‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيادة القانون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيادة القانون. إظهار كافة الرسائل

16/10/2012

يا ملقوف ايش دخلك

يمتد طريق الخليج نحو أربعة أميال محاذيا للساحل. حتى عام ٢٠٠١ كان الناس يسمونه ''الكورنيش''، حيث أقامت البلدية ملاعب للأطفال وزرعت رصيفه الواسع المطل على البحر. وكنت تجد في أي مساء عشرات من العائلات وأطفالهم يقضون وقتا ماتعا بين البحر والشجر، لكن هذا الطريق الجميل لم يعد كورنيشا كما أراد الناس. في يوم عادي لا يختلف عن سائر الأيام ، وصلت عشرات من شاحنات الرمل وبدأت في دفن ما كان يومئذ بحرا. 
الكورنيش الذي سعد به الأطفال سنوات، أصبح طريقا داخليا محصورا بين أتربة الأرض المدفونة شرقا والسيارات المسرعة غربا. دهش الناس لمشهد الدفن، فالمنطقة مصنفة رسميا كمحمية طبيعية - هذا ما يتداوله الناس على الأقل - وثمة أمر ملكي بمنع الدفن فيها. وثمة بين الأهالي من يقول إن مصائد السمك القريبة من الساحل هي أملاك للصيادين، طبقا لتقليد قديم يسمح بحيازة جزء من الفضاء البحري، لكن شاحنات الرمل والجرافات لا تفهم التقاليد ولا تهتم بالسمك.
تحدثت يوما مع مسؤول في البلدية عن حدود مسؤوليتها عما جرى، فأجابني، وعلى وجهه سحابة خجل، بأن الأمر لا يتعلق بتقصير من طرفهم. لم يتقدم أحد للبلدية طالبا رخصة دفن حسب مقتضى القانون، بل إن ما يسمونه اللجنة الرباعية التي تفصل في قرارات دفن السواحل ، لم تجتمع لهذا الغرض أصلا. بكلمة أخرى فقد كان ثمة يد قوية تجاوزت القانون ومنفذيه، وفعلت ما شاءت دون وجل.
حسنا .. هل على البلدية أن تتخذ إجراء؟
يقول المسؤول إياه إنه كتب لرئيسه فأجابه شفهيا: ''إيش بيدنا''.. هذا الموضوع فوقي وفوقك. 
سألت أحد السكان المجاورين: هل فعلوا شيئا؟ فأخبرني أن جماعة من المهتمين خاطبوا هذه الجهة وتلك، فما حصلوا على جواب. معظم الناس يعرفون هذه القصة ، وكثير منهم يعرف العشرات من أمثالها، مما ينبغي أن يصنف في الأوضاع العادية في خانة الفساد والاستيلاء على المال العام. لكن لا أحد يأخذ الأمر إلى نهاياته الطبيعية، أي التحقق مما إذا كانت القصة فسادا حقيقيا أو مجرد ظنون، ثم الضرب على يد الفاسدين والمستفيدين من الفساد.
أظن أن أكثر التجاوزات على المال العام جرت على هذا النحو: شخص ذكي أو نافذ يواجهه موظفون ضعفاء أو خائفون ، ومجتمع محبط أو متساهل. 
لو ذهبت إلى الشخص الأول ''صانع المشهد'' وسألته لأجابك ببساطة: إيش دخلك؟ ولو سالت موظف البلدية أو موظف أملاك الدولة لأجابك: إيش دخلني؟ ولو تحدثت مع الصحافة لقالوا لك: لا نستطيع التدخل.
أطرف الأجوبة التي سمعتها هي قول أحدهم: هذي أملاك الحكومة، لا هي إرث أبي ولا أبيك، الحكومة ترى وتسمع، ولو أرادت منعه لفعلت. هذا الجواب يلخص فلسفة ''إيش دخلك''، ومعناه أن المواطن لا يصنف نفسه كجزء من منظومة الحفاظ على ثروة الوطن ، ولا كشريك في نظامه الإداري والقانوني.
لا نستطيع اجتثاث الفساد طالما بقيت ثقافتنا فاسدة، الثقافة الفاسدة هي ببساطة تقبل التعامل مع الفساد باعتباره وضعا طبيعيا ، أو باعتباره مسؤولية الآخرين. الثقافة الفاسدة تنظر إلى الدولة والمجتمع كعالمين منفصلين: أحدهما له دخل والآخر لا دخل له.
بسبب الثقافة الفاسدة يميل الإداريون إلى كتمان حوادث الفساد. وبسبب الثقافة الفاسدة يعتقد الناس أن تدخلهم ليس موضع ترحيب، ولن يكون مؤثرا، وبسببها لا يخجل موظف من مخاطبة مواطن ''يا ملقوف .. أنت إيش دخلك؟''.
الاقتصادية 6 اكتوبر 2012

28/08/2012

نحتاج إلى قانون يحمي السلم الأهلي وحقوق المواطن


دعوة خادم الحرمين الشريفين لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يمكن أن تكون مفتاحا لاستراتيجية موسعة للتعامل مع النزاعات المذهبية في العالم العربي. لا أشعر بالقلق إزاء الاختلافات بين الأديان والمذاهب والأيديولوجيات، فالاختلاف بذاته ليس مشكلة. ما يقلقني هو التنازع الطائفي، وهو شيء مختلف تماما عن الاختلاف المذهبي أو الديني أو الأيديولوجي.

يميل الناس إلى التبرير المذهبي لخلافاتهم لأنه بسيط ومقنع. وليس ثمة مشكلة هنا، طالما فهم الناس هذه الخلافات في إطارها الطبيعي، أي حرية الرأي والاجتهاد. فكلنا ذاهب إلى الله وهو حسيبه. يكمن الخطر حين يتخذ بعض الناس من هذا الخلاف مبررا للعدوان على الآخرين أو هضم حقوقهم، أو يتخذوه وسيلة لشحن الاتباع بالحماسة من أجل استثمارهم لاحقا في الصراع على النفوذ. وأذكر أن أحد الدعاة نظم قبل سنوات دورة لطلابه في ''فنون مجادلة المخالفين''. وكانت الحلقة الأولى من هذه الدورة في مجادلة النصارى وآخر حلقاتها في مجادلة أتباع الشيخ فلان، وهو أستاذه ومرشده السابق.
الحلقة الأخيرة هي بيت القصيد، وما سبقها مجرد تمهيد. ويبدو أن هدف الدورة هو ''تحرير'' جانب من المساحة الاجتماعية التي يحتلها الأستاذ. محرك هذا النزاع لم يكن اختلاف الاجتهاد بين الرجلين، بل التنافس على النفوذ الاجتماعي، الذي يمكن تحويله – لاحقا – إلى نفوذ سياسي.
لا نستطيع إلغاء الاختلافات المذهبية والدينية والأيديولوجية، ولا نستطيع الحيلولة دون تحولها إلى خلافات نظرية، لكننا بالتأكيد قادرون على إبقائها ضمن هذه الحدود، والحيلولة دون تحولها إلى نزاع سياسي، يهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية، ويعوق تقدم البلاد.

الطريق إلى هذا هو القانون. المدنية ترقق الطباع - كما عبر الشيخ القرني في مقال عن رحلته الباريسية - الفارق الأهم بين مجتمع المدينة ومجتمع الصحراء هو سيادة القانون. القانون الذي يشكل مسطرة واحدة يحتكم إليها الجميع ويخضع لها الكل.

نتحدث كثيرا عن عدل الإسلام ومساواته بين الناس، وسبقه أمم الشرق والغرب إلى حقوق الإنسان، لكن هذا الكلام الطيب لا جدوى وراءه ما لم يتحول إلى قواعد قانونية ملزمة، يمكن للضعيف والمظلوم الاستناد إليها في المطالبة بحقه. ولا معنى له إن لم يشعر الأقوياء بأنه حد يحول بينهم وبين الاستقواء على الضعفاء والمساكين.

بلادنا – مثل كل بلد آخر – في حاجة إلى نظام قانوني يجرم استغلال الخلافات في إثارة الكراهية والبغضاء بين الناس، ويمنع التمييز بين الناس على أساس مذاهبهم وأديانهم وقبائلهم. من المؤسف أننا لم نبادر بوضع قانون كهذا في الماضي، ولهذا نشعر اليوم بضرورته أكثر من أي وقت مضى. نحن في حاجة إلى قانون يستطيع الناس الاستناد إليه إذا شعروا بأنهم يتعرضون لتمييز سلبي أيا كان مصدره أو مبرره، ونحتاج إلى هيئة متخصصة للإشراف على تطبيق هذا القانون، وإرشاد الجهات الرسمية والأهلية والأفراد، حتى يترسخ مبدأ التسامح، ويعتاد الناس جميعا حقيقة أنهم مواطنون أولا ومواطنون أخيرا، أيا كانت انتماءاتهم وأصولهم وأجناسهم.

الاقتصادية 28 اغسطس 2012

10/07/2012

الحكومة ضد الحكومة


قصة كاشيرات مكة قصة صغيرة جرت فصولها في زحمة احداث كبيرة . في مايو الماضي وظف مركز تجاري في مكة المكرمة ست فتيات بالتعاون مع وزارة العمل. بعد حوالي شهر ، استدعي مدير المركز الى مكتب هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب منه تسريح الفتيات. طالبهم بخطاب رسمي كي يقدمه لمكتب العمل حين يتعرض للشكوى ، فرفض موظف الهيئة. لم يتوصلوا الى اتفاق فلم يتوسل مكتب الهيئة بالقانون كما يفترض من دائرة حكومية ، بل هدده - طبقا لتصريحات مدير المركز - بتشويه سمعة الشركة ، والتشهير بها في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي ، وبدعوة المؤمنين لمقاطعة المراكز التجارية التابعة لها. "الحياة 16 يونيو 2012".
يستوقفني في هذه القصة ثلاث نقاط :

1- الطرف الوحيد المتضرر هنا هو الشريحة الاضعف في المجتمع: فتيات فقيرات ، سعين ، مثل كل انسان شريف ، لكسب لقمة العيش بالعمل ولو براتب ضئيل. بينما الطرف المتسبب في الضرر دائرة حكومية هدفها المعلن هو حماية الناس ولا سيما ضعفاءهم.
2- الفتيات تقدمن للعمل في اطار القانون. والشركة وظفتهن في اطار القانون. وبدعم وتشجيع وزارة العمل التي تسعى لمكافحة البطالة المتفاقمة بين النساء (فوق 80% حسب التقديرات المنشورة). نحن اذن ازاء دائرة حكومية تصارع دائرة حكومية اخرى وتسعى لافشال خططها.
3- هيئة الامر بالمعروف لم تتبع الطرق القانونية في التعامل مع المواطن . بل توسلت باسلوب الجماعات السياسية الاهلية ، اي التهديد بالتشهير والمقاطعة ، ثم الضغط الشخصي المباشر على العاملات واصحاب المركز التجاري بالمضايقة والتهديد واعاقة العمل. في الماضي كانت الهيئة تتبرأ من هذا النوع من التصرفات ، وتنسبه الى "محتسبين متطوعين". لكن الواضح الان ان موظفين رسميين في الهيئة هم الذين يمارسونه. هذا يثير سؤالا جديا حول وجود لوائح سلوك وظيفي في الهيئة ، ومدى التزام موظفيها بانظمة العمل السارية.
الغائب الاكبر في هذه القضية هو مبدأ "سيادة القانون". سيادة القانون تعني ان اي نظام او لائحة تصدر من جهة رسمية ذات صفة ، وتعلن للناس ، فانها تصبح ملزمة للجميع ، الراضين بها والرافضين لها. لو قبلنا بامكانية تطبيق القانون بصورة تفاضلية ، فسوف يطبق الاقوياء ما يناسبهم من الانظمة ويتركون ما لا يناسبهم. وفي وقت لاحق سيتحول هذا الى سلوك عام يمارسه القوي والضعيف على حد سواء. وفي هذه النقطة تضيع هيبة النظام العام وقانون البلد.
هل نريد الوصول الى هذه النقطة؟.
اذا كنا نؤمن بسيادة القانون وانه فوق الجميع ، فعلى الجهات الرسمية ايقاف موظفي فرع هيئة مكة فورا واعلان ذلك . وعليها اعادة الفتيات الست الى عملهن بشكل علني ، كي تصل الرسالة للجميع بان القانون يعلن كي يطبق ، وانه قانون فعلي يطبق على الجميع ، وليس مجرد سالفة قيلت في مجلس.

 الاقتصادية 10 يوليو 2012  

26/06/2012

اربع سنوات ونصف على اقرار نظام الجمعيات الاهلية

في ديسمبر 2007 اقر مجلس الشورى "نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية" بعد شهور من المداولات. خلال ذلك العام حظي المشروع بمناقشة العديد من كتاب الراي في الصحافة المحلية. والحق ان ما نشر من مواده يمثل بداية معقولة ، رغم بعض التحفظات.
مجلس الشورى السعودي
على اي حال ، فقد تصرمت اربع سنين ونصف منذ ارسال المشروع الى مجلس الوزراء كما يقتضي مسار التقنين. هذا الزمن الطويل يثير قلق النخبة الوطنية من ان المشروع المنتظر، ربما اصبح ضيفا ثابتا في الارشيف.
كان مقدرا ان يؤسس نظام الجمعيات الاهلية اطارا قانونيا لمجتمع مدني نشط في المملكة. قبل عقدين من الزمن لم يكن في المملكة سوى الجمعيات الخيرية التي تكفل الفقراء. اما اليوم فهناك – اضافة الى هذه - عشرات من الجمعيات العلمية والحرفية ، وجمعيات الشباب والطلاب ، ومجموعات الدفاع عن حقوق الانسان ، فضلا عن جماعات الارشاد والمساعدة الثقافية ، والعناية بالبيئة والتراث وغيرها.
تمثل هذه المجموعات رافدا مهما في التنمية الاجتماعية. ويمكن لها ان تلعب دورا اكبر في تطوير الكفاءات ، ومساعدة الدولة في استنهاض المجتمع ، وحماية مكاسب التنمية ، وتطوير الادارة الرسمية ، وعقلنة الثقافة ، واشاعة قيم الحوار والتفاهم بين الاطياف الاجتماعية المختلفة.
يعرف الاجتماعيون ان منظمات العمل التطوعي تلعب دورا فعالا في عقلنة المطالب والجدالات المحلية ، وتحويل انشغالات الجمهور من هموم (في المعنى السلبي)  الى فرص (في المعنى الايجابي) ، وفي تخفيف الاستقطاب والتحيز ، فضلا عن اغناء وترسيخ الهوية الوطنية الجامعة. لكن هذا يتطلب اولا وضع الاطار القانوني الذي يسمح بانشاء المؤسسات وينظم عملها. من دون اطار قانوني واسع ، تتحول مؤسسات المجتمع المدني الى عمل تحت الارض ، موجود ومؤثر ، لكنه يميل الى الخفاء والاستتار.
اظن ان الهواجس الامنية هي التي عطلت صدور نظام المؤسسات الاهلية كل هذه السنوات. ولا ارى اي سبب قانوني او اداري او سياسي يعطل مثل هذا النظام المهم. لكن ايا كان الامر، فالمنطق يقتضي اعادة النظر في ذلك العامل او اي عامل اخر وراء التعطيل.
ثمة  اجماع بين المثقفين ونخبة المجتمع على ان تقنين المجتمع المدني هو واحد من ابرز تجليات الاصلاح الذي ينشده الجميع . وهو وسيلة لادارة التحولات الاجتماعية على نحو سلس ومفيد. ومن هنا فقد علقت على النظام امال عريضة.
الحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني تزداد يوما بعد يوم . وثمة كثير من الناس ينشئون مجموعات عمل تطوعي. لا يريد احد ان تبقى هذه المؤسسات خارج اطار القانون. لكني لا اظن الناس سينتظرون الى ما لا نهاية.
مسارعة الدولة الى فتح المجال العام للاذكياء والنابهين والناشطين ، ستوفر عليها مؤونة مراقبة العاملين خارج اطار القانون . وسوف تريح نفسها من اجواء الارتياب التي ترافق اي نشاط عام غير مقنن. لكل الاسباب السابقة ، ادعو حكومتنا الى المسارعة في اصدار نظام المؤسسات الاهلية. فهو سيعين على حل العديد من المشكلات ، لكنه – ايضا – سيعزز الامل في ان قطار الاصلاح مازال على السكة.
نشر (مع تعديلات قليلة من الرقيب) في الاقتصادية 26 يونيو 2012

17/04/2012

حرية التعبير ليست حقا لاحد


 تزايد - في السنوات الاخيرة - ميل الاجهزة الرسمية للملاينة وغض النظر في تعاملها مع اصحاب الراي المختلف . وقد اثمر هذا عن تغير ملموس في المناخ الاجتماعي العام. الا ان هذه التحولات تجري من دون تاسيس قانوني ، ولا يمكن لأحد ان يستند اليها كحق مكتسب يمكن المطالبة به.

الوثائق القانونية التي لدينا – وهي قليلة على اي حال – تؤكد جميعا على حرية التعبير والنشر ، لكنها ترهنها باشتراطات غامضة مثل الالتزام بالقوانين والشريعة والمصلحة العامة الخ. غموض هذه الاشتراطات وغياب اللوائح التنفيذية المؤسسة على ارضية "الحقوق قبل التكاليف" جعلت حق التعبير والنشر موضوعا اشكاليا ، يخضع في منحه او حجبه لرأي الاداريين في وزارة الاعلام او غيرها . وشهدنا في الاسبوع الماضي تفسيرات لهذا الحق صدرت عن احد القضاة ، استند في حكمه الى اجتهادات معروفة في الشريعة ، لكنها غير مدونة كجزء من القانون الرسمي للبلد.

القنوات التلفزيونية المحلية هي مثال واضح على ما ذكرناه. طبقا لنظام المطبوعات فانه يمنع اصدار صحف او انشاء اذاعات او محطات بث تلفزيوني دون ترخيص. رغم ذلك فهناك ما يزيد على 40 قناة فضائية يملكها افراد سعوديون (عدا الشبكات الكبيرة مثل MBC, ART, Orbit). من بين تلك القنوات ، هناك 12 قناة على الاقل تعمل وتبث برامجها داخل البلاد. هذه القنوات ليست مرخصة في اطار نظام المطبوعات والنشر القائم. لكنها ايضا ليست ممنوعة. الاجهزة الرسمية تعرف بوجودها وتعرف مقراتها واصحابها ومصادر تمويلها والعاملين فيها ، وهي بالتاكيد تراقب برامجها. وتعلم ايضا – وهذي هي الزبدة – ان ايا من هذه القنوات ليس مرخصا في اطار نظام المطبوعات. مع ذلك فان الوزارة لم تطلب من اصحاب تلك القنوات اغلاق ابوابها – التزاما بالنظام المذكور. بعبارة اخرى ، فان تركها عاملة لسنوات ، يجعلها اشبه بالمرخصة وان لم تحصل على ورقة الترخيص الرسمي. انها اذن في في منطقة رمادية بين المنع والترخيص.

يمكن لوزارة الاعلام اغلاق اي من هذه القنوات في اي وقت تشاء رجوعا الى انها غير مرخصة. وهذا ما فعلته مع قناة الاسرة في سبتمبر 2010 . او يمكن لها ان تواصل الصمت عن عملها حتى حين. في المنطقة الرمادية يغيب الاستقرار والاطمئنان الضروري للاستثمار والتطور. اصحاب تلك القنوات لا يعتبرون وضعهم نهائيا وثابتا ، ولذا فهم لا يميلون الى ضخ استثمارات مكثفة لتطوير برامجهم او توظيف اعداد كبيرة من العاملين.

من الصعب على اي احد اغلاق جميع القنوات التلفزيونية العاملة اليوم ، حتى بحجة عدم الترخيص. لكن – من ناحية اخرى – فان بقاءها في المنطقة الرمادية يضعف من هيبة القانون الوطني. واظن ان الحل المناسب هو الغاء نظام المطبوعات القديم ووضع نظام جديد يسمح بالاعلام الاهلي  المستقل وفق معايير جديدة ، اهمها اعتبار التعبير عن الراي حقا مكتسبا لجميع المواطنين ، يحميه القانون وينظم استعماله.
 جريدة الاقتصادية 17 ابريل 2012

27/03/2012

يا معالي الوزير

أتمنى أن يفرغ كل وزير بضعة أيام من وقته الثمين لمراجعة الأنظمة واللوائح المطبقة في وزارته. ولا سيما تلك التي تنظم علاقات المراجعين، وأن يقيم مكتبا خاصا لتلقي الاعتراضات على تلك الأنظمة واللوائح.
نظريا ، تستهدف الإدارات الرسمية خدمة المواطن، كما يستهدف بعضها المحافظة على هيبة النظام والأملاك العامة. في كلتا الحالتين المقصود النظري هو تمكين المواطنين من حقوقهم، وصون كرامتهم، والارتقاء بمستوى معيشتهم. 
في واقع الأمر، تطبق هذه الأغراض - في كثير من الحالات - على نحو يقود إلى عكس الغرض، أي حجب حقوق المواطن أو هدر كرامته أو زيادة تكلفة المعيشة عليه.
أظن أن التنظيم القانوني يتحمل بعض المسؤولية عن انقلاب الأغراض هذا. أشرت في مقال سابق إلى تلك الشريحة من الأنظمة المؤسسة على أرضية الارتياب في خيرية الإنسان، الأنظمة التي يستهدف واضعوها تضييق السبل على العابثين، لكنها في نهاية المطاف تضيق الطريق على الجميع، على العابثين الذين يشكلون أقلية صغيرة جدا، كما على الأكثرية الساحقة التي تريد العيش بسلام في ظل القانون.
أتمنى أن يراجع الوزراء نظم ولوائح العمل السارية في وزاراتهم واحدا واحدا، ثم يضعون السؤال التالي أمام كل بند من بنودها:
- لماذا نحتاج إلى هذه المادة؟
- هل تيسر أمور المواطنين أم تضيق عليهم؟
- هل نستطيع استبدالها بطريقة أكثر تيسيرا أم نلغيها كليا أم نبقيها كما هي؟
- وإذا أبقينا هذا البند الذي يتسبب في التعسير فما التعويض الذي نقدمه للمواطن مقابل تحميله هذا العسر؟
قبل أيام وجدت أن وزارة الثقافة والإعلام تفرض على من يريد فتح ستوديو تصوير ، رسم ترخيص بقيمة ألف ريال لثلاث سنوات، ولو تأخر في التجديد، تفرض عليه غرامة تعادل 100 ريال عن كل شهر أو جزء من الشهر. سألت الموظف هناك: ما الخدمة التي تقدمها الوزارة لستوديو تصوير مقابل هذه الرسوم؟
- لا شيء في الحقيقة، لا شيء على الإطلاق.
أتساءل اليوم: ما الفرق بين ستوديو تصوير ومحل بقالة؟ لماذا يكتفى في البقالة بترخيص البلدية، بينما يفرض على ستوديو التصوير ترخيص البلدية والإعلام، مع الرسوم المعروفة لكلتيهما؟
هذا مثال واحد على نظام أو لائحة عمل لا ضرورة لها ولا فائدة، علما أن الحصول على ما يسمونه الترخيص الإعلامي ليس مهمة تتم في دقائق أو ساعات، بل تستغرق أياما، وتتطلب أوراقا أكثر من مجرد هوية شخصية للمتقدم.
هل يحتاج تنظيم أمر البلد إلى هذه الأشياء كلها؟ هل تقدم الوزارة خدمة تستحق هذه الرسوم؟ ما المصلحة التي تريد الوزارة المحافظة عليها من وراء تكليف المواطن بالرسوم والأوراق والمراجعات؟ هذا مثال واحد أعرضه لأني عرفته عن قرب، وثمة عشرات من الأمثلة المشابهة.
أتمنى بصدق أن يفرغ كل وزير بضعة أيام من وقته الثمين لمراجعة تلك اللوائح والأنظمة، والتفكير جديا في الغرض منها والفائدة المرجوة وراءها، وانعكاسها على المواطن، تيسيرها لحياته أو تعسيرها، تخفيف تكلفة معيشته أو زيادتها.

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...