05/06/2019

الشيخ المجهول ، بطل ليفربول


وفقا لدراسة نشرت الاسبوع الماضي ، فان رياضيا بارعا يمكن ان يؤثر في الراي العام ، بما يفوق مئات من رجال الدين والدعاة المحترفين. عنوان هذه الدراسة "هل يمكن للتركيز على الشخصيات المشهورة ان يخفض التعصب؟". وشارك فيها اربعة باحثين برعاية مختبر سياسات الهجرة بجامعة ستانفورد. ركز الباحثون على بروز محمد صلاح ، لاعب كرة القدم الشهير في نادي ليفربول ، وكيف أثر على موقف مشجعي الفريق ومتابعيه بشكل عام ، تجاه الاسلام والمهاجرين. وقد اختير صلاح بالتحديد ، لان هويته صريحة: اسمه وشكله ، فضلا عن مجاهرته برموز دينية معروفة ، مثل سجوده في الملعب بعدما سجل اهدافا نادرة.

اعتمد البحث على مجموعة كبيرة نسبيا من مصادر المعلومات والمؤشرات ، مثل السجلات الشهرية لجرائم الكراهية (التي يكون للدين تاثير فيها) في 936 مقاطعة. كما قام الفريق بفحص 15 مليون تغريدة نشرها مشجعو كرة القدم في بريطانيا ، وتحتوي على مواقف ذات علاقة بالمسلمين ، فضلا عن مسح لعينة ضمت 8060 من مشجعي نادي ليفربول ، فيما يخص موقفهم من الظاهرة المعروفة بالاسلاموفوبيا.
تقول الدراسة ان جرائم الكراهية في منطقة مرسي سايد ، موطن نادي ليفربول ، قد انخفضت بنسبة 19%  ، بينما لم يلاحظ تغيير على انواع الجرائم الاخرى. وجدت الدراسة ايضا ان التغريدات المعادية للمسلمين ، التي ينشرها مشجعون للنادي ، قد انخفضت بما يقارب النصف.
خلاصة الفكرة التي تؤكد عليها الدراسة هي ان الازمات الواسعة النطاق ، اي تلك التي يكون الجمهور طرفا مؤثرا فيها ، يمكن ان تعالج من خلال تغيير المقاربة ، ولاسيما اعتماد ما يسمى الدبلوماسية الشعبية ، في مختلف تجلياتها.
في نفس الوقت تقريبا (1 يونيو 2019)، اعلنت رابطة العالم الاسلامي عن "وثيقة مكة" التي تبناها نحو الف من علماء المسلمين اجتمعوا في مكة المكرمة. شكلت الوثيقة ما يمكن اعتباره رسالة مصالحة بين المسلمين من جهة ، وبين المسلمين وغيرهم من الامم ، من جهة ثانية.
من يتأمل محتوى هذه الوثيقة سيجد انها ليست الاولى التي يصدرها علماء المسلمين من حيث لغة الخطاب والمبررات المطروحة. لكنها كسابقاتها ، اغفلت أيضا تحديد خطط العمل والجهات التي ستتولى ادارة المهمة. ونعلم ان اي دعوة لا تتحول الى برنامج عمل ، ولا يتحدد المسؤول عن تنفيذها ،  فانها على الاغلب ستنتهي كخبر تنشره الصحف في اليوم التالي ، ولا شيء أكثر.
لقد تعمدت افتتاح المقال بتفصيل القول في ما اظنه نموذجا مختلفا في علاج ابرز القضايا التي تناولتها وثيقة مكة ، اي الاسلاموفوبيا. جوهر هذا النموذج هو ازاحة العلاقة من زاوية المواجهة والنقاش المباشر ، ولا سيما التركيز على الجانب الديني/الثيولوجي ، الى زوايا مشاركة ، والتركيز خصوصا على ما يمكن للمسلمين ان يتفاعلوا فيه مع غيرهم باعتبارهم بشرا ، لا باعتبارهم اصحاب أديان او مبشرين. قضايا مثل العلم والادب والفن والرياضة واستئصال الفقر وحماية البيئة الكونية وامثالها ، تشكل في رأيي نقاط التقاء ، ويمكن للعمل المشترك فيها ان يوصلنا الى نتائج افضل واوسع نطاقا.
اذا كان لي من كلمة اوجهها لعلماء المسلمين المهتمين بتحسين العلاقة بين المسلمين انفسهم ، او بينهم وبين غيرهم ، فسأقول لهم: دعوا هذه المهمة لغيركم ، اي الشباب والباحثين والفنانين والرياضيين والناشطين البيئيين ، فهؤلاء سيفتحون مسارات لا تقدرون عليها ولا تعرفونها. انظروا الى تجربة بطل ليفربول ، فهي عبرة لمن يعتبر.
الشرق الاوسط الأربعاء - 1 شوال 1440 هـ - 05 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14799]

29/05/2019

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

|| لم يعد للعقل دور مستقل. فقهاء اليوم يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث وفي تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان هذا حل مستحيل||
تأسس علم الفقه في القرن الثاني للهجرة ، حين وجد المسلمون أن ما وصلهم من حديث الرسول لا يغطي المسائل الجديدة. وصور ابو الفتح الشهرستاني هذا المعنى بقوله ان "الحوادث والوقائع .. مما لا يقبل الحصر والعد. ونعلم قطعا أنه لم يرد في كل حادثة نص... والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية ، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى ، علم قطعا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار".
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
مسجد وضريح الامام الشافعي-القاهرة
والمشهور ان الامام الشافعي (ت 204ه) هو الذي وضع القواعد الأولية للاجتهاد واستنباط الاحكام في كتابه"الرسالة". أما أول من مارس الاجتهاد فالمشهور انه الامام ابو حنيفة النعمان وتلاميذه (ت 150ه). ومنذئذ انقسم المشتغلون بالفقه الى فريقين: الفريق الذي يسمى اهل الرأي او الاصوليون ، وهو يدعو للبحث عن قواعد عامة نستفيدها من النصوص ، ونجعلها مرجعا لتكييف الحوادث الجديدة ، ان تطلبت حكما شرعيا. مقتضى هذا الرأي في نهاياته المنطقية ، ان الشريعة ليست مجموعة احكام مدرجة في نصوص ، بل منهج وفلسفة عمل ، جرى توضيحها من خلال امثلة واحكام في قضايا ، ذكرت في القرآن او حديث الرسول. وان الاعتماد الكامل على الادلة العقلية ، سيضمن جعل التشريع متجددا مستجيبا لعصره. هذا يقتضي بطبيعة الحال ان تخضع احكام الشريعة للمراجعة المستمرة. ولذا يتوقع ان يختلف الحكم في الموضوع الواحد ، بين زمن وزمن وبين مكان وآخر ، اذا اختلفت البيئة المادية او الثقافية لموضوع الحكم.
اما اهل الحديث ، ويطلق عليهم ايضا الاخباريون ، فهم يأخذون برؤية انكماشية نوعا ما ، تحصر التشريع في حدود المنصوص ، وتمنع انشاء الزامات شرعية اعتمادا على اجتهاد مستقل. ومقتضى هذا الراي في نهاياته المنطقية ، هو ان قبول اصل الدين والشريعة ، يعني الاقتصار على ماحدده الشارع ، وعدم التصرف بموازاته على اي نحو ، حتى لو كان صلاح التصرف ظاهرا للعيان.
تختلف الحجة القيمية بين الفريقين. إذ يرى الاصوليون ان الدين غرضه صلاح الدنيا. ومن صلحت دنياه ، نجا في الآخرة. بينما يرى الفريق الثاني ان غاية الخلق هي عبادة الخالق وان غرض الدين هو النجاة في الاخرة ، على النحو الذي عرفه التنزيل الحكيم. ولذا فواجب المؤمن هو الاعداد للآخرة ولو على حساب الدنيا.
ويتضح مما سبق ان الاتجاه الاول (الاجتهاد) اكثر قابلية للتفاعل مع التطور المادي والثقافي للمجتمع. لكن انتشاره سيفضي الى تلاشي الفاصل بين الديني والدنيوي ، وضمور ما يسمى بالصبغة الدينية للحياة. اما الاتجاه الثاني (الاخباري) فهو يميل الى نوع من الثنائية الحيوية ، حيث يتعايش الديني والدنيوي ، كلا في مجال خاص به. وفي هذا الاطار يعمل اهل الفقه على ابراز الصبغة الدينية والتاكيد على خطوط الفصل بين العالمين.
رغم ان ظهور الاجتهاد كان تعبيرا عن حاجة المسلمين لتطوير حياتهم الدينية ، الا انهم – لأسباب عديدة – تراجعوا عنه مبكرا ، وهيمن الاتجاه الاخباري بشكل صريح او ضمني. وفي وقتنا الحاضر لم يعد للعقل دور مستقل. بل اصبح تابعا ثانويا. ولهذا تجد الفقهاء يبحثون عن حلول لمشكلات الحياة الحديثة في كتب الحديث او في تراث اسلافهم ، رغم علمهم بان الحل مستحيل ، ما لم نعط العقل دورا مستقلا موازيا للكتاب والسنة. لكن قرارا مثل هذا يتطلب تعديلا في التصور الاساسي او الفلسفة التي ينطلق منها الفقيه ، على النحو الذي شرحته آنفا.
الشرق الاوسط الأربعاء - 24 شهر رمضان 1440 هـ - 29 مايو 2019 مـ رقم العدد [14792]
https://aawsat.com/node/1743631

لماذا يرفضون دور العقل؟

  ليس هناك – على حد علمي – من ينكر دور العقل بصورة مطلقة. لو فعل أحد ذلك فلربما عده العقلاء مجنونا أو ساذجا. لكننا نعرف أناسا كثيرين ينكرون ...