20/03/2004

بيدي أم بيد عمرو: تلك هي المسألة



كثير من قومنا منشغل اليوم بالتفكير في "اهلية" الولايات المتحدة الامريكية لفرض مشروعها الخاص بالاصلاح السياسي في الشرق الاوسط. مشروع "الشرق الاوسط الكبير" الامريكي يستهدف اعادة صياغة هذا النظام الاقليمي على نسق متوائم مع منظومة العلاقات الدولية للقرن الواحد والعشرين. والفكرة ليست جديدة تماما ، فقد طرحت في اوائل التسعينات تحت مسمى النظام العالمي الجديد. لكن  اولويات واشنطن مالت منذ عهد الرئيس بوش الاب الى التركيز على المناطق التي اعتبرت اكثر نضجا للتغيير ، ولا سيما في افريقيا  وجنوب شرق اسيا.
الاداة الرئيسية لهذا المشروع هي الادماج الاقتصادي والمواءمة الثقافية والسياسية ، وهي الفكرة التي تمثل جوهر مفهوم العولمة.

والحق ان المشروع الامريكي قد حقق نجاحا يعتد به في المناطق التي جرى التركيز عليها ، وهو ما يكشف عن الامكانية الكبيرة التي ينطوي عليها اذا ما طرح في مناطق اخرى. بالنسبة للشرق الاوسط (في المفهوم الجديد الذي يمتد من افغانستان الى المغرب) فقد  كان الاعتقاد السائد في واشنطن ان حل المسالة الفلسطينية سوف يؤدي الى تسهيل اطلاق المشروع ، لكن فشل الرئيس السابق كلينتون في استنباط الحل المقترح في اللحظة الاخيرة قد ازاح هذه القضية من دائرة الاولويات ، وجاءت احداث الحادي عشر من سبتمبر لتضع اولوية جديدة ، وهي تفكيك البيئة الاجتماعية المنتجة للتطرف الديني.

طبيعة الدور الذي سيلعبه المجتمع الدولي – الولايات المتحدة واوربا خصوصا – في صناعة التغيير كان دائما محل خلاف مع عواصم المنطقة ، وقبل تلك الاحداث كان بين صناع القرار في الولايات المتحدة من يتعاطف مع الفكرة القائلة بعدم فرض تغييرات دراماتيكية ، خشية انكسار النظام السائد في المنطقة وصعود المتطرفين الى السلطة . ويبدو ان واشنطن كانت مقتنعة بالحجة التي سوقها سياسيون من الشرق الاوسط وفحواها ان ضعف هؤلاء سيفتح على العالم ابواب الجحيم .

لكن منذ الحادي عشر من سبتمبر فان الصورة اختلفت دراماتيكيا في العاصمة الامريكية والكثير من عواصم اوربا الغربية ، وساد اعتقاد بان التباطؤ في ادماج الشرق الاوسط في التحرك العالمي المتوائم نحو الديمقراطية واقتصاد السوق ، هو الذي وفر الارضية الملائمة لتبلورالارهاب والتطرف . هذا التغيير في النظرية الامريكية للعلاقات الدولية هو الذي قادها الى تغيير النظام السياسي في كل من افغانستان والعراق بالقوة المسلحة. ومن المرجح ان هذا النجاح سيغري الولايات المتحدة بتكرار تجربة العمليات الجراحية الرامية لفرض تصورها الخاص للمستقبل في اقطار اخرى . ومن هذه الزاوية خصوصا ينظر باحثون غربيون الى مشروع الشرق الاوسط الكبير باعتباره الاعلان غير الرسمي عن السياسة الجديدة التي سوف تتبعها واشنطن في المنطقة خلال السنوات القادمة . الفكرة البسيطة وراء هذه السياسة : هي ان النظام الاجتماعي في هذه المنطقة جزء متكامل مع منظومة الامن الدولي ، ولهذا فان العالم معني بكل قطر من اقطارها ، بشؤونه الداخلية مثل سياساته الخارجية ، وان على المجتمعات المحلية وحكوماتها ان تغير نفسها والا فرض عليها التغيير من الخارج .

بيت القصيد اذن ليس كون الولايات المتحدة مؤهلة ام غير مؤهلة لفرض التغيير. المسألة التي تستحق النظر هي ان هناك مشروعا فعليا للتغيير ، جوهره اعادة تركيب النظام الاجتماعي في كل قطر باتجاه الانسجام مع التحرك العالمي  نحو الليبرالية في الاقتصاد والسياسة ، وهذا المشروع سيظهر للوجود خلال سنوات قليلة ، على ايدي اهل المنطقة او رغما عنهم . ولهذا فان السؤال الذي يستحق التوقف هو : هل سنصلح حالنا بايدينا ، كي ياتي الاصلاح منسجما مع ما نحسبه ثوابت عندنا ، او نتباطأ حتى نجد انفسنا مرغمين على قبول النموذج الذي يتبناه الامريكيون ولا يقيم كبير اعتبار لسلم اولوياتنا ؟. هل نقبل باصلاح سريع لكنه مخطط ومسيطر عليه ام ننتظر حتى يفرض علينا تغيير فوري لا يقيم وزنا لتبعات المغامرة؟.

Okaz ( Saturday 20 March 2004 ) - ISSUE NO 1007

06/03/2004

عن الحرية والاغـتراب


كلنا نريد الحرية لانفسنا وكلنا نخافها . حرية الانسان هي القدرة على اختيار ما يريد . وعلى الضد من هذا فان العبودية هي العجز عن الاختيار اي تعليق الارادة الفردية على موافقة الغير ، السيد او المالك ، الخ ...
لو امكن تلخيص الخط العام لحياة البشرية منذ بواكيرها وحتى اليوم في جملة واحدة ، لكانت هذه الجملة هي "الكفاح لتوسيع دائرة الخيارات" اي التخلص من القيود والمعوقات التي تفرضها الطبيعة ، او يفرضها نظام العلاقات الاجتماعية على حركة الانسان الفرد. كانت الحرية ولا تزال هما شاغلا للفلاسفة والاجتماعيين مثلما شغلت الادباء والشعراء والفنانين فضلا عن عامة الناس .
مثل كل المفاهيم ، فان الصور الذهنية التي يولدها لفظ الحرية ، تختلف من مجتمع الى آخر ومن عصر الى آخر . وعلى نفس النسق فان تصور كل شخص لحريته الخاصة يختلف كثيرا عن تصوره لحرية الاخرين ، لا سيما اولئك الذين يخضعون واقعيا - او يمكن ان يخضعوا - لسلطته .
ونجد اقرب مثال على هذا التفاوت في العلاقة بين الاباء والابناء ، وبين العلماء ومريديهم ، وبين الزعماء واتباعهم.  في هذه الامثلة الثلاثة جميعها ، يؤمن الطرف الاقوى – الاب او العالم او الزعيم – بان حقه في حرية اوسع ، قائم على معرفة اوسع وعقلانية اكبر . اي بمعنى آخر ، قدرة افضل على ادارة الخيارات الاضافية التي تتيحها الحرية . هذا التفاوت المدعى هو المكون الرئيس لفكرة السلطة الاجتماعية ، ان شخصا يدعي لنفسه الحق في التحكم في الاخر لانه يرى في نفسه أهلية للتمتع بثمراتها تتجاوز أهلية الاخر . جوهر مشكلة الحرية اذن يكمن في القدرة على استثمارها على نحو مناسب ، اي الموازنة بين الحرية والمسؤولية .
المجتمعات المحافظة تخشى من الحرية ، لما تتصوره فيها من زوال او ضعف الضوابط الاجتماعية ، التي تحفظ القيم ومعايير السلوك الفردي . ولعل القراء لاحظوا ان كثيرا من كتابات الدعاة وخطبهم ، تتعمد المبالغة في التحذير من عواقب التحرر ، وتذكير القاريء والمستمع بان الحرية قد جرت على العالم الغربي مفاسد اجتماعية واخلاقية . بمعنى آخر ، ان الخوف من الحرية ومعارضتها كان – ولا يزال – يبرر على اساس الحاجة الى صيانة القيم الاخلاقية .
هذا الخوف ناشيء بطبيعة الحال عن حقيقة ان "الانضباط السلوكي" يمثل الهم الاكبر للمجتمع المحافظ .  ولو كان التقدم العلمي والاقتصادي ، اي الارتقاء الانساني والحضاري ، هو الهم الاكبر للمجتمع لكان الخوف من الحرية في المستوى الادنى ، او ربما كان منعدما .
ما ينبغي ان يقال في هذا الصدد هو ان حرمان المجتمع من الحرية ، لا يجعله فاضلا او نظيفا بل يزرع فيه بذور النفاق. وتدل تجارب التاريخ المعاصر على ان الناس قد نجحوا في توفير بدائل لما منعوا منه . الحريات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية تمارس في السر ، وهي تشكل اسلوب حياة متكامل لشريحة غير صغيرة في المجتمعات التي تطبق قوانين ضبط متشددة.
لكن قيام مجتمع سري ليس هو المشكلة الوحيدة التي تترتب على تحديد الحريات العامة . ان اخطر الاثار في ظني هو اغتراب الانسان.
يتخذ الاغتراب شكلين رئيسيين :  الاستسلام السلبي والتمرد . وبينما يتحول الفرد المتمرد الى آلة هدم للمكتسبات الاجتماعية – وربما للنظام الاجتماعي بمجمله - ، فان الاستسلام السلبي يولد في نفس الفرد عزوفا شديدا عن المساهمة في اي عمل اجتماعي مشترك حتى في المستويات الدنيا . تصور هذا المعنى مقولة (حارة كل من ايدو الو) التي اطلقها في صورة كاريكاتورية الفنان السوري  دريد لحام . في هذه الحارة ، كل فرد هو جزيرة مستقلة ، لا يشارك ولا يتحمل المسؤولية ، يعيش حياته بيولوجيا ، ويفكر في داخله لنفسه وحول نفسه ، انسان مغترب وغريب مثلما كل من حوله مغترب او غريب.

 

http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/3/6/Section_2.xml

Okaz ( Saturday 6 March 2004 ) - ISSUE NO 993


مقالات ذات علاقة

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...