24/05/2004

بيان نوايا

بيان النوايا الذي اصدره وزير العمل غازي القصيبي ضرب على اوتار حساسة انفقت فيها الصحافة المحلية اطنانا من الحبر والورق ، لكنه ابعد ما يكون عن خطة عمل لحل مشكلة البطالة . ولا يختلف اثنان في كفاءة القصيبي وشخصيته الحاسمة . 


لكن في التحليل النهائي ، فان هذا البيان لا يقدم رؤية عن مشكلة البطالة في المملكة ، ولا يقدم خطة متكاملة للتعامل معها على المدى البعيد . فهو يتضمن اشارات الى جوانب ثقافية ، وجوانب اقتصادية وجوانب تنفيذية. لكنه يثير الدهشة لاهتمامه بما قيل عن هروب رأس المال المحلي بسبب تبعات السعودة مع ان المعلومات المتوفرة تؤكد على ضآلة هذه المشكلة.  و ربما كان السبب في اثارتها هو اعلان عدد من تجار الذهب اخيرا عن الانتقال الى دبي . والواضح ان الامر يتعلق بعدد يعد على الاصابع ولا يمثل مشكلة تستحق الاهتمام . وفي المقابل فهناك ادلة ملموسة على نمو هائل لحجم الاستثمار المحلي خلال الاشهر القليلة الماضية انعكس بوضوح على السوق المالية ، وهو امر معروف للجميع .


الاستثمارات الجديدة هي الحل الامثل والطويل الامد لمشكلة البطالة ، ويظهر من التجربة الفعلية ان القطاع الخاص السعودي يتمتع بقدرة هائلة – وبرغبة ايضا – على الاستثمار المحلي . المشكلة اذن في الاوعية الاستثمارية المتاحة . ان الجزء الاعظم من هذه الاموال قد تركز في المضاربة على العقارات اضافة الى اسهم الشركات القليلة المدرجة في البورصة .

بديهي ان المضاربة في العقار لا تولد فرص عمل ولا فائض قيمة اقتصاديا – في منظور الاقتصاد الانتاجي -  ، وبالتالي فهي لا تزيد من قوة الاقتصاد الوطني وقدرته على استيعاب التحديات.  وهذا يقودنا الى النقطة الجوهرية في الموضوع ، اي المخطط البعيد المدى للاقتصاد الوطني . اننا بحاجة الى تصور محدد لما ينبغي ان يكون عليه الاقتصاد السعودي بعد عشرين عاما ، والخطط المفصلية التي يفترض ان تقود الى تكامل تلك الصورة .
كان القصيبي قد قاد خلال توليه وزارة الصناعة تجربة جديرة بالاهتمام ، لعل ابرز شواهدها هو تنظيم قطاع الكهرباء وانشاء شركة الصناعات الاساسية التي اصبحت اليوم قطب الصناعة السعودية . وقد وفرت هذه الشركة الاف الوظائف فضلا عن كونها اضافة كبيرة للاقتصاد الوطني . وكان مقدرا للشركة ان تلعب دور الدينامو لعشرات من الصناعات التكميلية المتوسطة والصغيرة . ولو تحقق هذا التقدير ، فلربما كانت مشكلة البطالة التي نتحدث عنها اليوم ضئيلة الى درجة لا تستحق معها انشاء وزارة خاصة للعمل .

لكن المشروع لم يتواصل ، وهذا هو جوهر المشكلة . حينما كانت الحكومة هي الممول الرئيس كان بالامكان اقامة مشروعات من نوع سابك ، وحينما توقف التمويل الحكومي بدأنا نواجه مشكلات مثل البطالة .

ترى ما هو السبب في عزوف القطاع الخاص عن الاقدام على مشروعات مثل سابك ، او حتى مثل الصناعات التكميلية والاستهلاكية التي كان مقدرا لها ان تقوم على حاشيتها ؟. امامنا تجربة تقول ان مثل هذه التجربة توفر حلولا جديرة بالاهتمام ، فهي تولد وظائف وتولد ارباحا كبيرة ، وهي تعزز من متانة الاقتصاد الوطني ، اي انها تمثل حلا طويل الامد يحقق اهداف الافراد والمجتمع معا.
اسباب مشكلة البطالة التي يعرضها – تلويحا - بيان الوزير ، هي تجليات لمشكلة اعمق ، سبق ان عالجها بنفسها وقدم لها حلولا ، تجلت في توجيه المال المتوفر للاستثمار الصناعي . لازالت هذه الفرصة امامنا ، وامامنا ايضا الفرص التي يتيحها قطاع السياحة الذي طرح حديثا . ولهذا فان ما تحتاجه البلاد هو المواجهة الصريحة والشجاعة للاسباب التي تحول بين المستثمرين الصغار والمتوسطين وبين المشاركة في هذا النوع من الحلول . وهنا يجدر الاشادة بشجاعة رئيس الهيئة العليا للسياحة الذي لم يجد حرجا في الحديث عن المعوقات الكثيرة ، القانونية والتنفيذية والاقتصادية التي تثبط جهود المستثمرين.

ان برنامجا وطنيا يشترك المستثمرون بشكل مباشر في تنفيذه يتوقف على الشفافية الكاملة وتوفير المعلومات وحماية المنافسة . نحن نسمع اليوم عن خطة لترخيص شركة خاصة للنقل الجوي ، وعن منح تراخيص لشركات تقدم خدمات الاتصالات . ونتساءل عن حجم الجهد الذي بذل لاستقطاب الاستثمارات المتوسطة والصغيرة الى مثل هذه المشروعات .  مشكلة البطالة ليست في عدد الشغالات او عمال التنظيف ، بل في استيعاب الطاقة التمويلية المتوفرة في استثمارات مفيدة ومولدة للوظائف.

   السبت - 5/3/1425هـ الموافق  24 / ابريل/ 2004  - العدد   1042
http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/4/24/Art_97872.XML




15/05/2004

بعض التمثيل .. قد ينفع

 

عندما اقيم مجلس الشورى السعودي جادل قانونيون بان القاعدة الدستورية التي قام في اطارها لا تعطيه صفة تمثيل الارادة العامة. وجرت العادة بين اعضاء المجلس وسواهم على لفت الانظار الى الكفاءة العلمية التي يتمتع بها الاعضاء. والحق ان الجدل حول هذه الثنائية قديم وقد ورد في نقاشات قدامى الاسلاميين حول صفات اهل الحل والعقد.

تصوير كاريكاتوري لنموذج النظام السياسي الذي اقترحه ديفيد ايستون واطلق عليه اسم موديل المدخلات-المخرجات

يتعلق النقاش بمسألة تندر الاشارة اليها  ، رغم اهميتها ، سيما في ابحاث الفقه الاوربي. تفترض هذه المسألة ان هناك دائما هوة واسعة بين مطالب الجمهور اللا متناهية ، والموارد المتاحة لدى الدولة ، وهي – مهما عظمت - محدودة من حيث الحجم والزمن. ولهذا قال بعض المفكرين – ديفيد ايستون مثلا – بان عمل الحكومة في جوهره ، هو اختيار وجدولة المطالب الشعبية the authoritative allocation of values for a society. وتفترض هذه الفكرة ان مهمة جهاز الدولة ، هي وضع اولويات بالمطالب العامة التي سيجرى تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذها ، وتلك التي ستؤجل او تترك.

السؤال اذن: ما هو المعيار المتبع في تقرير هذه الاولويات؟.

- ما نقل الينا من التراث يربط هذا الحق بالعلم ، فالعالم هو صاحب الحق في اختيار المطالب العامة القابلة للتنفيذ او التأجيل. خلافا لهذا فان علم السياسة المعاصر ، يحيل هذا الحق الى الارادة العامة ، فالمطالب التي تحظى بالاولوية ، هي تلك التي تعبر عن رغبة عامة عند اكثرية المواطنين.

في هذا الزمن فان الحاجة الى اعتبار رغبة العامة ، لا تستند فقط الى الاساس النظري – وهو قابل للمجادلة على اي حال - ، بل الى الضرورة الملحة لتحقيق "رضا العامة" التي يوردها قدامى الاسلاميين كواحد من الادلة الكبرى على وجوب الشورى. رضا العامة هو الضمان الاكبر للسلام الاجتماعي وهو الوسيلة التي لا غنى عنها لتمكين الدولة من العمل بصورة سلسة وفعالة في ظل تعاون الجميع وتعاطفهم. ويقدم نموذج التكافؤ بين المطالب والاستجابة ، او الادخال - الاخراج الذي اقترحه ايستون ، تصويرا ذكيا للكيفية التي يمكن للدولة من خلالها تعزيز مشروعيتها حتى في ظروف الازمة. وهو يميل – كما يبدو – الى اعتبار المشروعية المتحققة من خلال هذا التفاعل اكثر فائدة وعلاقة بالسياسة اليومية من تلك المستمدة من القواعد الدستورية المؤسسة للنظام السياسي.

يبدو – حسب التصوير الرسمي على الاقل – ان تاسيس مجلس الشورى على القاعدة الاولى ، اي العلم ، يستهدف التشديد على اعتبار المعيار العلمي اساسا للحق في اختيار المطالب العامة القابلة للتنفيذ. ترى هل يمكن لهذا النوع من الترتيب ان يؤمن رضا العامة ؟. او لنقل : هل ثمة وسيلة لجعل هذا الغرض ، اي رضا العامة ،  قابلا للتحقيق في ظل الترتيبات الحالية للمجلس ؟.

في ظني ان التحرك خطوات نحو فكرة " تمثيل الارادة العامة " قد يكون مفيدا في هذا الجانب. والاقتراح المحدد هنا هو التخلي عن الفكرة القديمة التي تعتبر عضوية المجلس شأن مستقلا عن الانتماء الاجتماعي للعضو. واستبدالها باعتبار كل عضو ممثلا للمكان الجغرافي-الاجتماعي (القرية ، المدينة.. الخ ) الذي ينتمي اليه في الاصل. هذا التمثيل يمكن ان يتحقق عن طريق فتح قنوات تواصل منظمة بين العضو وبين تلك الشريحة من المواطنين لكي يستقبل مطالبهم وشكاواهم ، ويقوم – نيابة عنهم - بايصالها الى الجهات الرسمية او يعرضها في المجلس ، كما يفعل البرلمانيون في دول العالم الاخرى. في هذه الحالة سيكون المجلس بمثابة محامي الشعب اذا صح التعبير. واظن ان مثل هذا الدور سيسهم بدرجة كبيرة في توفير الغرض المشار اليه ، اي تحقيق رضا العامة. وهو الى ذلك خطوة في طريق بلورة الارادة العامة وتجسيدها.

15 مايو 2004

مقالات ذات صلة

 الاساس النظري لدور الامة في الدولة

السلطة باعتبارها وكالة عن المجتمع
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

بعض التمثيل .. قد ينفع

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد

مفهوم الحق ومصادره

مكانة العامة في التفكير السياسي الديني: نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة والاجتماع السياسي

دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة

الايديولوجيا السياسية للتيار الاصلاحي في ايران

الايديولوجيا السياسية للتيار المحافظ في ايران

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)

نظرية السلطة في الفقه الشيعي: ما بعد ولاية الفقيه (كتاب)

الديمقراطية في بلد مسلم (كتاب)

تنبيه الامة وتنزيه الملة : رسالة فقهية في الحكم الدستوري (كتاب)

 

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...