمع المهاجرين الذين تدهورت احوالهم المعيشية بصورة غير مسبوقة.
في اعتقادي ان حكومة السيدة تاتشر, التي قادت بريطانيا خلال مرحلة التحول تلك, تتحمل الجزء الاعظم من المسؤولية عما آل اليه الوضع في المدن الصناعية السابقة, فهي لم تقم بما يكفي من الجهد لاعادة استيعاب اولئك الناس في منظومات الاقتصاد الجديد, كما انها لم تبذل جهدا يذكر لمساعدتهم في تطوير مؤسسات اجتماعية للدفاع عن مصالحهم.
ولهذا فقد سيطر شعور مريع من الغربة والضياع على شريحة واسعة منهم. في ظل هذه الظروف, وتحديدا في منتصف الثمانينات, وصلت طلائع الدعاة العرب الذين انصب همهم على تعزيز التوجه للانفصال عن المجتمع البريطاني, مقابل توثيق الصلات مع مجتمعاتهم الاصلية.
في الوقت الحاضر فان الاغلبية الساحقة من المسلمين البريطانيين لا تظهر اهتماما يذكر بالشأن العام البريطاني, ولهذا ايضا فهي تهمل - عمدا او جهلا - الوسائل المتاحة لها للتأثير في القرار السياسي على الوجه الذي يسمح بحماية مصالحها. لقد ظهرت فرص كثيرة لايصال عدد من النواب المسلمين الى البرلمان وربما الوزارة, وثمة تشجيع ملموس من جانب الحكومة لدخول المسلمين في اجهزة القضاء والامن والقطاع الدبلوماسي, لكن اهتمام المسلمين بها ضئيل الى حد كبير.
وفي الاسبوع الماضي شكا مدير شرطة العاصمة من ان عدد المسلمين بين قواته يصل بالكاد الى ثلاثمائة وهو يحتاج الى اضعاف هذا العدد للحيلولة دون تحول الفوارق الثقافية الى مبرر للاساءة الى المسلمين . اتاحت انفجارات لندن الاخيرة الفرصة لكثير من زعماء الطائفة المسلمة للظهور في الاعلام والتعبير عن مواقفهم وتقييمهم لما حدث.
وقد لفت بعضهم انتباه الجميع بشجاعته في الدفاع عن هموم المسلمين ومصالحهم, واذكر خصوصا اللورد احمد, وهو عضو في مجلس اللوردات من اصل باكستاني, والدكتور زكي بدوي وهو فقيه واستاذ جامعي من اصل مصري لم يدخر الرجلان وسعا في الاشارة الى مسؤولية المجتمع والحكومة البريطانية عن المشكلة التي حصلت, لكنهما في الوقت عينه قدما مقترحات محددة للتعامل مع المشكلات التي ادت الى هذا الحادث او يمكن ان تؤدي الى نظائره مستقبلا.
اضافة الى اللورد احمد والدكتور زكي, ظهر زعماء اخرون, يؤسفنى القول ان معظمهم كشف عن رجال مسكونين بايديولوجيا لا علاقة لها بالعالم ولا مكان فيها للبشر الذين يعيشون في هذا العالم ولا بمصالحهم او مستقبلهم. واظن ان تلك الحوادث الاليمة سوف تشرع الباب واسعا امام المسلمين في اوروبا لاعادة النظر في علاقتهم مع المجتمع المحيط. واملنا ان ينظروا مليا في الفرص الكثيرة المتاحة لهم لتقديم صورة جديدة عن اسلامهم وعن انفسهم.
   - « صحيفة عكاظ » - 23 / 7 / 2005م 

05/07/2005

كي نتحول الى دولة صناعية


يستغرب الزميل عبده خال ان المملكة لا زالت – بعد سنوات طويلة من تدفق البترول – دولة غير صناعية. واظن ان بعض الناس سيجيب الزميل بسؤال آخر : هل قررنا التحول الى دولة صناعية وفشلنا ؟.
ان ابرز المشروعات الصناعية القائمة اليوم هي ثمرة الخطط التي وضعت في النصف الثاني من السبعينات. ولو اعتبرت تلك بداية واستكملت بمشروعات جديدة من نفس الحجم ، فلربما كانت المملكة اليوم دولة شبه صناعية. في ظني ان عدم التوجه الى الصناعة كخيار رئيسي للاقتصاد الوطني هو ثمرة لغياب فلسفة شاملة للاقتصاد.

بكلمة اخرى : نحن لا نعرف على وجه التحديد ما هو قطب النشاط الاقتصادي في هذه البلاد . ثمة دول قررت فعلا خيارها العام ، ولهذا فقد وجهت سياسات الدولة وخطط عملها كي تخدم هذا الخيار ، وحققت نجاحا لا ينكر. لبنان مثلا يتمتع بقابلية للانتاج الزراعي والصناعي ، لكنه اختار السياحة كقطب لاقتصاده ، وخلال السنوات العشر الاخيرة صبت الحكومة جل جهدها ومواردها لتحويل هذا النشاط الى مولد اول للموارد وفرص التشغيل وقد نجحت في ذلك نجاحا باهرا.

 اما امارة دبي فقد اختارت الخدمات المالية والتجارية كقطب لاقتصادها ، فتحولت خلال عقد من الزمن الى مصنع هائل للمال والوظائف ونمت بشكل لا يحتاج الى وصف. ان لبنان اليوم هو مركز سياحي في المقام الاول ، بينما دبي هي مركز تجاري. بعبارة موجزة فان التحول الى دولة صناعية - اذا كان هذا هو المثال الافضل – يتوقف على قرار باعتبار الصناعة قطبا للاقتصاد الوطني ، ومن ثم اعادة توجيه الموارد المالية ومناهج التعليم والتدريب ، والعلاقات الخارجية ، اضافة الى اصلاح القوانين والمقررات الرسمية ، لكي تخدم جميعها هذا التحول .

معروف لدى الجميع ان تصدير البترول هو المصدر الاول للدخل الوطني ، كما ان النشاطات المرتبطة باستخراجه وتصديره تمثل فعليا قوة التشغيل الرئيسية لليد العاملة والى حد ما حركة السوق. وفي ظني ان صناعة البترول يمكن ان تكون القاعدة الرئيسية لاي خيار اقتصادي مستقبلي. فيما عدا نسبة صغيرة جدا تستهلكها الصناعات المحلية فان الجزء الاكبر من البترول يصدر خاما الى الاسواق العالمية. ولا يحتاج الامر الى خبراء لفهم ان القيمة المضافة الناتجة عن تكرير الخام او استعماله مدخلا للصناعات التحويلية تعادل اضعاف قيمة الخام . برميل البترول الذي يتحول الى منتج وسيط او نهائي في الجبيل يوفر اضعاف قيمته الاولية ، لا سيما اذا اخذنا بعين الاعتبار القيم الاضافية مثل توفير فرص العمل وتنشيط الاقتصاد المحلي وتوطين التقنية ، وهي جميعا مما نفقده اذا اقتصرنا على تصدير البترول الخام.

اذا اعتبرنا الصناعة البترولية قطب الاقتصاد الوطني ، فيجب ان ننظر ايضا الى الصناعات المساندة. تستهلك صناعة البترول ما يعادل عشرات الملايين من المواد المصنعة والمعدات والالات المختلفة كل يوم ، وفي ظني ان اختيار هذه الصناعة كقطب للاقتصاد ينبغي ان ياخذ في الاعتبار اقامة نطاق من الصناعات المساندة ، اي تلك التي توفر قطع الغيار والالات والمواد التي تحتاجها صناعة البترول .

خلاصة القول ان التحول الى دولة صناعية يتوقف على قرار باعتبار الصناعة قطبا اول للاقتصاد الوطني ، واظن ان التركيز على الصناعات المرتبطة بالبترول يمكن ان يكون قاطرة قوية لحركة من هذا النوع. خاصة واننا نملك المقومات الاساسية لهذا التحول اذا قررناه .
يوليو 2005

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...