‏إظهار الرسائل ذات التسميات ولاية الفقيه. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ولاية الفقيه. إظهار كافة الرسائل

12/10/2016

ياصديقي: أنت قلق وانا أيضا


اراحني جدا مقال الزميل د. علي سعد الموسى "لأخي الشيعي: تقابلية الانتماء والمرجعية" المنشور في الوطن يوم السبت الماضي. يعرف السعوديون د. الموسى كواحد من اكثر الاكاديميين انشغالا بالشأن العام. وهو رغم قربه من النخبة السياسية ، فقد اتسمت معظم مقالاته بشجاعة ملفتة في تناول هموم الناس وشكاواهم ، وهذا أمر يحسب له ويميزه.
ناقشت مقالة د. علي التعارض المحتمل بين ولاء المواطنين لوطنهم واتباعهم في أمورهم الدينية لفقيه خارج البلد. والسؤال موجه بشكل مباشر للشيعة السعوديين. هذه واحدة من القضايا العامة التي يجب طرحها ونقاشها امام الرأي العام بصراحة تامة ، ليس لاقناع المتلقين ، بل لعقلنة النقاش وتحديد مساراته. 
والحق ان مسألة الولاء للوطن ومبدأ المواطنة كأساس قانوني للعلاقة بين اهل البلد ، هي أكثر المسائل أهمية في حياة المجتمعات. وهي أجلى ما تكون في علاقة الاقليات مع الدولة من جهة ومع الاكثرية من جهة أخرى. وقد خصصت جانبا من كتابي "حدود الديمقراطية الدينية" لاستعراض مشكلة الاقليات في ايران واعتبرت علاجها معيارا لنجاح او فشل الرؤية الدينية للدولة الحديثة. كما خصصت جانبا هاما من كتابي الآخر "ان تكون شيعيا في السعودية" لدراسة العوامل الثقافية والمجتمعية التي تسهم في تسييس المسألة.
يطالب الزميل الموسى علماء الشيعة السعوديين ببيان موقف واضح من المسافة بين الولاء للوطن والعلاقة بالمرجع الديني. وهو يعتقد ان على الشيعة ان يطمئنوا مواطنيهم ، كي يحصلوا على ما يرونه حقا لهم. لأن قلق الاكثرية كان – حسب رأيه – سببا في حجب حقوق الأقلية.
كنت قد شرحت هذه العلاقة في مقالات ومقابلات عديدة. لكن الزميل الموسى يريد كلاما من رجل مثل آية الله الشيخ حسن الصفار. ويؤسفني اخباره ان الشيخ قد تحدث للتلفزيون السعودي حول  هذا الموضوع بالتحديد في مقابلة مفصلة ، ايام وزارة طيب الذكر اياد مدني. لكن التلفزيون لم يذع تلك المقابلة. ويبدو ان ما هو متاح لمثلي ليس متاحا لمثله. لكني اعرف تماما تمييزه الواضح بين العلاقة الدينية والانتماء للوطن ، وما يترتب على هذا وذاك. وهو – في هذا الجانب تحديدا – يتجاوز كل الخطوط التي نظنها تعيق رجل دين فيما يخص مفهوم الوطن ومبدأ المواطنة والانتماء والولاء.
على أي حال فاني اتفهم جدا قلق الزميل الموسى ، لأني قلق مثله تماما. نحن زملاء في القلم والقلق معا. لست قلقا لانتمائي الى ما يعتبر أقلية ، مثله قلقه لانتمائه الى مايعتبر أكثرية. انا قلق لان قرنا مضى على توحيد المملكة وما زلنا نفكر في وطننا بمنطق الاقلية والاكثرية ، لا بمنطق المواطنين الشركاء في العلة والعافية ، قلق لأن رجلا مثل الدكتور الموسى لا يرى في تعبير عامة الناس عن مشاعرهم محققا للاطمئنان ، وان هذا الاطمئنان لايحققه الا اعلان زعيم ديني عن رأيه. أنا قلق لأني أعلم ان هذا القلق لم يتحرك لأن مشكلة ما انفجرت في داخل البلد ، بل لأن بلادا اخرى حولنا تشهد صراعات طائفية. يذكرني هذا بقول قديم أطلقه القوميون العرب في السخرية من رفاقهم الشيوعيين "اذا امطرت السماء في موسكو فتح الرفاق مظلاتهم في بغداد". اني اتساءل دائما: هل كتب على الشعب السعودي ان يتصارع فيما بينه كلما ثار صراع سياسي في بلد آخر؟. هل نحن مسؤولون عن شعوب العالم وهل نحن مكلفون باصلاح العالم؟. اليس لدينا من المشاكل ما يكفينا ويشغلنا عن هموم الاخرين؟.
حسنا. انا – مثل الزميل الموسى – ادعو الشيخ الصفار وبقية علماء الشيعة الى توضيح موقفهم من التاثير المحتمل لارتباطهم بفقيه خارج البلد ، على انتمائهم لوطنهم وولائهم له. لكن ماذا بعد التوضيح.. هل سيكون كافيا لزرع الاطمئنان ، ام يحتاج الامر الى تجديد سنوي او شهري مثل بطاقة الاقامة مثلا او تأمين السيارة او بطاقة شحن التلفون؟.
أقول هذا لان الشيخ الصفار وعلماء آخرين تحدثوا في هذا مرارا ، وقالوا ما يريده الزميل الموسى بالتحديد. لكن لعله لم يطلع على تلك الاحاديث او ربما نسيها ، او لعله يعتقد ان بطاقة الشحن تحتاج الى تجديد. أقول هذا أيضا لان اشخاصا اخرين يطالب باقرارات أخرى كلما حدث حادث داخل البلد أو خارجها. بل ان بعضهم يقول بما يشبه الصراحة: كرر اقوالنا والا فانت ضدنا. ولا اعتقد ان الزميل الموسى يفكر على هذا النحو. لكن السؤال يبقى مشرعا: ماذا بعد اعلان الموقف المطلوب..هل سننتهي من من تكرار المطالبة باعادة الشحن ،ام نحدد موعدا للتجديد ، كل شهر مثلا او في بداية العام الهجري؟.
الشرق الاوسط 12 اكتوبر 2016  http://aawsat.com/node/758571





07/06/2014

نظرية السلطة في الفقه الشيعي: ما بعد ولاية الفقيه (كتاب)

يناقش هذا البحث مسالة السلطة في الفقه الجعفري ، بغرض التحقق من امكانية عرض نظرية جديدة لشرعية السلطة في الاسلام ، قوامها سيادة الامة على الدولة ، مع الاعتماد بشكل كامل على أدوات ومناهج البحث والمقدمات المتعارفة في الفقه الجعفري بصورة خاصة .

ينقسم البحث إلى ثلاثة ابواب :
الباب الاول : وفيه ثلاثة فصول كرست لعرض فكرة الدولة والسلطة في الفكر السياسي الحديث ، ثم فكرة الدولة في الاسلام ، واخيرا فكرة السلطة عند الشيعة.
 الباب الثاني : يتضمن تحليلا للتطور النظري لمسالة السلطة في الفقه الجعفري بعد غيبة الامام الثاني عشر حتى ظهور نظرية ولاية الفقيه.
 الباب الثالث : يعرض النظرية البديلة التي اقترحتها ، وهو مقسم إلى اربعة فصول تناقش الادلة التي 
بنيت عليها نظرية "ولاية الفقيه" تمهيدا لعرض النظرية البديلة التي يقترحها الكاتب. 

مقالات ذات علاقة




لقراءة الكتاب براحة اكبر : اضغط هنا
التحميل المباشر للكتاب : اضغط هنا
نظرية السلطة في الفقه الشيعي: ما بعد ولاية الفقيه by د. توفيق السيف

06/10/2012

تعقيب على مقالة د. فرح كوثراني


"العلامة محمد مهدي شمس الدين ونظرية ولاية الامة على نفسها"

6 اكتوبر 2012
للتعرف اكثر على شخصية المرحوم شمس الدين ، انقر هنا
 
اطار النقاش:
السؤال البديهي الذي يبرز قبل النقاش في "ولاية الفقيه" او اي نظرية اخرى عن السلطة في الاسلام او اي ايديولوجيا اخرى ، هو : ما الذي نرمي اليه من وراء النقاش : هل اهتمامنا نظري بحت ، مقطوع الصلة عن الزمان والظرف السياسي – الثقافي. ام  اننا نسعى لاستكشاف افاق ممكنة لحل مشكلة الدولة في اطارنا العربي او الاسلامي.
جواب هذا السؤال الاولي يترتب عليه ثلاث مسائل منهجية :

المسألة الاولى:

 وضوح الفارق بين الخيارين سوف ينعكس تلقائيا على فهمنا وتقديرنا لقيمة العناصر والنظريات الداخلة ضمن مسار النقاش. اشارت د. كوثراني مثلا الى ان النقاش حول "ولاية الفقيه" في العصور السابقة كان في جانب رئيسي منه نظريا بحتا ، لان الامل في تطبيق الفكرة كان مستبعدا. بخلاف نقاش اية الله الخميني الذي تحدث عن النظرية وهو يرقب امكانات تطبيقها في اطار دولة.
من هذه الزاوية تحديدا فاني اجد فارقا كبيرا بين تصور الخميني لموضوع المسألة وتصور الفقهاء السابقين. لا نستطيع فهم رؤية الخميني دون الاخذ بعين الاعتبار مجموع احاديثه وكتاباته عنها. دعنا نأخذ مثالا عن تعريفه لعنصر "الولاية العامة المطلقة" التي كانت المورد الرئيسي للجدل ضد نظريته. في يناير 1988 كتب اية الله الخميني الى رئيس الجمهورية معلقا على حديث له في صلاة الجمعة :
"السلطة المتفرعة عن ولاية رسول الله المطلقة من احكام الاسلام الاصلية وهي مقدمة على جميع الاحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج.. سلطة الدولة الاسلامية عامة وتشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية بما يتجاوز الحدود المتعارفة في الابحاث الفقهية"[1].
الواضح انه يتحدث هنا عن الولاية العامة والمطلقة للدولة التي يرأسها الفقيه وليس عن ولاية شخص الفقيه. لو تابعنا تفاصيل الجدل الذي حمله على هذا التحديد ، لوجدنا انه اراد معالجة مشكلة عويصة في المجتمع الديني الشيعي ، خلاصتها عدم الاقرار للدولة بالحق في فرض الزامات مالية او التدخل في التعاقدات بين الافراد. بدأ الجدل حين وافق مجلس الشورى على مشروع حكومي يسمح لوزارة العمل بفرض شروط في عقود التوظيف لصالح العاملين ، من بينها تحديد ساعات العمل ومعادلة تحديد الاجر الخ. فاعترض عدد من الفقهاء ومن بينهم اعضاء في مجلس صيانة الدستور. لاحقا كتب لهم الخميني واصفا اعتراضاتهم بجدل " نظري ، لن يعين على حل اي مشكلة بل سيقودنا الى طرق مسدودة ، وينقض الدستور"[2].كان الخميني مدركا لاشكالية الدولة في التفكير الفقهي ، واشكالية التفكير الفقهي في السياسة والدولة. وقد اتخذ الكثير من القرارات التاسيسية بناء على اجتهاده الخاص ، مخالفا اعرافا ومسلمات فقهية راسخة.

المسألة الثانية:

فكرة "الاسلام هو الحل" الذي تتبناه التيارات الاسلامية صراحة او ضمنيا ، قائمة على ارضية مضمرة فحواها ان تحقيق العدل الاجتماعي ممكن فقط او على الاغلب في اطار التعاليم الاسلامية. بعبارة اخرى فان العدل في تجلياته المختلفة هو جوهر النقاش في مسالة الدولة. لو اردنا استعمال المنهج الفقهي فسوف نقول ان العدل - في هذه المسالة - مطلوب لذاته ، بينما التعاليم الاسلامية مطلوبة لغيرها. هي اذن طريق الى غاية وليست غاية بذاتها.
اذا صحت هذه الفرضية فان السؤال الذي ينبغي ان نبدأ به هو : ما هي النظرية التي يعين تطبيقها على تحيق العدل الاجتماعي . نحن اذن نجادل اراء الفقهاء المسلمين مثلما نجادل غيرهم رجوعا الى معيار الغاية التي نريدها. هذا يدعونا الى البحث في تطبيقات العدالة الاجتماعية ، التطبيقات التي تعتبر كونية وصحيحة ا والتطبيقات التي تتناسب فقط مع ظروف محددة زمانية او مكانية[3]. وبعد تحديد هذه التطبيقات نناقش قابلية النظريات المطروحة كحل ، لايصالنا الى غايتنا او اعاقتنا عنها. هذا يستدعي في حقيقة الامر تخفيف هالة القداسة التي تحيط باراء الفقهاء لاسيما القدامى منهم ، والتي تلعب دورا مقيدا لتفكير الاسلاميين المعاصرين. صحيح ان استذكارهم هو تاكيد على قيمة التجربة الثقافية وتعميق لها ، كما انه اقرب الى نفوس المتلقين. لكن تنزيهها عن التعامل النقدي قد يحولها الى غاية بديلةن الغاية الحقيقية اي اقامة العدالة الاجتماعية. في تجربة ايران المعاصرة راينا بوضوح ان موقف السياسيين والمفكرين كان اقرب الى تفهم حاجات العامة والطبقات الاجتماعية الضعيفة من موقف الفقهاء ، رغم ان هؤلاء يدعمون طروحاتهم بحشود من الادلة من النص والسيرة وسيرة المتشرعة واراء الفقهاء السابقين.


المسألة الثالثة

الاطار الفقهي للبحث : مع بعض التحفظ يمكن القول ان جميع ماكتب حول السلطة السياسية والدولة في التراث الاسلامي القديم ومعظم المعاصر كتب في اطار علم الفقه. السبب الرئيس لهذا هو هيمنة المدرسة الفقهية على التفكير الاسلامي منذ القرن الحادي عشر الميلادي وحتى اليوم. الفقه – في جانب المعاملات – يقابل القانون في العلوم الحديثة. بالمقارنة فان الابحاث التي تناولت المسألة في العلوم المعاصرة تدور في اطار الفلسفة السياسية ، علم الاجتماع والسياسة ، القانون. وهذه تعتمد بدروها على مجموعة علوم مثل الانثروبولوجيا وعلم النفس والاقتصاد.
السؤال الذي يراودني : هل الفقه هو المكان الصحيح لبحث مسالة الدولة؟
علم الفقه لا يفسر وقائع اجتماعية ولا يضع نظريات ارشادية ، بل يتعامل مع الوقائع القائمة على الارض كما هي ويكيفها ضمن اطاري الحسن والقبيح ثم يقرر قيمة عمل المكلف فيها (حلال ، واجب ، مستحب ، حرام ، مكروه). ليس من المتعارف في تقاليد الفقهاء دراسة الموضوعات بذاتها (كما هو الشان عند الباحثين الاجتماعيين) ولا نقد الموضوعات القائمة والتنظير لبدائل (كما يفعل الفلاسفة). ولا النظر في الحقوق والواجبات والاثار المترتبة على الحكم عند تقريره.
اضف الى ذلك ان علم الفقه المعاصر اكثر انشدادا الى الماضي منه الى الحاضر. لا زال فقهاؤنا – بقدر ما اعرف – يدورون في اطار التعريفات القديمة للموضوعات وتمثيلات الحسن والقبح . لهذا فهم يقفون موقف المتردد تجاه فكرة الوطن ومبدا المواطنة كاساس للنظام الاجتماعي الجديد وكذا في مسالة الحريات الفردية والمدنية والانتخاب وفصل السلطات وسيادة الامة الخ.
للسببين السابقين – ربما – نجد انفسنا مضطرين لاعتماد الانتاج المعرفي الغربي حين نفكر في الدولة  والسياسة. وهذا هو الذي يضعنا امام مفارقات واشكالات عند المقارنة بين ما نراه فاضلا في عالم اليوم (الديمقراطية مثلا) وما نشعر بالتزام نحوه (التعاليم الدينية).
اعتقادي الشخصي ان الجيل الجديد من الفقهاء والمفكرين الاسلاميين يتحملون مسؤولية اخراج مسألة الدولة والنظام الاجتماعي من دائرة الفقه الضيقة الى دائرة الفلسفة السياسية وان يتحرروا من قيود الراي الفقهي القديم. الاستمرار في مناقشة ما توصل اليه السابقون سيفيدنا على المستوى العلمي المجرد . لكنه لن يقودنا لتصور يلبي – في آن واحد - حاجات المسلم المعاصر والقيم العليا في الاسلام.

فيما يتعلق بورقة د. كوثراني خصوصا:

لاحظت ان الباحثة لم تناقش نظرية المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين بذاتها ، بل وضعتها في مقابل نظرية الخميني وناقشت الاخيرة.
بقدر ما اطلعت عليه من كتابات المرحوم شمس الدين ، فقد وجدت الملاحظات التالية:
محمد مهدي شمس الدين

1-   لم يكن شمس الدين محددا في نقده لأدلة ولاية الفقيه. بل اتبع منهجا يمكن وصفه بالاعتذاري الذي يستعمل نفس التكييف الفقهي ومنظومة الادلة الخاصة بولاية الفقيه ، بوضع حدود لتسلسل الدلالة ، بدلا من نقد الادلة ذاتها ، وهو نقد متعارف وقوي في التراث الفقهي. مثلا مقبولة عمر بن حنظلة ضعفها واضح من اسمها ، وهي غير متينة من حيث السند (خبر واحد) ولا نصها قطعي الدلالة. فهل يمكن حمل قضية بهذا الحجم (التصرف في دماء الناس واموالهم واعرضهم) على دليل كهذا؟.

ومثل ذلك دليل اللابدية الذي غاية ما يدل عليه وجوب قيام نظام عام للمجتمع وفسر بانه الحكومة ، لكنه لا يدل على ابعد من هذا القدر. بقية الالزامات قامت على ما افترض الفقهاء انه تسلسل منطقي ، مثل اذا قام نظام كهذا فمن يتولى عليه الخ.

2-   لسبب ما لم يناقش المرحوم اراء الفقهاء الذين خالفوا السياق العام ، وهي – رغم قلتها - تعتبر اضافة هامة للبحث في المسالة ، مثل راي الشهيد الاول العاملي (ت 1384م) والمقداد السيوري (ت 1425م) القائل بان الحاكم الشرعي يستحب له التخلي عن السلطة اذا كان الشعب غير راض بحكمه لانه يحكم لمصلحتهم ، وليس من المصلحة ان يفرض نفسه عليهم دون رضاهم[4]. وراي الشيخ الانصاري (ت 1281 هح) الذي قرر ان موضوع الولاية هو "مال المولى عليه وليس نفسه" ، وانها مشروطة بمصلحته. وراي بحر العلوم (ت 1326 هج) الذي رجح اقتصار ولاية الامام على معنى وجوب طاعته ونفوذ امره ، لا ان له التصرف في نفوس الناس واموالهم بمطلق ارادته كما هو الراي الشائع بين الفقهاء[5]. وكذلك نقاشات العلماء اثناء الثورة الدستورية في مطلع القرن العشرين ، فضلا عن نقاشات العلماء الايرانيين بعد الثورة ، سيما اية الله الخميني واية الله منتظري اللذين قدما تعديلات هامة على نظرية ولاية الفقيه في صيغتها الاصلية.

3-   بدا لي حين قرات كتاب الشيخ شمس الدين انه استخدم ما يشبه الهندسة العكسية. نظر الى الصورة المتداولة عن تطبيق ولاية الفقيه وفكر في نزع اشكالاتها . لهذا لم يتعمق في مناقشة فكرة "الولاية" بذاتها ، ولم يناقش المصادر البديلة او الموازية لشرعية السلطة ولا معنى المكون الديني للسلطة. كما لم يتوسع في مناقشة الصلاحيات المدعاة للحاكم.

خلاصة

1) طبقا للنتائج التي توصلت اليها في بحوث سابقة ، فقد كانت "ولاية الفقيه" اداة لحل اشكالية عميقة في التفكير الديني عند الشيعة تتمثل في انكار شرعية أي سلطة قائمة ، حتى مع الاقرار بجواز التعامل معها او تخويلها سلطات ادارية لا تختلف كثيرا عن سلطة الامام المعصوم لو حكم فعلا. ذلك الانكار أدى سابقا الى قيام عالمين منفصلين : عالم ديني يتبرأ من السياسة ويعتبرها موطنا للاأخلاقية وعالم سياسي ضروري ونشط ، لكنه فاقد للشرعية. هذه الثنائية اعاقت أي مشاركة ايجابية للجمهور في تطوير الدولة او نقدها على ارضية قبول مبدئي بشرعية النظام.

قبل الخميني كانت الفكرة السائدة في المجتمع الديني هي ان التدخل في السياسة لا ثمرة فيه دنيويا ولا هو طريق للاخرة. بعد الخميني اصبحت السياسة جزءا من الحياة اليومية لمعظم الناس ، واصبح الناس يشاركون في العمل السياسي دون ان يشعروا بتفارق بين دنياهم واخرتهم.

ادت النظرية دورها كاملا ونقلت الشيعة الى عصر جديد. لكن الواضح انها غير قادرة على تجاوز هذه المرحلة. بنيانها النظري لا يحتمل اكثر من هذه المهمة . الاصرار عليها بتفاصيلها هو السبب – كما يبدو لي – في التفارق المشهود اليوم بين الجيل الجديد من الايرانيين والحركيين الشيعة وبين الزعامة الدينية. وهو تفارق يضع ايران امام واحد من طريقين: اما تخلي النظام عن التصوير الحالي للنظرية (وهو تصور يتجاوز كثيرا رؤية اية الله الخميني) ، وهذا امر متوقع بعد رحيل المرشد الحالي ، او تحولها الى دولة قمعية كاملة شبيهة بتركيا او باكستان ايام حكم العسكر.

يعتقد التيار الاصلاحي في ايران ان الخيار الاول ضروري للحفاظ على المضمون الديني للدولة وصيانة ثقة الجمهور بالدين ، بينما يرى المحافظون التقليديون ان الفقهاء هم وحدهم المخولون بمراجعة الجوانب النظرية ، وهم الذين سيخبرونا ان كنا بحاجة الى تعديل في ولاية الفقيه او التخلي عنها.

ب) معظم نقاشاتنا الحالية حول النظام السياسي المأمول تعتمد على المنجز المعرفي الغربي. ونحن نقول عادة ان الفكر الانساني هو تجربة مشتركة لجميع البشر. لكن مباديء وقيم الدولة الحديثة هذه لا تزال اشبه بجسم غريب في الثقافة السياسية في مجتمعاتنا. كثير من الناس ينادون بالحرية ، لكنهم في الوقت نفسه يتحدثون عن ضوابط تفرغ مبدا الحرية من مضمونه . انهم يريدونها ويخافونها. الناس غاضبون من تغول الدولة وتدخلها في حياتهم لكنهم في الوقت نفسه يطالبونها بالمزيد من الخدمات وبالحزم في مراقبة الخارجين على القانون والسرعة في اتخاذ القرار ، وهذه كلها من سمات الحكم الفردي.

هذا يشير الى ان الثقافة السياسية ، والتفكير  في الدولة لم يتشكل بشكل منظومي بل على شكل اجزاء مقتطعة من سياقاتها. واظن ان احد الاسباب وراء هذا هو النقل غير المتبصر للتراث ، وقلة البحث في القضايا النظرية في السياسة والتلقي المندهش او الانفعالي للمنتج التراثي والغربي على حد سواء.
اذا كنا نطمح الى دولة جديدة يحميها الشعب ويقرر الشعب مسارها ومصيرها ، فاننا نحتاج الى كثير من النقاشات على مستوى النخبة والشارع ، حتى نرسخ ثقافة سياسية جديدة ، تربط بين القيم الروحية والمعرفة الجديدة التي كسبناها بالتجربة والاتصال بالعالم.
نحن بحاجة الى الايمان باننا مثل اسلافنا نستطيع صياغة نموذج ايماني – معرفي يعمر دنيانا ويضمن اخرتنا. بحاجة الى الانطلاق من اسئلة يومنا هذا ، والبحث عن اجابات تتناسب مع هذا اليوم. كلام الاسلاف كان جوابا على اسئلة زمنهم ، وهي لا تفيدنا كثيرا في يومنا ، لان موضوع السؤال مختلف باختلاف افقه التاريخي والبيئة الاجتماعية التي شهدت مولده.




[1] اية الله الخميني : صحيفه نور ، ج 20 ، ص 233.ن.إ:  http://www.islamicecenter.com/ketaabkhaaneh/sahifeh_noor/sahifeh_noor_jeld_20_khomeini_08.html#link63
لتفاصيل حول الدور الوظيفي لنظرية ولاية الفقيه في الدولة ، انظر توفيق السيف :

دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة ، في هذه المدونة

http://talsaif.blogspot.com/2006/01/blog-post_30.html
[2] اية الله الخميني ، رسالة الى اعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور في 1 يناير 1989.  صحيفه نور  ج 21 . ن.إ http://www.islamicecenter.com/ketaabkhaaneh/sahifeh_noor/sahifeh_noor_jeld_21_khomeini_02.html#link27
[3] يعتقد ديفيد ميلر مثلا ان لكل مجتمع مفهوم خاص للعدالة مرتبط بنمط الحياة ونظام العلاقات الخاص به ، ينعكس على قيمة العلاقات والتبادلات وتحديدها كتحسيدات للعدل او العكس.  David Miller, Social Justice, (Oxford, 1979), p. 255 .
[4]  العاملي ، محمد : القواعد والفوائد (قم د. ت) ج 1 ، ص 406. ايضا السيوري، المقداد : نضد القواعد الفقهية (قم 1982) ص 492
[5] محمد بحر العلوم : بلغة الفقيه ، تحقيق حسين آل بحر العلوم ، ط 4 مكتبة الصادق ، طهران،  3/215

01/01/2008

الشرعية السياسية في حكومة دينية حديثة



   غرض هذه المقالة هو المشاركة في النقاش الدائر حول تجديد الفكر السياسي الديني, ولا سيما ضمن الاتجاه الرامي الى تطوير نظرية "الديمقراطية الدينية"، التي تسعى للجمع بين قيم الاسلام العليا ومبادئ الحكم الديمقراطي التعددي. يدور النقاش حول مصادر الشرعية السياسية. ويقدم  عرضا موجزا لتفكير قدامى الاسلاميين وأتباعهم من المعاصرين في مسألة الشرعية ٬ ثم يعرض التصور الحديث (الغربي) للمسألة٬ قبل أن يعود لعرض آراء لاسلاميين معاصرين.

 ولتسليط الضوء على التطور الحاصل في النقاش المتعلق بالشرعية السياسية٬ تعرض المقالة بعض أهم التطورات التي حدثت في اطار التجربة الايرانية التي تمثل بلا شك مرجعا مهما لأي بحث في هذا الموضوع. وتقدم المقالة في النهاية تصويرا لبرنامج بحث مفتوح٬ فيعرض بعض أبرز الأسئلة التي تحتاج الى المزيد من المناقشات والمعالجات العلمية.

أولا: السؤال الأول في موضوع السلطة

   الدولة هي أبرز القضايا الاشكالية في حياة المجتمع الانساني. انها ضرورة للعيش الآمن٬ لكنها في الوقت نفسه موطن استئثار واحتكار وتمايز. لا يتوقع زوال التمايز والاحتكار من الدولة٬ فهذا فرض مستحيل. ما يسعى اليه المنظرون هو تخيف تلك العيوب الى حدها الأدنى٬ أو تقديم بدائل تعويضية٬ أو وضع أولويات٬ أو معالجة المشكلات الأكثر حدة أو الاشد الحاحا.

  فيما يخص العالم الاسلامي٬ ثمة اشكالية اضافية برزت حديثا٬ أي بعد تعرفنا على المذاهب السياسية الغربية٬ وازدادت حرجا بعد قيام الجمهورية الاسلامية كأول نموذج لحكومة اسلامية حديثة. جوهر هذه الاشكالية هو الجمع بين فضائل الديمقراطية (وبشكل عام الحداثة السياسية) وبين قيم الاسلام السامية.

   سؤال هذه الاشكالية هو بالتحديد: هل نستطيع صوغ نظرية تضمن بصورة متوازية الشرعية الدينية للسلطة ومشاركة الشعب الكاملة في صناعة القرار السياسي؟.

محرك هذه الاشكالية هو ما يظهر من تعارض بين حاجتين: رغبة المسلمين في دور واضح للقيم الدينية في حياتهم العامة٬ ورغبتهم في احتذاء النموذج الديمقراطي السائد في العالم الغربي الذي يعتقدون انه يضمن علاقة أكثر توازنا بين المجتمع والدولة. يمثل الدين مكونا رئيسا لهوية المسلم٬ وبالنسبة لعامة المسلمين فهو ضمان لصلاح الحكم واستقامته. بينما يقوم النموذج الغربي على أرضية الفصل بين الدين والسياسة٬ أي انكار دور القيم الدينية في تكوين النظام السياسي أو تحديد أغراضه أو معايير قياس الخطأ والصواب فيه.

   فصل الدين عن الدولة هو أحد المسلمات المتعارفة في بحوث التنمية السياسية المعاصرة. يقال عادة ان العلمانية  تمهيد لا بد منه للتحول الديمقراطي[1]. لكننا لا نستطيع قبول هذه المسلمة لسبب بسيط: ان قيام واستقرار النظام الديمقراطي في أي بلد يتوقف على توافر "اجماع وطني" على هذا النظام. الديمقراطية ليست مجرد قانون على الورق٬ بل هي تجسيد لفلسفة خاصة في ممارسة السياسة٬ قوامها ربط شرعية النظام السياسي برضى جمهور المحكومين. الديمقراطية تقوم على ملكية الشعب للدولة ، وقدرته على انتاجها وتعديلها متى اراد. القانون لا يكون شرعيا إلا اذا جاء معبرا عن الإدارة العامة٬ والإرادة العامة لا تتضح إلا اذا توافر اجماع وطني على طبيعة الدولة وتركيبها ونظام عملها[2].
   بالرجوع الى تجربة العالم  الإسلامي  ، منذ منتصف القرن العشرين على الأقل ، يظهر جليا ان الجمهور لم يكن مستعدا في اي وقت للتخلي عن هويته الدينية.  لقد اخفقت جميع المحاولات التي استهدفت ابعاد الاسلام عن الحياة السياسية ، منذ ستينات القرن العشرين وحتى اليوم. تكشف تجربة تركيا ومصر وايران وماليزيا والمغرب، ان التوق الى الاسلام السياسي قد ازداد في البلدان التي شهدت اكثر تلك المحاولات اصرارا. من هذه التجربة نستطيع القول ان الإجماع الوطني مستحيل في اي قطر اسلامي ما لم يلحظ مكان مناسب للدين في الحياة العامة. من هنا فان الإقرار بدور مناسب للدين هو ضرورة لتوفير الإجماع . وهو ضرورة لتحقيق مشاركة شعبية واسعة في الحياة العامة. اي - بعبارة اخرى – هو ضرورة للديمقراطية .

 سؤال الشرعية

   يدور سؤال الشرعية حول المبرر الذي يعطي الحكومة الحق في الأمر والنهي والتصرف في أموال الناس وأنفسهم. الأصل المتفق عليه بين الفقهاء والفلاسفة ان لا ولاية لأحد على أحد، ولا حق له في أمره أو نهيه أو تحديد تصرفاته، أو التصرف في ما هو مشترك فيه من دون مبرر شرعي مناسب[3]. ثمة حكام يأمرون وينهون دون أن يسألوا أنفسهم أو يسألهم أحد عن مصدر سلطتهم. لكن هذا هو الجبروت بعينه، فخالق الخلق سبحانه هو الوحيد الذي "لا يسأل عما يفعل- الانبياء 23"، أما البشر فكل منهم مسؤول عن فعله ومحاسب عليه.

زبدة القول اذن ان رجوع الحكومة الى مصدر صحيح للحق في التصرف هو ما يفرق بين سلطة مشروعة وسلطة غاصبة وطاغية. الشرعية السياسية هي المبرر الذي تستند اليه الدولة حين تتصرف امرا ونهيا ، وهو الذي يجعل تصرفاتها مقبولة وقانونية. وبحسب تعبير الفيلسوف روسو فان الأقوى ليس قويا بما يكفي ليكون السيد دائما ما لم يحول جبروته الى حق (في السيادة)، وطاعته الى واجب (في نظر الناس)[4].

   على الرغم من أن مفهوم الشرعية قديم جدا، وقد كان موضوعا للبحث في مختلف الأزمان ، الا أن الفضل يرجع بالتأكيد الى المفكر الألماني ماكس فيبر في تطوير المفهوم المعاصر للشرعية السياسية ، من خلال اقتراح مقاربات جديدة ، وسعت نطاق البحث فيه ، وجعلته موضوعا للنقاش الفلسفي والقانوني والاجتماعي والسلوكي في آن واحد.

 في ما يخص موضوعنا، فان الجواب عن سؤال الشرعية السياسية يدور بين احتمالين: شرعية مصدرها الناس وشرعية مصدرها رب الناس.

المصدر الديني للشرعية السياسية: الرأي التقليدي


   الامامة العظمى هي الصورة المثلى للحكم في نظر قدامى الاسلاميين. وهي عند الشريف المرتضى "رياسة عامة في الدين"[5] غرضها - بحسب الطوسي - تدبير الأمة وسياستها وتأديب جناتها والدفاع عنها ضد أعدائها، وتولية الأمراء والولاة والقضاة ، واقامة الحدود على مستحقيها[6]. وهذا ينسجم مع وصف الامام الرضا "الامام زمام الدين ونظام المسلمين... بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وامضاء الحدود والاحكام ومنع الثغور والأطراف"[7]. وهذا يطابق مفهوم الامامة عند الشيعة الزيدية[8]. كما يطابق الرأي الشائع بين فقهاء المذاهب السنية. ويستدل القرطبي بآيات عديدة على أن الامامة "ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين"[9] وأنه "لا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة"[10].

لم تستطيع الأمة الاسلامية تجسيد تلك الصورة المثالية في معظم تاريخها الماضي. عجز المسلمون غالبا عن اختيار الرئيس الأمثل. واضطروا للخضوع لقادة استولوا على السلطة بالقوة المسلحة أو بالحيلة. ولهذا مال الفقهاء الى تنظير جديد يحاكي واقع الحال، ويسعى الى اصلاح ما يمكن من أمور المسلمين ، ولو في ظل حكم يفتقر الى المشروعية في صورتها الكاملة. انه ترتيب اضطراري كما يقول الغزالي:

ولو تعذر وجود الورع والعلم في من يتصدى للامامة، وكان في صرفه اثارة فتنة لا تطاق٬ حكمنا بانعقاد امامته، لأنا بين أن نحرك فتنة بالاستبدال، فما يلقى المسلمون فيه من الضرر، يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط الذي اثبتت مزية المصلحة، فلا يهدم أصل المصلحة شغفا بمزاياها، كالذي يبني قصرا ويهدم مصرا، وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الامام وبفساد القضية وذلك محال[11].

ومثل ذلك أيضا قرر المرتضى أن الامة اذا امسكت عن النكير على الحاكم المتغلب خوف الفتنة أو الضرر، فان تصرفاته تجري مجرى تصرف الوالي بالحق[12].

   من النصوص السابقة، يتضح أن قدامى الاسلاميين قد ميزوا بين الصورة المثلى للسلطة ، والصورة التي تعكس واقع الحال، والتي ينبغي اصلاحها ما امكن. في كلا الحالتين فقد كان  ذهنهم  منشغلا بشخص الحاكم، وليس بنظام الحكم. فكأنهم افترضوا ان صلاح النظام وكفاءته رهن بصلاح الحاكم، والعكس بالعكس. يمكن تفهم هذا التوجه عند الآخذ بعين الإعتبار حقيقة ان السلطة في الدولة القديمة كانت مكثفة في شخص الحاكم. فكرة الدولة المؤسسة، او النظام  السياسي، ظهرت خلال القرون الثلاثة الأخيرة فحسب. بعبارة اخرى فقد كان سؤال الشرعية عند قدامى الأسلاميين يدور حول شخص الحاكم لا الدولة او نظام الحكم. ومعظم ما كتب حول الأداء السياسي وكفاءة الحكم ، نوقش في اطار اخلاقي.

   على الرغم من تغير مفهوم الدولة وموقع الرئيس من الجهاز السياسي ، الا ان الفقهاء واصلوا البحث وفق الفرضية السابقة، اي ربط الشرعية السياسية بشخص الرئيس. وفي هذا الإطار، ظهرت نظرية "ولاية الفقيه" التي تمثل اكثر نظريات السلطة الدينية رواجا في الوقت الحاضر. لاتتحدث هذه النظرية عن كفاءة الحكم ولا عن مؤسسة الدولة، بل تقتصر على معالجة اشكال الشرعية السياسية. وهي تفترض ان السلطة شأن ديني يقوم به الرسول صلى الله عليه واله وسلم ، ثم الإمام ثم اقرب الناس من صفات الإمام المعصوم وهو الفقيه العادل[13]. اما تحديد الفقيه دون غيره، فلأن هذه النظرية تصرف معنى الأهلية الى صفتين على وجه التحديد: العلم ، وارفعه العلم بالشريعة ، والعدالة النفسية، وهي "ملكة نفسانية تمنع من الإقدام على الكبائر والإصرار على الصغائر"[14].
يكشف توصيف الأهلية على هذا النحو "أي حصرها في العلم والعدالة النفسية" عن تأثر واضح بالفلسفة اليونانية ولا سيما أعمال سقراط وتلاميذه. رأي افلاطون أن المدينة الفاضلة هي تلك التي يحكمها ملك - فيلسوف. علم الفيلسوف يمكنه من كشف الحقيقة، وهذا يؤهله لاستيعاب الجمال والتحلي بالعدالة والمعرفة الكاملة[15]. وتعتقد آن لامبتون أن المجامع العلمية الشيعية قد تعرفت على فكرة الملك - الفيلسوف من خلال أعمال الكليني وابن بابويه، المحدثين البارزين في القرن العاشر[16]. ويقر  محسن غرويان، وهو استاذ بارز في حوزة قم العلمية، بالأصل اليوناني للربط بين المعرفة والسلطة، لكنه يراه قريبا جدا من المعايير الاسلامية "المعرفة، الحكمة والعلم تتمع بسلطة ذاتية على ما سواها. في ظل حكومة اسلامية فان شيئا من التسلط هو أمر ممكن. يمكن تصور حكومة متسلطة لكنها تستند الى المنطق والدليل العلمي. اعتقد أن ولاية الفقيه تمثل نوعا من هذه الحكومة"[17].

هناك طبعا بين علماء الشيعة من عارض الربط بين العلم والسلطة، مثل الأصفهاني (ت 1942) الذي يقرر أن "الفقيه بما هو فقيه أهل النظر في مرحلة الاستنباط ، دون الأمور المتعلقة بتنظيم البلاد وحفظ الثغور وتدبير شؤون الدفاع والجهاد وأمثال ذلك، فلا معنى لايكال هذه الامور للفقيه بما هو فقيه"[18]. ويماثل رأي الأصفهاني الى حد كبير مجادلة شتاينبرغر الذي وصف نظرية أفلاطون بأنها متناقضة وغير متسقة منطقيا. ورأى أن مجال عمل الفيلسوف هو صناعة الأفكار، بينما يتمحور عمل الملك حول تطبيق أفكار أو أهداف جرت صياغتها وحددت سلفا[19].

   خلاصة القول اذن أن التفكير الفقهي التقليدي في مسألة الشرعية قد انشغل بصورة خاصة بحق الحاكم في السلطة، وعالجها من خلال تحديد مؤهلات الشخص القابل لاعتلاء سدتها وهو المجتهد العادل، وهذا جوهر نظرية ولاية الفقيه.

المصدر البشري للشرعية السياسية


   نظر فلاسفة اليونان الى الحكومة كهيئة محايدة . وتحدثوا عن صورتها المثلى . ولم ينشغلوا الا قليلا في بحث احتمالات فسادها الداخلي أو الخارجي أو سبل تقويمها. كما انهم لم يلحظوا دورا جوهريا للمجتمع في صناعة القرار، لأنهم - كما سلف - حصروا مؤهلات الحاكم الأمثل في العلم والعدالة النفسية.

    هذا المنهج كان هو السائد ايضا في أوروبا حتى القرن السابع عشر، حين تحولت النقاشات الفلسفية والسياسية الى التركيز على نظام الحكم الصالح، فلسفته وآليات عمله، بدلا من التركيز على شخص الحاكم ومؤهلاته. في سياق هذا التطور، انحسرت الفرضيات القديمة القائلة ان السلطة كيان مستقل ومحايد يرتبط بالنظام الطبيعي الشامل (ولهذا يجب اتباعه) لصالح فرضية جديدة ، فحواها ان السلطة شأن عرفي عقلاني يصنعه الناس (ولهذا يمكن نقده وتطويره). فتحت تلك النقاشات الباب أمام تحول السياسة من عمل خاص بالنخبة الى موضوع انشغال لعامة الناس، وبالتالي فقد كسرت حجاب الهيبة وشبه القداسة المحيط بمؤسسة السلطة وحولته الى موضوع عام واعتيادي قابل للمناقشة والنقد والمفاضلة.

    فتح هذا الباب هو على الأرجح السياسي الايطالي ميكيافيللي (1469 - 1527) الذي حاول تفكيك الهالة القدسية والأخلاقية المحيطة بالسلطة، وتحدث عنها كحرفة يهتم أهلها أولا وأخيرا باستمرار نفوذهم ومصالحهم المادية، ويستعملون في سبيل ذلك كل خطاب متاح، ديني أو أخلاقي أو سلطوي أو غيره. تعرض كتاب ميكيافيللي المشهور "الأمير" للادانة من قبل الجميع تقريبا، الا أنه كشف للجميع حقيقة أن السلطة - بشكل عام - ليست محايدة ، ولا تملك أية ميزة أخلاقية على بقية المؤسسات الاجتماعية.

   الخطوة التالية جاءت على يد المفكر الانكليزي توماس هوبز ، الذي طرح للمرة الأولى فكرة أن توافق المجتمع هو مصدر شرعية السلطة وليس الارث أو الدين. عالج هوبز هذه المسألة من خلال تحليل وضعية اجتماعية افتراضية هي المجتمع الطبيعي، السابق لقيام الدولة. وبحسب رأيه فقد كان هذا المجمع مبتلى بالخوف وحرب الجميع على الجميع. كل فرد يتمتع بحرية مطلقة ومساواة تامة، لكنه مضطر الى الاعتماد على قوته المادية كي يحفظ حياته وأملاكه. ولأن الانسان عقلاني بطبعه، يحسب الخسائر والأرباح ويقدر العواقب قبل اتخاذ القرار، فقد اهتدى الى ضرورة ايجاد نظام للضمان الاجتماعي، بحيث يعترف كل فرد بحقوق الآخر، ويمتنع عن تهديده. وهكذا يستغني الجميع عن استعمال قوتهم البدنية في حماية أنفسهم وأملاكهم. وقد توافقت العقول على الحاجة الى الحكومة التي تدير هذا النظام.

   قرر هوبز اذن ثلاثة مبادئ جديدة، أولها: أن الدولة لم تكن نتيجة تطور طبيعي للعائلة ، كما رأى افلاطون. بل هي منتج بشري توافقي تبلور في عقد بين أعضاء المجتمع من جهة، وبينهم وبين الملك من جهة أخرى. وثاني تلك المباديء التي قررها هوبز هو أن مصدر شرعية السلطة هو توافق المجتمع على كيفيتها ورجالها ، وليس الارث التاريخي أو التفويض الالهي أو الغلبة. أما ثالث تلك المباديء فهو أن الوظيفة الأولى للدولة هي ادارة التعارض الضروري بين مصالح الأفراد على نحو يغني الجميع عن استعمال قوتهم الشخصية في ضمان حياتهم وحقوقهم.

   معظم المفكرين اللاحقين انطلقوا من النقطة التي بلغها هوبز. فركز جون لوك  (1632 - 1704) على:

1-  الملكية المشتركة للموارد العامة، ولا سيما الأراضي الغير مستثمرة وحق كل فرد في حيازتها عن طريق الاحياء.
2- التعاقد والتراضي هو أساس الحكومة ومعيار سلامة عملها.
3- جميع الناس متساوون وأحرار بالولادة وهم مستقلون وأكفاء كما هو الحال في مجتمع ما قبل الدولة.
نتيجة بحث الصور عن روسو
جان جاك روسو
   النقلة الأوسع جاءت على يد المفكر الفرنسي جان جاك روسو (1712 - 1778)، الذي تعتبر نظريته في العقد الاجتماعي، قاعدة للنظام السياسي الحديث.. قرر روسو أن تبلور التمايز ومفهوم الملكية هو الذي كشف الحاجة للعلاقات التعاقدية، حيث يتحدد لكل فرد حقوقه والتزاماته، وأسس لمبدأ سيادة القانون. أهتم روسو بمشكلة الحرية والمساواة التي سوف يضطر الفرد للتنازل عن بعضها فور انضمامه الى نظام تعاقدي[20]. ولهذا فقد خصص جانبا مهما من بحوثه لمعالجة أسئلة مثل: كيف يحتفظ المجتمع بالسيادة بينما يفوض ممارستها للحكومة؟ وكيف يحافظ الأفراد على حرياتهم وتساويهم في نظام اجتماعي يؤدي بالضرورة الى قيام حكومة قوية وتباين في القدرات بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، أي عدم المساواة؟

   اعتقد روسو أن خضوع المجتمع لشخص الملك أو رجال الحكومة سيؤدي بالضرورة الى نوع من الاستعباد. الحل الوحيد هو أن يحكم الناس أنفسهم من خلال القانون الذي يعبر عن ارادتهم الجمعية، حكم القانون لا ينطوي على عبودية بحسب رأيه، لأنك حينما تخضع لحكم الجميع فانك - في الحقيقة - لست خاضعا لأحد.

   يتضح من هذا العرض المختصر، أن التفكير الفلسفي الحديث في مسألة الدولة يصور "العقد الاجتماعي" كقاعدة للحكومة. بموجب هذه النظرية فان المجتمع هو المالك الأصلي للسلطة وهو يفوضها بصورة قانونية الى شخص الملك أو مجموع الأشخاص الذين يمارسون الحكم نيابة عن المجتمع. بعبارة أخرى فان الحكومة لم تعد هيئة مستقلة عن المجتمع بل تابعة له. وهي لا تتمتع بأي سلطة مستقلة، بل هي ممثل للشعب ووكيل عنه. انطلق هذا التفكير من مسلمتين كبريين: أولاهما، أن الانسان مالك مستقل لنفسه ونتاج جهده، وثانيهما، أن مجموع ما يتوافر في البلد من مصادر طبيعية قابلة للاستثمار (أي قابلة للتحول الى مصادر قوة مالية أو سياسية) مثل الأرض والمعادن والمياه وغيرها، هي ملك مشاع لجميع سكان لبلد، وليس ملكا للحاكم أو الحكومة. تتصرف الحكومة في حياة الناس وأموالهم بناء على قبولهم المبدئي بأن تكون حكما بينهم ذا ارادة تغلب اراداتهم الفردية، وتتصرف في الموارد الطبيعية المشتركة ، بناء على تفويض المالكين الأصليين أي أفراد المجتمع لها.

   زبدة القول اذن ، ان شرعية السلطة هنا تدور حول تفويض السلطة من القاعدة ، أي عامة الشعب الذين يملكون أنفسهم ونتاج عملهم كما يملكون المصادر الطبيعية المتوافرة في البلاد.

4- المصدر الديني للشرعية السياسية: التجربة الايرانية

   جاء انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، باتجاهات جديدة في نظرية السلطة الدينية ، يسعى معظمها الى المزاوجة بين التفكير الديني التقليدي وضرورات الدولة الحديثة. وسوف أعرض هنا بعض التعديلات الرئيسية التي أدخلها قائد الثورة الامام الخميني على نظرية السلطة التقليدية القائمة على ولاية الفقيه.

أ - من الحاكم الفرد الى الدولة - المؤسسة


   على الرغم من تأكيده على الدور المحوري للفقيه، الا أن الخميني نقل السلطة من شخص الحاكم الى مؤسسة الدولة. السلطة المطلقة للامام سوف تنتقل - في رأي الخميني - من الامام الى مؤسسة الدولة وليس شخص الحاكم أو الفقيه:

السلطة المتفرعة عن ولاية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- المطلقة من أحكام الاسلام الأصلية وهي مقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج. سلطة الدولة الاسلامية عامة وتشمل كل جوانب الحياة الاجتماعية بما يتجاوز الحدود المتعارفة في الأبحاث الفقهية[21].

 في حديث أخر يشير الخميني الى أن سلطة الفقيه ينبغي أن تفهم في اطار الحكومة الاسلامية. هذه السلطة لا تصبح فعلية الا اذا حصلت على تأييد الشعب[22]. النقطة الجوهرية في كلتا الفكرتين هي أن سلطات الامام لم تنتقل الى شخص الفقيه بل الى الدولة كمؤسسة[23]. وفي هذه الحالة فان الفقيه يؤدي دور الوسيط الذي من خلاله تنتقل السلطة بصورة مشروعة من الامام الى الدولة. وبناء على هذا التصوير، فانه لم يعد ثمة موضوع للجدل حول الصلاحيات المطلقة التي سوف تنتقل من الامام؛ فالدولة بطبيعتها، سواء كانت شرعية أم غير شرعية، تتصرف في أمور مواطنيها وأملاكهم، فالقضاة يصدرون أحكاما تنطوي على عقوبات جسدية. والجيش يرسل الجنود إلى ساحات الموت، والوزارات تفرض رسوما وضرائب وتحدد كيفية تصرف الناس في أملاكهم.. إلخ. عندئذ، فإن انتقال سلطات الامام يجب أن يفهم في اطار العمل الطبيعي لمؤسسة الدولة ككل، فهي إما أن تكون متمتعة بهذه الصلاحيات الواسعة أو لا تكون حكومة على الإطلاق.

ب - حكومة القانون


    تميل نظرية السلطة الدينية التقليدية إلى وضع الفقيه فوق القانون أو اعتباره مصدر القانون. ويشير هذا الميل إلى تأثير نظرية أرسطو حول الفعل الإنساني التي تقول ان الملك- الفيلسوف هو الوحيد بين الناس القادر على ادراك الحقيقة. ولهذا فان رأيه هو التعبير الأمثل عنها، فلا يصح تقييده بقانون. وقد أكد على هذا المعنى عدد من الفقهاء ومنظري التيار المحافظ في إيران مثل محمد صادق حقيقت[24]، مصباح يزدي [25] ، ومحمد جواد لاريجاني ، الذي يستعمل نظرية أرسطو عينها، ويجادل بان رعاية الفقيه لحدود القانون والقواعد المحددة سلفا ، سوف تعين على تحسين كفاءة الأداء وتوفر - بالتالي - أفضل الناتج، ولكن الفقيه ليس ملزما بذلك في جميع الأحوال[26].

   اما آية الله الخميني فقد أكد منذ البداية على حاكمية القانون[27]. ورفض من دون تردد مقترحا قدمه بعض معاونيه لاعتماد الحكم المباشر ، من دون دستور ، لفترة انتقالية تدوم عشرين عاما ، يجري خلالها بناء النظام الإسلامي وإعداد المجتمع[28]. واعتقد أن القرار الحاسم للخميني بالانتهاء من صياغة الأساس الدستوري للنظام، كان حجر الأساس الذي قام عليه بناء الدولة الجديدة. طرح دستور الجمهورية الاسلامية للاستفتاء العام بعد سنة على انتصار الثورة فحسب. ويؤكد الدستور على فصل السلطات الثلاث ، وكونه المرجع الأعلى لكل قانون أو لائحة تصدرها أجهزة الدولة.

ج - دور الشعب في توليد الشرعية


   تؤكد المادة رقم 56 من الدستور الايراني على أن المجتمع هو وعاء السلطة ومالكها:

الحاكمية المطلقة على الكون والإنسان لله، وهو الذي جعل الإنسان حاكما على مصيره. ولا يمكن لأحد أن  يسلب هذا الحق الألهي من الإنسان ولا يجيره لمصلحة فرد أو مجموعة معينة. وللأمة أن تضع هذا الحق الممنوع من قبل الله موضع التنفيذ بالطرق المقررة في الدستور.

 وفقا لذلك أحال الدستور وظيفة التشريع على مجلس الشورى الذي ينتخب من قبل الشعب. وقد أثار الدور التشريعي للنواب (وغالبيتهم العظمى من غير الفقهاء) جدلا لا زال محتدما. نعرف أن الرؤية الدينية القديمة تميل الى اعتبار التشريع حقا خاصا بالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- والإمام ومن ثم الفقيه. وقد عالج الخميني هذا الإشكال من خلال صياغة جديدة لمفهوم التشريع، فطرح فكرة "مصلحة النظام" كإطار مفهومي لمعالجة الأحكام المتعلقة بسلطة الدولة والمصالح العامة.

 ضمن هذا الإطار ربط الخميني تطبيق الأحكام الشرعية بالمصلحة المستهدفة من الحكم. ومع الأخذ بمبدأ التعريف والتشخيص العرفي للمصالح، فإن قابلية الحكم الفقهي للتحول إلى قانون ملزم أصبحت مرهونة بما يؤدي إليه من مصلحة. وينطوي هذا المفهوم على إعادة تعريف للدور التشريعي المناط بالبرلمان أو المجتهدين كي يصبح تشخيصا للمصالح العامة وليس وضعا للحكم الشرعي أو إنشاء لإلزام ديني أو تصريحا عن الإرادة الإلهية، كما هو مفهوم التشريع الشائع بين الإسلاميين.

 استفاد الخميني إذا من المقدمات المتعارفة بين الأصوليين في ربط الحكم بالمصلحة، وإرجاع تشخيص المصالح إلى عرف العقلاء، فأعطى هذا الدور لممثلي الشعب باعتبارهم عقل الأمة وممثلي إجماعها أو عرفها العام.

   يكشف التنظيم السياسي الإيراني عن الإيمان العميق للخميني بدور الشعب؛ فرئيس السلطة التنفيذية ينتخب من قبل الشعب ، وكذلك أعضاء المجلس التشريعي، فضلا عن أعضاء مجلس الخبراء الذي يعين الولي الفقيه وينظر في عمله.

في المقابل فان  أغلبية الفقهاء التقليديين - بحسب ما توفر لدي من معلومات - لا زالوا غير مقتنعين بأن السلطة السياسية يمكن ان تفوض من جانب الشعب. واختار أية الله مكارم شيرازي منهجا براغماتيا في تصوير المسألة: "لا يرى في روايات أصحابنا وتاريخهم من أمر الانتخاب بالنسبة إلى ولاية الفقهاء عين ولا أثر، ولو كان ذلك لبان". لكنه يعود لقبوله على أساس سياسي "لدفع تهمة الاستبداد والسلطة على الناس بغير رضى منهم، مضافا إلى جلب مساعدتهم عن طريق مشاركتهم في هذا الأمر"[29].

5- المصدر الديني للشرعية السياسية: آراء جديدة


تحولت نظرية السلطة الدينية إلى موضوع نقاش واسع بعد قيام الجمهورية الإسلامية. دافع التقليديون والمحافظون عن الصورة القديمة. وبرز في المقابل مفكرون وفقهاء إصلاحيون أخذوا النقاش الى مجالات واسعة ، وساعدوا في تطوير فهم جديد لمسألة السلطة الدينية ، ومصادر شرعيتها وآليات عملها ودور الشعب فيها. القاعدة التي انطلق منها معظم هؤلاء هو الشعور بفقر النظرية التقليدية ، وبشكل عام افتقار التراث الفقهي إلى فهم متين للمسألة السياسية.

 تبنى دستور الجمهورية الإسلامية مبادئ غير متعارفة في الدراسات الفقهية. ومن بينها مفهوم سيادة الأمة؛ الحريات العامة؛ الفصل بين السلطات... إلخ. بل إن مفهوم الشعب ذاته يعتبر حديث الظهور في الثقافة الإسلامية ولا توجد له سوابق في التراث. وبحسب آية الله شبستري فإن "تأييد الفقهاء لهذه المفاهيم يمثل بادرة غير مسبوقة في التراث الديني. وما دمنا لا نجد شكلا محددا للحكومة في القرآن أو السنة النبوية، فإن الباب مفتوح في حقيقة الأمر للمسلمين كي يدمجوا مثل هذه المفاهيم في ثقافتهم الاجتماعية وفي نظامهم السياسي"[30].

   في هذا الإطار شدد أية الله منتظري، على أن الخالق سبحانه قد أودع سلطته المطلقة في الأمة التي بدورها تفوضها للحاكم بأي طريق يكشف عن إرادتها الصريحة كالانتخابات[31] . ويجادل منتظري بأن الرسول (صل الله عليه وآله وسلم) والائمة المعصومين (عليهم السلام) لم يكونوا استثناء من هذه القاعدة، فتوليهم للسلطة السياسية كان مشروطا بالبيعة العامة التي يعدها بمثابة العقد مع الأمة[32] ، وفي السياق ذاته جادل آية الله صانعي بأن السمة الدينية للدولة ، لا تستدعي بالضرورة أن يكون الحكم بيد الروحانيين. وهو يدعو الى الفصل بين مشروعية الفعل وسلطة الفاعل،  إذ إن مبررات هذا مختلفة عن ذاك. ويرى أن هذه القاعدة قابلة للتطبيق حتى في الأعمال التي تعتبر مشروعيتها من المسلمات مثل إمامة صلاة الجماعة، فضلا عن القيادة السياسية[33].

   حول حاكمية القانون، أكد محمد خاتمي على مرجعية الدستور وكون الحد الأقصى لأي سلطة: "قلت تكرارا، وقلت بالخصوص لقائد الثورة أن الدستور هو القانون الأعلى لنظامنا. ولاية الفقيه اكتسبت أهميتها ومحوريتها في هذا النظام بسبب إقرارها في الدستور. لولا الدستور لكانت مجرد نظرية مثل الكثير من النظريات الفقهية الأخرى"[34].

ثالثا: الديمقراطية الدينية: برنامج بحث مفتوح

   يشكل العرض السابق خلفية عن المسار الذي وصلته النقاشات المعاصرة في الوسط الإسلامي حول إمكانية تطوير نظرية لنظام سياسي يجمع بين قيم الدين السامية وقيم الحداثة السياسية ولا سيما الديمقراطية. لو كنا نملك نظرية متكاملة وجاهزة لما احتجنا الى هذا النقاش. كما إن النقاش في الموضوع لا يستهدف تسفيه أي فكرة أو نظرية أو الترويج لأخرى، قدر ما يستهدف إثارة الأسئلة وتفصيح القضايا الإشكالية التي ينطوي عليها السؤال، والسعي الى اكتشاف المحاولات التي جرت على الصعيدين النظري والعملي لعلاجها؛ فكرة الديمقراطية الدينية إذن هي برنامج بحث مفتوح قابل للتطوير من خلال المعالجات المختلفة والنقد. صورة النظام السياسي الديني الأمثل هي الصورة التي يطورها المنتمون الى هذا الدين، الحريصون على أن يشاركوا في صياغة حياتهم العامة ونظامهم الاجتماعي.

   من المفهوم طبعا أن تأسيس قاعدة نظرية متينة لهذا المركب ليس بالأمر السهل، وبخاصة مع هيمنة اتجاه في الثقافة الإسلامية يعتبر الديمقراطية منتجا غربيا محملا بفلسفة عاجزة عن التناغم مع المعرفة والقيم الإسلامية. من هنا فإن الضرورة تقتضي القول إننا لا نضع الديمقراطية في مقابل الدين. الديمقراطية تقابل الاستبداد، فهي تصور عن نظام عمل في مجال الحكم وليس ايديولوجيا كاملة. على أقل التقادير، فإننا غير مضطرين للأخذ بها كايديولوجيا كاملة. ونشير في هذا الصدد إلى الحاجة للتعامل النقدي مع منتجات الفكر الإنساني بمجمله، سواء كان غريبا أو إسلاميا قديما أو حتى قبل إسلامي، فضلا عن منتجات الفكر الديني المعاصر. ينبغي أن نخضع جميع هذه المنتجات لمعالجة نقدية ، ونعيد إنتاج المناسب منها في إطار ثقافتنا المحلية، من دون أن نعطي لأي منها قيمة مطلقة أو نهائية.
نتيجة بحث الصور عن سعيد حجاريان
سعيد حجاريان

 في نهاية المطاف، فان الفكر الإنساني يحمل في داخله سمات تاريخه وظرف ميلاده الاجتماعي. وهذه السمات قد تكون قيدا عليه أو حدودا له. ولذا فنحن نتعامل معها كمعارف قابلة للنقد والتعديل ، من دون انبهار بها أو رفض أعمى لأي منهما. مفهوم الديمقراطية هو أحد هذه المنتجات التي ننظر إليها كتجربة إنسانية في مجال الإدارة العامة. وهي لا تقارن بالدين بل بأنظمة الحكم الأخرى. نحن نبحث عن وسيلة موثقة للتخلص من استبداد الدولة وهدرها المزمن لقيمة الإنسان وكرامته، فضلا عن تعطيل سعي الأمة الى السيطرة على أقدارها والإقلاع من تخلفها. نتحدث عن الديمقراطية كخيار ممكن. نحن لا نفكر في يوتوبيا أو نموذج نظري تخيلي، بل نتحدث عن نظام قائم، عناصره واضحة ومعروفة بدقة، وجرت تجربته على نطاق واسع[35]. في معظم هذه التجارب ساعد النظام الديمقراطي على إقامة نظام إدارة للحياة العامة يتميز بالفعالية ، ويضمن في الوقت نفسه حقوق الأفراد وكرامتهم. تاريخ الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل عام يبرهن على أن الاستبداد هو العلة الكبرى لتخلفنا وصيرورتنا ذيلا لأقطار العالم الأخرى. طبقا لسعيد حجاريان، فان احتكار الدولة للقوة والموارد طيلة التاريخ الماضي كان سببا في إذلال الإيرانيين، كما كان المعيق الأبرز لتمدن البلاد وارتقائها. وفي المقابل فان الديمقراطية تقدم وسيلة عملية وفعالة لإصلاح الخلل في موازين القوة، على وجه يجعل المجتمع سيدا للدولة[36]. ويذهب شبستري بالجدال إلى مدى أبعد حين يقرر أن الديمقراطية ضرورة للدين مثل ضرورتها للمجتمع. ويستشهد باثنين من المكونات الأصلية للديمقراطية، أي المساواة والحريات المدنية، ليؤكد على أن "إطار الديمقراطية الليبراليةهو الوحيد الذي يوفر الفرصة لتحقيق الغايتين الأعظم من غايات الدين، أي العدالة وانعتاق الإنسان"[37].

رابعا: اسئلة البحث في الديمقراطية الدينية

   على الرغم من أن الكثير من الأسئلة التي سنطرحها قد عولج من قبل باحثين معاصرين أو في إطار تجارب فعلية ، كما شرحنا في السطور السابقة. لكنها مع ذلك بحاجة إلى المزيد من النقاش ، حتى نصل الى منظومة متينة التأسيس، وإن كانت ستبقى بطبيعة الحال غير نهائية:

1- لعل السؤال الأول الذي يثار هنا هو إمكانية الفصل بين ما تحمله الفكرة الديمقراطية من مضمون قيمي وفلسفي غربي، وبين الديمقراطية كآلية لإدارة الشأن العام. يقودنا هذا بالطبع إلى الحديث عن حدود التفاعل والمثاقفة بين الفكر الإسلامي ونظيره الغربي. يمكن التوسع في مناقشة هذا السؤال على ضوء فكرة العلاقة النقدية التي أشرنا إليها سابقا.

2- من الأمور التي قلما دار فيها النقاش هو تعريف الحكومة الإسلامية، أو الحكومة التي تتمتع بصفة الشرعية من الناحية الدينية. الفهم الموروث يفترض أن الحكومة الدينية يجب أن تتحمل مسؤلية الدعوة الى الدين وإلزام عامة الناس بأحكامه ، بخلاف الفهم الحديث لدور الدولة التي يتراوح بين الحد الأدنى الذي يحصرها في إدارة تعارضات المصالح بين الناس ، وحماية الأمن العام ، أو ما يوصف أحيانا بدور الحارس الليلي؛ والحد الأعلى الذي يسمح لها بالتدخل في السوق والخدمات العامة وضمان الرفاهية المادية للجميع.

في كل الأحوال فإن الربط بين الدولة والدعوة، يثير إشكالات جدية على الطرفين، الدولة والدين، لأنه يحول الدعوة الدينية من طبيعتها الأصلية كحركة تفاعل إنساني سلمي إلى فرض بالقانون. وهذا يتعارض - كما رأى العلامة الحلي - مع دليل اللطف وهو عمدة الأدلة العقلية في مسألة الإمامة؛ فالقهر والإجبار على الطاعة، ليس بلطف لأنه مناف للتكليف. اللطف هو بيان الحكم والحث على اتباعه وتزيين طريق الخير للسالكين[38]. ونعرف طبعا أن الحوار والاقناع والاكتفاء بالبيان، ليس من طبيعة الدولة ولا هي قادرة على الاقتصار عليه. طبيعة الدولة هي القهر المادي أو المعنوي بالقوة أو بالقانون أو بهما معا. من هنا فإننا بحاجة إلى التفكير مليا في حقيقة الحكومة وطبيعتها ودورها ومدى دخالة الدور الدعوي خصوصا في توليد المشروعية، وتأثير قيامها بهذا الدور على الحريات العامة والتنوع الثقافي المطلوب في ظل نظام تعددي ديمقراطي.

3- على الرغم من ما يبدو من قبول إجمالي بفكرة اشتراك الشعب في توليد الشرعية السياسية، إلا أن الفلسفة التي يقوم عليها هذا الترتيب لا تزال محل جدل. في النظام الديمقراطي يعتبر رضى الشعب مصدرا وحيدا للشرعية. وهذا يتعارض بالطبع مع الفهم السائد عندنا والذي فحواه أن القيم الدينية (أو رضى الله) تمثل معيارا أعلى للشرعية السياسية. يمكن معالجة هذا السؤال على ضوء فكرة تفويض السلطة من قبل الله سبحانه إلى نوع الإنسان أو إلى الأمة. لتعميق البحث أكثر نقترح مناقشة عنصرين أوليين:  الأول، هو ملكية الإنسان لجسده ونفسه وتبعا أملاكه التي حصل عليها بطريق شرعي. ويمكن الاستفادة في هذا الإطار من بحوث الفقهاء في القاعدة المشهورة بقاعدة السلطنة ((الناس مسلطون على أملاكهم)). مفاد هذه القاعدة أن الإنسان الفرد يملك ولاية كاملة وأصلية على نفسه وأملاكه، أساسه ملكيته لهما؛ فكل سلطة أخرى عليهما مزاحمة للسلطة الأصلية وهي تحتاج الى دليل. إثبات هذه الولاية يمكن أن يكون أساسا لحق الفرد في تفويض جانب منها إلى طرف آخر مثل المجتمع أو الحكومة في إطار عقد. يمكن دعم هذه الفكرة بمبدأ أصالة الحرية والاختيار، ومبدأ أصالة الإباحة وعدم اشتغال الذمة.

4- مسألة التشريع، هي الأخرى من القضايا التي أثارت جدلا في الماضي والحاضر. يذهب الاتجاه الكلاسيكي في الفكر الإسلامي الى أن التشريع حق لله والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم لمفسري الوحي أي الفقهاء. وأنه لا شأن للجمهور ولا ممثليه في هذا الأمر لأنهم ليسوا من أهل الاختصاص. يمكن معالجة هذا الإشكال على ضوء الصياغة التي قدمها الإمام الخميني، أي تجاوز العنوان الى المضمون.

 طبقا لهذه الرؤية، فإن البرلمان لا اختصاص له في موضوع العقائد ولا العبادات. عمله يقع كليا تحت عنوان المعاملات. أحكام المعاملات تتبع التحديدات العرفية لموضوعاتها، وتتقرر على ضوء المصلحة العقلائية الراجحة. وعلى ضوء هذا الفهم، فإنه لا البرلمان ولا الفقيه يمارسان العمل التشريعي بالمعنى الديني الدقيق. عملهم يتركز على تشخيص الموضوعات بحسب الفهم العلمي أو العرفي لها وموازنة المصالح العقلانية التي تنطوي عليها. وعلى أي حال فإن لأعضاء البرلمان الرجوع دائما إلى رأي الفقيه. لكن هذا الرأي لا يتخذ صفة الإلزام إلا إذا وافق عليه نواب الشعب (وهم بمثابة ممثلي العرف العام أو بناء العقلاء أو أهل الحل والعقد)، وصدر في صيغة قانون. يمكن أيضا الاستفادة من الأدلة العقلية التي تذكر في باب الاجتهاد والتقليد، وعمدتها الوجوب العقلي لرجوع الجاهل الى العالم. كما يمكن الاستفادة من النصوص الدالة على وجوب مراعاة العرف العام عند إصدار الحكم، مثل الآية المباركة "خذ العفو وأمر بالعرف"[39] والمروي عن الإمام علي - عليه السلام - "حدثوا الناس بما يعرفون". فهذه وغيرها تدل على دخالة العرف العام في عملية التشريع.
نتيجة بحث الصور عن محمد حسن الغروي الاصفهاني
الميرزا محمد حسين النائيني

بطبيعة الحال فحين نتحدث عن أحكام عامة لمجتمع بأكمله أو دولة بمجتعات متعددة، فإن مراعاة العرف تقتضي دخالة ممثلي العرف العام، أي نواب الشعب. هذا فضلا عن أدلة الشورى وهي كثيرة. وقد احتج بهاالعلامة النائيني في مناقشة المعارضين للحركة الدستورية، وقرر أن عمومية الشورى تقتضي وجود ممثلي الأقليات غير الإسلامية في البرلمان ومشاركتهم في النقاش حول القوانين التي ستطبق على عامة الناس بما فيها غير المسلمين[40].

5- الحريات العامة والفردية وحدودها، تتفق الأنظمة السياسية الحديثة على وجوب الفصل بين المجالين العام والخاص. المجال الخاص أو الشخصي يمثل حريما خاصا بالفرد يمارس فيه حرية مطلق ويحقق من خلاله معاني وجوده كإنسان مستقل عن الغير ومتمايز بنمط معيشته وتفكيره. المجال الذي يشترك فيه الناس هو نطاق اشتغال الإجراءات الحكومية، سواء أكانت تشريعات أو أعمالا تنفيذية. لكن لا يجوز للدولة التدخل في المجال الشخصي سواء بالتشريع أو باتخاذ إجراءات.

   هذا النوع من التفصيل غير متداول في ثقافتنا العربية والإسلامية؛ فالانطباع العام - لدى الجمهور على الأقل - أن للدولة أو المجتمع حقا في الاستعمال المتعسف للعرف والتقاليد الاجتماعية في فرض صور خاصة للبس والأكل، كما نراه في الضيق بالآراء المختلفة أو التفكير غير التقليدي. في إيران مثلا شكل بعض المتشددين هيئات للتجسس على الناس في بيوتهم وعائلاتهم اللتأكد من صحة إيمانهم. وطبق ذك خصوصا على المتقدمين لشغل وظائف حكومية، الأمر الذي استدعى تدخلا غاضبا من الإمام الخميني، حلت على أثره تلك الهيئات[41].

بشكل عام يرى المجتمع الديني لنفسه حقا في توجيه حياة الفرد وحركته توجيها يصل إلى درجة التقييد والقسر. اظن أن مرجع هذه الرؤية هو تركيز الثقافة الإسلامية العامة على عنصر التكليف والواجب، وإهمالها الكلي تقريبا لعنصر الحق؛ فضلا عن تمحورها حول الجماعة وإهمالها الكلي تقريبا لقيمة الفرد المستقل. نحن بحاجة على أي حال الى تأصيل ومناقشة مبدأ الفردانية واستقلال الفرد والحقوق الفردية والعامة، ومعالجتها من خلال قيم العدالة والمساواة ومنع الجبر والقسر. ولدينا مخزون كبير من التراث الديني الذي يمكن الرجوع إليه في هذه الجوانب.

خاتمة


   قدمت المقالة عرضا موجزا عن مصادر الشرعية السياسية عند الإسلاميين القدامى والمعاصرين وعند الاتجاه السائد في الفكر الغربي. كما قدمت تصويرا سريعا عن المعالجات التي اعتمدت في جمهورية إيران الأسلامية التي تمثل مختبرا حيا لمسار وثمرات التفاعل بين القيم الدينية ومبادئ الدولة الحديثة. كثير مما اعتمد في إطار الدستور الإيراني وما طرحه آية الله الخميني ، وما برز من خلال النقاشات القائمة في إيران، يعتبر إضافات غير مسبوقة للفكر السياسي الديني، وهو يمثل قاعدة مناسبة للتفكير في مراحل أكثر تطورا.

   تقترح المقالة في الختام اعتبار التفكير في "الديمقراطية الدينية" برنامج بحث مفتوح ومتصاعد، وقدمت اقتراحات عن قضايا محددة يرى الكاتب أنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من البحث والجدل. على أمل أن نصل في يوم من الأيام الى حديث عن نظام ديمقراطي قائم على أرضية القيم الدينية، نتمع في ظله بالعدالة والحرية من دون أن نضحي بهويتنا أو نتنازل عن توقنا الأزلي إلى جمال السماء.

 نشرت في مجلة الغدير – بيروت ، العدد 45 ، شتاء 2008





[1] David Apter, The Politics of Modernization, (Chicago 1965), pp. 66-8
[2] Taketsugu Tsurutani,, “Stability and Instability”,  The Journal of Politics, vol. 30, no. 4. (Nov., 1968), pp. 910-933: p. 911
[3] كاشف الغطاء ، جعفر : كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (اصفهان د.ت) ص 394
[4] Jean-Jacques Rousseau,  The Social Contract, Translated by G. Cole, Cosimo (New York 2008), P. 16
[5] الشريف المرتضى علي بن الحسين : رسائل المرتضى  ، اعداد السيد مهدي رجائي ، دار القرآن الكريم ، (قم 1405) 2/264
[6] محمد بن الحسن الطوسي: الرسائل العشر ، ط2 ، مؤسسة النشر الاسلامي ، (قم 1414) ، ص 121
[7] محمد بن يعقوب الكليني : الكافي (بيروت 1990) 1/256
[8] انظر اشواق غليص : التجديد في فكر الامامة الزيدية في اليمن ، مكتبة مدبولي، (القاهرة 1997)
[9] القرطبي ، محمد بن احمد : الجامع لاحكام القرآن ، دار الكتاب العربي ، (بيروت 1985) 1/265
[10] القرطبي : المصدر السابق ، 1/264
[11]  الغزالي ، الامام ابو حامد : قواعد العقائد ، الفصل الثالث ، الركن الرابع . الاصل العاشر. ن. إ: http://www.ghazali.org/ihya/arabic/j1-k02.doc
[12] المرتضى ، الشريف علي بن الحسين: تنزيه الانبياء (بيروت 1989) ص 139 ، ايضا كاشف الغطاء : المصدر السابق ، 394
[13] احمد النراقي : مستند الشيعة ، ط4  ، مكتبة آية الله المرعشي ، (قم 1405) ، 2/516
[14] محمد بن الحسن الحلي : إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد ،  المطبعة العلمية (قم 1387 هـ) 
[15] Plato, The Republic, translated by Desmond Lee, (London 2003), p.192, 198
[16] cited in Akhavi, Sharough., Religion and Politics in Contemporary Iran (Albany, 1980), p. 11
[17] غرويان ، محسن ، ورد في سعيد حجاريان : جمهوريت افسون زدائي از قدرت (تهران 2000) ص 786
[18] محمد حسن الغروي الاصفهاني : حاشية المكاسب ، ج. 2 ، ص. 215 (قم. د.ت)
[19] Steinberger, Peter, ‘Ruling: Guardians and Philosopher-Kings’, The American Political Science Review, vol. 83, issue 4 (Dec. 1989), 1207-1225: pp. 1207, 1213
[20] Jeremy Jennings: "Rousseau, Social Contract and the Modern Leviathan" In D. Boucher & P. Kelly (eds),  The Social Contract from Hobbes to Rawls, (New York, 1994), Routledge, p.119.
[21] الخميني ، روح الله: صحيفه نور ، اعداد مؤسسه تنظيم و نشر اثار امام خمينى- (تهران 2004). 20/233
تتوفر قائمة باعمال الخميني على العنوان الالكتروني :   www.imam-khomeini.com  .  وحول تطور الفكر السياسي للخميني انظر : نبوي : "تطور انديشه امام خميني" فصلنامه امام صادق ، العدد 6 ، (صيف وخريف 1988) .ن.إ: www.hawzah.net/Per/Magazine/IS/006/is00604.htm
[22] الخميني : المصدر السابق ، ص 239
[23] قائم مقامي ، عباس : قدرت ومشروعيت (تهران 2000) ، ص 116
[24] صادق حقيقت: توزيع قدرت در فقه شيعه (تهران 2002) ص 272
[25] مصباح يزدي: نكاهي كذرا به ولايت فقيه (قم 1999) ص 118
[26] محمد جواد لاريجاني: نقد دينداري ومدرنيسم (تهران 1997) ص. 78
[27] الخميني : المصدر السابق 3/69
[28] ابراهيم يزدى: سه جمهورى ، (تهران 2001) ، ص 421
[29] ناصر مكارم شيرازي : بحوث فقهية مهمة (قم . د. ت) ، ص 472-476
[30] محمد مجتهد شبستري: نقدى بر قراءت رسمى از دين ، (تهران 2000) ص 186
[31] حسين علي منتظري: دراسات في ولاية الفقيه (بيروت 1988) 1/493
[32] منتظري : المصدر السابق ، ص 527
[33] يوسف صانعى: حديث في المدرسة الفيضية ، قم ، ايسنا (2 يناير 2003)
[34] محمد خاتمي: توسعه سياسى ، طرح نو  (تهران 2000) ، ص 81
[35] محمد مجتهد شبسترى : "مردم سالاري جيست ؟"، آفتاب ، العدد 7 ، (اغسطس 2001) ، ص 4
[36]  سعيد حجاريان ، جمهوريت ، مصدر سابق ، ص 726-728
[37] شبستري ، المصدر السابق
[38] العلامة الحلي : الالفين ، مكتبة  الالفين (الكويت 1985) ، ص. 65
[39] القرآن الكريم ، سورة الاعراف ، الاية 199
[40] محمد حسين النائيني: تنبيه الامة وتنزيه الملة ، في توفيق السيف : ضد الاستبداد، المركز الثقافي العربي (بيروت 1999) ص 255
[41] اصدر الخميني بهذا الصدد بيانا من ثماني نقاط في ديسمبر 1982 . لتفصيلات حوله ، انظر مهريزي : "دولت دينى وحريم خصوصى" ، حكومت اسلامي ،العدد 12 (صيف 1999) . ن. إ.:  www.nezam.org/persian/magazine/012/04.htm

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...