‏إظهار الرسائل ذات التسميات سوريا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سوريا. إظهار كافة الرسائل

02/12/2014

داعش الباقية




في 1997 ظهر شبيه لداعش في الجزائر. لم يعلن دولة او خلافة ، لكن عمله الميداني وخطابه الديني لم يكن مختلفا عن داعش. تلاشت الظاهرة الجزائرية بعدما طبقت الحكومة قانون الوئام الوطني لعام 1999 ثم قانون المصالحة الوطنية (2005). طبقا لبيانات رسمية ، فان عدد الذين سويت اوضاعهم بلغ 17 الف مسلح ، عدا المئات الذين قتلوا في مواجهات مع الجيش. بعبارة اخرى فان الحجم المادي للظاهرة الجزائرية كان اكبر من شبيهتها داعش. لكنها مع ذلك اخفقت في مواجهة تيار الحياة المدنية الجارف ، رغم مقاومتها الشرسة لما يزيد عن سبعة اعوام.
نعلم من هذا ومن تجارب شبيهة ان الحياة الحديثة لا تسمح ببقاء دولة مثل دولة داعش. هذا لا يتعلق فقط بالنظام الدولي ، بل ايضا بالحاضن الاجتماعي المحلي وحركة الاقتصاد والسياسة في ابعادها المختلفة والمعقدة.  ولئن كانت الظروف الحرجة الراهنة في العراق وسوريا قد افرزت نشازا سياسيا من هذا النوع ، الا ان منطق الامور لا يسمح له بالاستمرار فترة طويلة.
سواء انتهينا من دولة داعش اليوم او غدا ، فلا ينبغي ان نغفل عن حاضنها الثقافي – الاجتماعي ، اي الذهنية الفردية او الجمعية التي تنظر الى نموذج داعش كعلاج مؤكد او محتمل لمشكلة يشعر بها الناس. وليس مهما ان تكون هذه المشكلة حقيقية او متوهمة. المهم انها تشغل اذهان الناس ويشعرون بالحاجة الى علاجها بأي طريقة.
السؤال الذي يستحق ان نتأمله بجدية وتركيز هو: ما هي المشكلات التي تشغل اذهان الناس على نحو يجعلها مهيئة لقبول نموذج الحل الذي تمثله داعش او تقترحه؟.
يذهب ذهني الى عدة احتمالات. لكن ابرزها في ظني اثنان ، احدهما محلي ينطبق خصوصا على الوضع في المملكة والثاني اكثر عمومية. المشكلة الاولى هي الرغبة في اكتشاف الذات وتحقيق الذات ، وهذه تخص الشباب. اما الثانية فهي مشكلة العجز عن التعامل مع ما يعتقد من تغول الغرب ضد العالم الاسلامي.
الدواء الانجع للمشكلة الاولى هو جمعيات العمل المدني التطوعي. اما المشكلة الثاني فهي اكثر تعقيدا ، وهي اقرب الى فحوى التفسير الرسمي لظاهرة التطرف ، اي ما يسمى بالغلو في الدين. لكن العلاج ليس بالنصائح وسرد الايات والروايات الدالة على الوسطية ، بل بتطوير خطاب ديني جديد يركز خصوصا على ظاهرة التنوع الثقافي والعلمي والسياسي ، ودور المسلم في العالم الجديد ، وسبل استثمار التنوع وعولمة الثقافة والاقتصاد. بعبارة اخرى فنحن بحاجة الى صياغة جديدة لمفهوم العلاقة مع المختلف سياسيا ودينيا ، سيما الغرب الذي ينظر اليه كقوة عدوان ذات واجهة سياسية ومضمون او محرك ديني (مسيحي غالبا).  وتبعا لهذا تطوير رؤية عصرية لقيمة الجهاد والدعوة ودور الافراد والجماعة المسلمة في هذا السياق. 
الاقتصادية 2-12-2014
مقالات ذات علاقة


26/08/2014

مقدسات التغيير


لو اردنا الاعتبار بدروس التاريخ ، فسوف نعرف ان الازمات الكبرى شكلت نقطة انبعاث للمجتمعات المغلوبة ، يوم  حظيت بشجاعة التحرر من الغرائز البدائية وقيود العادة.
كان ارنولد توينبي ، وهو ابرز مؤرخي القرن العشرين ، قد اعتبر الصراع محركا رئيسيا للتحولات الحضارية وحركة التاريخ بشكل عام. الامم التي تواجه تحديات وجودية تبدع وسائل جديدة لاستيعاب التحدي ومواجهته. صنف توينبي تلك التحديات الى ثلاثة مستويات: تحد ضعيف لا يثير اهتمام المجتمع ، وتحد جارف يقوده الى الاستسلام وربما تدمير الذات ، وتحد متوسط القوة يطلق طاقة حيوية جديدة ، تقاوم عوامل الوهن والهزيمة ، فيشكل - بالتالي- نقطة انطلاق الى مسار جديد نحو التقدم والقوة.
Arnold Toynbee
ارنولد توينبي
مناسبة الكلام هو التحولات الهائلة التي تواجه العرب هذه الايام ، وتحمل في مجموعها صفة التحدي الوجودي ، على النحو الذي شرحه توينبي. كشفت هذه التحولات عن نقاط ضعف كبرى في البنية الاجتماعية/السياسية لكافة المجتمعات العربية. لكنها كشفت ايضا عن نقاط قوة عظيمة الاهمية ، لا يصح اغفالها او تهوين اهميتها. 
ويهمني في هذه الكتابة التنبيه على ما اظنه شرطا ضروريا لتحديد اتجاه "الاستجابة للتحدي". الا وهو توفر ايديولوجيا التغيير. تتألف ايديولوجيا التغيير من مجموعات مقولات ميتافيزيقية (نتبناها بها لاننا نريدها وليس بالضرورة لانها ثابتة علميا او تجريبيا). 
تتمحور هذه المقولات حول ثلاثة مباديء ينبغي رفعها الى درجة القداسة:
 واولها تعزيز الايمان باننا - كمجموع - قادرون على حل مشكلاتنا بانفسنا ، قادرون على منافسة الاخرين والتفوق عليهم ، واننا – كأفراد – قادرون على تجاوز خلافاتنا والانصهار في بوتقة فكرة قائدة ، هي فكرة التقدم.
 المبدأ الثاني: هو ثنائية المتعدد/الواحد وخلاصتها ان كل مواطن فرد ، رجلا او امرأة ، مختلف عن الاخر في عقله او فكره او تطلعاته او همومه ، وان هذا التنوع في الافكار والتعبيرات والقدرات والتطلعات يقود طبيعيا الى فتح مسارات كثيرة ، يجب تأطيرها على نحو يجعلها روافد تصب في المجرى الرئيس لنهر التغيير وتساهم في حركة التقدم. 
المبدأ الثالث يتناول موضوع التغيير ، ويتلخص في اصلاح سياسي باتجاه توسيع ومأسسة المشاركة الشعبية في  الحياة العامة ، وتحول اقتصادي باتجاه التركيز على الصناعة سيما الصناعات الاساسية والتحويلية ، وتحول اجتماعي محوره صون الحريات الشخصية والمدنية لكافة الافراد.
زبدة القول ان الازمات الهائلة التي نمر بها هذه الايام يمكن ان تعصف بوجودنا كله (وقد شهدنا بدايات هذه الكارثة في اكثر من دولة مجاورة) ، كما يمكن ان تشكل مفتاحا لعصر جديد وتاريخ مختلف ، نحقق فيه اكثر آمالنا. اعلم ان احدا لن يختار الكارثة ، لكن اختيار البديل رهن بالاستعداد لدفع ثمنه السياسي والثقافي والنفسي. ولهذا حديث آخر ربما نعود اليه لاحقا.
الاقتصادية 26 اغسطس 2014
http://www.aleqt.com/2014/08/26/article_880253.html

25/06/2013

كن طائفيا او كن ما شئت .. لكن لا تضحي بوطنك

زميلي الاستاذ جمال خاشقجي يقول ببساطة: ياصديقي الشيعي كن معي في موقفي والا سأكون ضدك (الحياة 22 يونيو 2013).
كي لا تختلط الامور فالزميل لا يطالبنا بالخروج في غزوة بدر مثلا ، ولا يدعونا لتحرير الاراضي المحتلة ، بل ولا حتى لنصرة الشعب السوري الجريح. المطلب المحدد للزميل الكريم هو ببساطة : ان تكون عدوا لايران وحزب الله. 

جوهر المسالة التي شغلت باله هناك ليس حق الشعب السوري في صناعة مستقبله بحرية ، جوهرها – حسب ما يشرحه الاستاذ خاشقجي - هو وجود حزب الله وتاييد ايران للنظام. لا يحتاج الامر الى تفسير او تحليل ، فاما ان تكون عدوا لمن يعاديه الاستاذ جمال والا فانت مصنف في جبهة اعدائه.
ليس الامر مهما لو اقتصر على معاداة شخصية ، سيما لو كان عدوك عاقلا مثقفا حصيفا كالاستاذ جمال. لكن الاستاذ جمال لا يتحدث عن عداء شخصي ولا اظنه يفكر فيه. بل يقول كلاما يؤدي – موضوعيا – الى تبرير حالة استقطاب اجتماعي على اساس مذهبي : الاكثرية السنية في طرف والاقليات الشيعية في الطرف المقابل. تذكرت وانا اقرا مقالة الاستاذ جمال خطبة بن لادن "اصبح العالم فسطاطين" ، وتذكرت قسمة بوش الشهيرة "من لم يكن معنا فهو ضدنا". لا اظن خاشقجي يعنيها ، لكن مقالته مجرد تبرير لهذا المنهج. فهو يخير مواطنيه الشيعة بين موقفين : ان يساعدوه ، والا فلينتظروا انقسام المجتمع الوطني. طبيعة المساعدة هنا هي تقليد موقفه الشخصي. عنوان مقال الاستاذ خاشقجي يقول دون مداورة: ساعدني والا سأكون طائفيا ، اي عدوا لك.
حسنا. لنفترض اني رفضت مساعدتك ، فهل ستضحي بوحدة الوطن وسلامه الاجتماعي من اجل سوريا؟. هل تسعى لانتصار السوريين ولو على حساب وحدة بلدك وامنه واستقراره؟.
خاشقجي وكل شخص اخر يتبنى مواقف بناء على تحليله الخاص ، او انطلاقا من دائرة مصالح ينتمي اليها. هذا ليس مشكلة ، فلكل شخص حق ثابت في اتخاذ اي موقف ومناصرة اي طرف او معاداته. لكننا لسنا بصدد قضية وطنية مشتركة ، كي نقول ان مصلحة الوطن او مستقبله او امنه يتوقف عليها. موضع الجدل هو الموقف من الثورة السورية ، وبالتحديد مناصرة الجماعات المسلحة فيها.
لطالما اختلف مجتمعنا حول الموقف تجاه قضايا خارجية. في الثمانينات كان الحماس للثورة الافغانية اوسع كثيرا من الحماس الحالي للثورة السورية. ونعرف اليوم مآل تلك الثورة وما صاحبها من حماسة. هل اخطأ الذين رفضوا الانخراط في دعم الثورة الافغانية يومذاك؟. هل يتوجب علينا القول ان قضايا الخارج يديرها اهلها واننا مجرد مراقبين؟. هل يتوجب علينا الحذر من المبالغة في الانخراط العاطفي ، سيما حين ينطوي على مخاطر مباشرة او غير مباشرة على وحدة بلدنا وامنه وسلامه الاجتماعي؟.
لنفترض ان الشيعة جميعا ابوا مناصرة الثورة السورية ، فهل نهدد بلدنا بالانقسام عقابا لهم على هذا الموقف؟. هل سمعتم بعاقل يرهن علاقته بمواطنيه لموقف سياسي ، خارجي تحديدا ، مهما كانت اهميته؟. اي عاقل يتعامل بهذا القدر من الخفة مع قضية بهذه الخطورة .. اعني وحدة الوطن والسلم الاهلي؟.
الاقتصادية 25 يونيو 2013

07/08/2012

سوريا ليست معركتنا



اشعر احيانا اننا نمارس السياسة مثل متفرجين في ملعب كرة. ثلاثون لاعبا يصنعون الحدث ، والاف الناس على المدرجات يهتفون لهذا الفريق او ذاك. في نهاية اللعبة يفوز طرف فيحصد المال والشهرة ، أما الاف المشجعين فيخرجون من المولد بلا حمص كما يقول المصريون. لا يكسبون شيئا من الغنيمة ، ولا أحد يسأل عنهم. خلاصة مكسبهم "شعور" مؤقت بانهم كانوا الى صف المنتصر او المهزوم.
الاغلبية الساحقة منا متفرج على لعبة السياسة. ثمة عشرون او ثلاثون لاعبا يتصارعون في ميادينها ، فيكسبون المال والسلطة والقوة. اما نحن ، ملايين الناس ، فتتقطع اعصابنا وحناجرنا تاييدا لهذا الفريق او ذاك. ندفع المال ، ونصارع اخوتنا واصدقاءنا. لكن حصتنا في نهاية اللعبة تتلخص في "شعور" باننا وقفنا الى جانب الاقوياء ، مثل طفل يقاتل كي يحصل على صورة مع ممثل مشهور.
خلال الايام الماضية امتلأت صحافتنا بالتحذير من تصاعد المشاعر الطائفية بين الشباب. تحذيرات جاءت كرد على التجييش المتصاعد للمشاعر في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من دوائر اللقاء بين الناس.
نشعر جميعا بالالم للتدهور المريع في اخلاقيات العلاقة بين ابناء الوطن. لكن ما نشهده اليوم ليس حدثا جديدا. مجتمعنا مدمن على خوض معارك الاخرين من مقاعد المتفرجين. كنا دائما الطرف الذي يمول الاخرين ويشجع الاخرين ويختلق التبريرات للاخرين. فعلنا ذلك في افغانستان ، وفي البلقان واسيا الوسطى ، وفعلناه في العراق ، ونفعله اليوم في سوريا ، وسنفعله غدا في بلدان اخرى.
ستنتهي الازمة في سوريا وتهدأ النفوس ، مثلما حصل في سابقاتها. لكن ما يستحق التوقف هو سلوك بعض النخبة، من كتاب ودعاة وناشطين، اتخذوا التجييش الطائفي مصعدا للنفوذ الاجتماعي. هذا سلوك ينطوي على مخاطرة شديدة قد تطيح بوحدة البلد وسلامه الاجتماعي واستقراره.
تستطيع استعمال فنون البلاغة كلها في تجييش مشاعرالمتفرجين. لكن هل ستتحمل المسؤولية عن عواقب هذا المسار .. انقسام المجتمع واندلاع الصراع بين شبابه؟.
ما يحدث في سوريا ليس معركتنا ، وما حدث في العراق وافغانستان والبوسنة واسيا الوسطى لم تكن حروبنا. غيرنا قرر الحرب وغيرنا سيكسب المعركة او يخسرها. لسنا سوى متفرجين في ملعب لكرة القدم. فلماذا ننقل هذه المعارك الى مجتمعنا ؟ لماذا نحارب بعضنا في معركة قررها الاخرون؟. اليس بلدنا يكفينا ، اليست مشاكلنا تكفينا؟. اي واحدة من اولوياتنا تمثل سوريا او غيرها ؟. اهي مقدمة على تحدي البناء والتنمية والوحدة الوطنية والاستقرار في بلدنا؟.
ايها المغامرون بوحدة الوطن ومستقبله وسلامه.. تأملوا في عواقب افعالكم .. وخافوا الله في وطنكم ومستقبل شبابكم.
الاقتصادية 7 اغسطس 2012






24/07/2012

اليوم التالي: ماذا سيجري لو سقط النظام السوري غدا


وجود السيناريو البديل ، او "الخطة ب" كما يسمونها احيانا ، هو الفارق بين من يهمهم فعلا كسب المعارك ، وبين من يكتفون بانتظار النتائج.
خلافا لسيرتها المعتادة لم تقف الجامعة العربية موقف المتفرج على الازمة السورية ، كما حصل في قضايا سابقة. دورها الايجابي يشجعنا اليوم لدعوتها لوضع خطة عمل تستجيب للتطورات المتوقعة في حال انهارت الحكومة السورية. اقول هذا لان الاحتمالات تبدو محصورة بين اثنين: حرب اهلية واسعة في حال صمدت الحكومة ، او انهيار شامل للنظام العام في حال سقطت. ثمة احتمال ثالث ، قائم لكنه مستبعد ، وهو نجاح الثوار ، او نجاح قوة ثالثة في السيطرة على زمام الامور ، وتامين انتقال سريع للسلطة يحول دون انهيار مؤسسة الدولة.
خلال الاسبوع المنصرم ، بدا واضحا ان الواجهة السياسية للثورة السورية لم تعد جزء من اللعبة. المجلس الوطني وهيئة التنسيق وتنسيقيات الثورة وبقية الفصائل ، تحولت الى ما يشبه المراكز الاعلامية التي تعلن مواقف وتنقل اخبار ما يجري على الارض ، لكنها ليست صاحبة قرار ولا هي جزء من القرار. الجيش السوري الحر الذي ظهر في الاشهر الماضية كمؤسسة تتمتع بتسلسل قيادي واضح ، كان في الاسابيع الاربعة الماضية اشبه بعنوان لعشرات من المجموعات المحلية المستقلة التي لا يربط بينها غير 
الاسم.
Syria Map
من المحتمل ان يتجه الجميع ، في نقطة معينة ، الى التلاقي والتوافق على المرحلة التالية. لكن هذا مستبعد من دون تدخل خارجي ضاغط. كانت الجامعة العربية قد عقدت اجتماعا في القاهرة لاقناع المعارضة بتشكيل جهة موحدة تقدم بديلا مقبولا عن النظام القائم ، الا ان هذا المسعى لم يكتب له النجاح. رفض العسكريون الخضوع للسياسيين، واخفق السياسيون في الاتفاق على الخطوط الاساسية للعمل.
في الاسبوع الماضي قدم المجلس الوطني الكردي نموذجا عن الوضع في اليوم التالي لسقوط النظام. سيطر الاكراد على اربع مدن ، عند مثلث الحدود مع العراق وتركيا. هذه المنطقة ستكون قاعدة لكردستان سوريا. هذا النموذج قابل للتكرار في منطقتين اخريين على الاقل هما منطقة الساحل وجبل العرب. هذا تطور يشير لانهيار الدولة المركزية ، وربما يجعل الحرب الاهلية خطرا داهما. المعلومات التي تنقل عن عمليات تطهير قومي وطائفي تجعل فكرة الانقسام البغيض ملجأ لا بديل عنه.
من هنا فان الضرورة تقضي بقيام الجامعة العربية ومن ورائها الدول الاعضاء بوضع خطة عاجلة للتعامل مع الاحتمالين المذكورين بما يحفظ وحدة الاراضي السورية ويحول دون الحرب الاهلية او انهيار النظام العام. رغم تشعبات الازمة فان بعض الدول العربية تملك اوراقا مؤثرة على اطراف الازمة ، وهي قادرة فيما اظن على اقناع الثوار بالتوافق على استراتيجية خروج ، تؤمن انتقالا الى نظام جديد بحد ادنى من الخسائر. لو وقعت الحرب الاهلية لا سمح الله. فان نارها لن تحرق السوريين فقط ، بل قد تطال ايضا لبنان والاردن ، وهذا ما لا يريده احد.
الاقتصادية 24- يوليو - 2012

17/07/2012

الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين


يبدو حتى الان ان اشقاءنا المصريين قد نجحوا في تخفيف القلق من مخاطر المشكل الطائفي ، بعدما بدا – خلال ايام الثورة – قريبا من لحظة الانفجار.

معظم البلدان العربية تواجه مشكلا طائفيا كالذي واجه المصريين. واتمنى بكل صدق ان يأخذ هذا الملف حظه من الاهتمام قبل ان يصبح معضلة مستحيلة. اتمنى ان يدرك اخوتنا في سوريا ان المشكل الطائفي هو اخطر ما يهدد فرصتهم في اقامة "سوريا الجديدة".

 لا يهتم العالم بدين الشخص الذي سيحكم دمشق او طائفته. يهم الولايات المتحدة ان لا ينفرط عقد الدولة السورية فتصبح بعض اراضيها "وزيرستان" اخرى ، تأوي مجموعات شبيهة بطالبان او القاعدة. وهي بالتاكيد تخشى ان يتمدد الانفراط لو حدث – لا سمح الله – الى الاردن والعراق. تركيا هي الاخرى تخشى من قيام "كردستان سوريا" ، على غرار كردستان العراق. يعتقد الاتراك ان قيام فدرالية كردية في سوريا سيفجر المشكلة الكردية في الاناضول بعدما هدأت قليلا في السنوات الاخيرة.
اني واثق في وعي قادة الثورة السورية – بعضهم على الاقل – بهذا المشكل. قدم د. برهان غليون معالجات تحليلية متقدمة تنبيء عن ادراك عميق لجذور المسالة الطائفية في العالم العربي ، ولا سيما في بلد مثل سوريا. كنت اتمنى ان يبقى زعيما للمعارضة ، لان كتاباته تنبيء عن استعداد ذهني وروحي للتعاطي مع الجميع بمنطق الشراكة في تراب الوطن وليس منطق حكم الاكثرية او الاقلية.

عرف د. غليون الطائفية السياسية  بانها استعمال الاجماع الديني الخاص بشريحة من المجتمع كارضية للولاء السياسي . هذا ينتج نظاما لتوزيع المنافع يحابي هذه الشريحة على بقية المجتمع ، انطلاقا من كونها اصفى ولاء ، نظام  يحول العصبية الدينية او القبلية او القومية الى عصبية اجتماعية – سياسية.

يرى غليون ان الدين بذاته ليس منتجا للطائفية. على العكس ، فان الروح الطائفية تعاكس الايمان. يوظف الدين الثروة والسلطة لتدعيم الرابطة الانسانية والتكافل بين الافراد . بينما تستثمر الطائفية الروابط الاجتماعية والراسمال الروحي للمجتمع في تعزيز احتكار السلطة والثروة.

الطائفية اذن ظاهرة سياسية في الجوهر . ولا علاقة لها بالتمايز الديني او الثقافي او العرقي ، الا كعلاقة النار بالحطب. ندرك ان الحطب ليس سبب الحريق ، رغم ان الحريق لا يشتعل من دونه. تنشط الطائفية في الحياة العامة حين تقوم فئة اجتماعية بتحويل الاختلافات الطبيعية بين الناس الى خطوط فصل ، تميز من يعتبر حسنا عن من يعتبر سيئا ، من يعتبر مواليا ومن يعتبر معاديا ، من يستحق الشراكة في المنافع العامة ومن يحرم منها .

الطائفية ليست ظاهرة عرضية اوبسيطة العلاج. لكنها ايضا ليست من المستحيلات. تركها تتفشى هو الذي يجعل علاجها موجعا وعسيرا. ما لم يعالج المشكل الطائفي من جذوره فسيبقى العدل حلما مستحيلا او مؤجلا.

الاقتصادية – 17- يوليو 2012  http://www.aleqt.com/2012/07/17/article_675054.html

03/07/2012

سوريا بين خيار دايتون والحرب الاهلية


هذا شهر عصيب. سجل تاريخ العالم تحولات جذرية بدأت او اكتملت في شهر يوليو. تقول النكتة المتداولة في العراق ان دماغ الناس "يولع" بسبب شدة الحرارة في تموز (يوليو). تذكرت هذا وانا اتامل مسار الاحداث في سوريا الشقيقة.

خلال الشهور القليلة الماضية بدا ان النظام القائم لم يعد له موقع ضمن المنظومة الاقليمية. استمراره سيكون عبئا على المنطقة بمثل ما هو عبء على شعبه. علاقة سوريا بمحيطها تدهورت تماما. هذا لا يستثني حلفاء النظام السوري البارزين مثل روسيا والصين وايران والجزائر ، فهذه دول معنية – في نهاية المطاف – بمصالحها لا باشخاص الحاكمين.
 ما يقال عن علاقة "خاصة" بينها وبين شخص الرئيس او غيره من اهل الحكم في دمشق هو من نوع "سوالف المجالس" التي تقارن العلاقات بين الدول بالعلاقات بين الاشخاص. حقيقة الامر انه ليس في السياسة عواطف ، بقدر ما هي لعبة مصالح. كبار اللاعبين في الازمة السورية يعرفون ان اي حليف بحاجة الى تعويض كي يغير موقفه . اما ان يجبر على التضحية بمصلحته او يجدوا له تعويضا من نوع ما ، هنا او هناك.

هل نتوقع حلا نهائيا للازمة السورية في هذا الشهر العصيب؟

في اوائل العام الجاري كان الاعتقاد السائد ان سقوط النظام اصبح محتوما. لكن ثمة تبدل في مكونات المشهد تؤثر بشدة على مسار الصراع. اشير هنا الى اربعة عناصر:

1- تراجع الدور الكردي في الثورة ، ولهذا علاقة جوهرية بالموقف التركي وبالتواصل الممكن مع كردستان العراق كقاعدة خلفية للثورة.
 2- تراجع الدور السياسي العربي في ادارة الازمة لصالح الدور الاوربي – الامريكي. ولهذا علاقة بحل محتمل وفق نموذج اتفاق دايتون الذي انهى الحرب الاهلية في البوسنة.
 3- تفاقم العمليات المسلحة من جانب السلطة والمعارضة ، بما ينطوي عليه من امكانية بروز ما يشبه اقطاعيات مسلحة شبيهة بما كان عليه الوضع اللبناني قبل 1991.
 4- اخفاق المعارضة السورية في انشاء قيادة بديلة يمكن ان تقدم التزامات مقنعة في مرحلة انتقال السلطة مثلما حدث في ليبيا واليمن مثلا.
هذا لا يعني نهاية الثورة ، ولا يعني ان النظام اصبح اكثر قدرة على الاستمرار. لكنه يعني بالتاكيد ان السقوط الحتمي للنظام لم يعد احتمالا وحيدا او قريبا جدا.

اظن ان الساحة تشهد اليوم سباقا محموما بين خيارين:

  أ) تفاقم الخيار العسكري كوسيلة مرجحة على التظاهرات الشعبية السلمية ، وبالتالي فتح الباب على مصراعيه امام حرب اهلية واسعة او محدودة. او
ب) قبول جزء مؤثر من المعارضة بتشكيل حكومة جديدة تشارك فيها بعض اطراف الحكم القائم اضافة الى القوى الصامتة. هذا يعني اعادة صوغ المشهد السياسي السوري ، بتصنيف القوى طبقا لانتماءاتها الرئيسية (عربي ، كردي ، مسلم ، مسيحي ، علوي ، درزي ، اسماعيلي ، تجار ، عسكر ، احزاب الخ) واشراكها جميعا في تشكيل سياسي يقيم ما يشبه حكومة توافقية وليس حكومة اكثرية.

بعبارة اخرى فان الامور قد تتجه الى حكومة يقودها ما يشبه "مجلس الحكم" الذي ادار العراق بعد الاحتلال ، او مجلس الرئاسة الذي ادار البوسنة بعد الحرب الاهلية. وفي كل الاحوال سيكون النظام الجديد تحت وصاية الامم المتحدة وبضمان الدول دائمة العضوية في مجلس الامن. اي ان الحل سيفرض من الخارج.

يبدو لي ان المبرر الرئيس لهذا الخيار هو تخوف جيران سوريا والدول الكبرى من انهيار تام للدولة يمهد الطريق لفوضى عارمة قد لا يمكن السيطرة عليها خلال وقت قصير.

لا ادري اي الخيارين سيقود المسار ، لكني اشعر ان شهر يوليو الجاري قد يشهد نقطة الحسم بين خيار دايتون او الحرب الاهلية.
الاقتصادية 3 يوليو 2012
http://www.aleqt.com/2012/07/03/article_671856.html

10/04/2012

الواعظ السياسي


كاننا نعيد اكتشاف العجلة ، وكاننا نحاول تفسير معنى الماء. الثورة الشعبية في سوريا ، استهدفت – فقط وفقط – اصلاح نظام سياسي عجز عن اصلاح نفسه. لكن شريحة من الوعاظ والحركيين في بلادنا اختزلوا انتفاضة الشعب السوري وتضحياته في الفارق المذهبي- الطائفي بين الحاكم واغلبية المحكومين.
كأن السوريين لم ينتفضوا من اجل الحرية ، ولا ضحوا بانفسهم من اجل كرامة العيش ، ولا دفعوا  الغالي والنفيس من اجل العودة ببلادهم الى مصاف البلاد المتحضرة. المسألة عند اولئك الوعاظ ابسط كثيرا من الحرية وتقرير الشعب مساره ومصيره ، ابسط من التنمية الشاملة واجتثاث الفساد. المسألة عندهم لا تتعدى نزاعا شخصيا او شبه شخصي بين طرفين يختلفان في المذهب. لكأن الصراع الدامي في سورية مجلس درس فقهي يجادل حضاره في العقائد ، وكأن الصراع الدامي في حمص ودرعا وادلب محاورة شعرية بين ممثلي قبائل يتبادلون الفخر باحسابهم وانسابهم. كأن الذين يتصارعون على الارض السورية جرير والفرزدق ، كل منهما يهجو الاخر بذكر معايب اهله.

الثورة السورية ، مثل نظيرتها في تونس وليبيا ومصر واليمن ، حركة شعبية همها الاول والاخير هو تمكين اهل البلد من اصلاح بلدهم وتقويم اقتصاده وادارته ، وتحريك عجلة النمو التي توقفت او تعثرت بسبب الفساد واستئثار اقلية صغيرة بالقرار والثروة ومصادر القوة. بعبارة اخرى فان الشعب السوري يحاول الانفلات من تاريخ القهر والتفرد والاستبداد. اما وعاظنا الذين ا كتشفوا السياسة من فوق  المنابر ، فان تلك الهموم والاهداف لا تعني لهم شيئا ولا تهمهم. الحرية عندهم انفلات ، ومشاركة المجتمع في تقرير حاضره وغده اقحام للعوام في شغل اهل الحل والعقد. اما مكافحة الفساد فعلاجها خطبة او خطبتين ، وكفى الله المؤمنين القتال.

لا اجد ضرورة للتحفظ حين ادعو الوعاظ والخطباء الى ترك السياسة والحديث فيها ، لانني اجد معظمهم غير مدرك لما يجري ، بسيطا وسطحيا الى حد السذاجة. ولهذا السبب – ربما – يستبدل التوجيه العقلائي للمستمعين بالشحن المذهبي وكيل الشتائم للاشخاص والطوائف ، والمبالغة في اللغة الخشنة والكلام الذي ينبغي ان يعف الانسان عن قوله ، سيما في بيوت الله.

جهل هؤلاء بالسياسة والكلام السياسي هو الذي يؤدي الى تحويل الخطاب الديني من مناصرة الشعب السوري الى اعلان العداوة والكراهية ضد كل من وقف على الحياد او تردد في هذا الموقف او جمعه مع اهل الحكم هناك مذهب او نسب.
العارفون في السياسة يفهمون ان اول الحرب استمالة حلفاء العدو او تحييدهم لتفكيك جبهته واضعافها. اما وعاظنا فاول حربهم هو تقسيم العالم الى فسطاطين: من لا يقف معنا في كل موقف فهو هدف لحربنا. لا مجال عندهم لتدوير الزوايا الحادة، ولا مجال للتفصيل ، لانهم في الاساس ليسوا مشغولين بالسياسة قدر انشغالهم بتدبيج الخطب العصماء وقصائد الفخر والهجاء.

هؤلاء الوعاظ لا ينصرون شعب سوريا ، بل يزرعون الكراهية في اوطانهم ، وهم لا يفهمون الاهداف السامية التي يضحي من اجلها السوريون ، فشغلهم الشاغل هو اعلاء الجدار الفاصل بين الفسطاطين.

جريدة الاقتصادية  11 ابريل 2012

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...