‏إظهار الرسائل ذات التسميات داعش. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات داعش. إظهار كافة الرسائل

25/11/2015

الاسئلة الباريسية



احداث مثل الهجوم الدموي في باريس قبل اسبوعين ، تعيد الى الحياة أسئلة جالت كثيرا وجودلت كثيرا ، لكنها بقيت حائرة. ليس لصعوبتها ، بل لأن إجاباتها تحيل بالضرورة الى مشكلة أكبر.
يتعلق السؤال برؤيتنا للغرب ، "هاجس الغرب " حسب داريوش شايغان. وجوابه يحيل الى سؤال أكثر تعقيدا عن رؤيتنا لذاتنا كمسلمين ودورنا في العالم ، اي الهوية "الكونية" التي نريدها لأنفسنا. ان اكتشاف الذات وتحديد المكان هو التمهيد الضروري لاكتشاف العالم وفهمه وتحديد المسافة بينك وبينه.
طبقا للمرحوم محمد اركون فان رؤية المسلمين للغرب تشكلت اولا في سياق محاولة جادة لفهمه والتعلم منه ثم منافسته. كان هذا مسار النخبة الصغيرة التي تنسب اليها بذور الوعي الأول ، بين أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. بعد مرحلة النهضة هذه ، حدث انتكاس قادنا الى مرحلة ثانية ، يسميها مرحلة الثورة ، شهدت تحولا من محاولة فهم الغرب والتعلم منه ، الى الرفض المطلق له ، ومحاولة إحياء القوة الذاتية من خلال التركيز على خطوط التفارق بيننا وبينه ، باسم القومية في أول الأمر ثم باسم الدين ، كما هو الحال حتى الآن.
كان المرحوم مالك بن نبي قد أشار الى نتيجة هذا الخيار ، في قصة يعرفها الجميع ، حين قارن بين موقف الياباني الذي ذهب الى الغرب تلميذا يتعلم كي يستغني عن معلمه ، وبين موقف المسلم الذي ذهب زبونا يشتري  منتجات جاهزة. ونعرف بقية القصة حين نقارن حالنا اليوم بحال اليابان.
طرف القصة الآخر أوضحه نجم الثاقب خان ، المفكر الباكستاني الذي سجل ملاحظات قيمة عن فترة عمله في طوكيو ، في كتابه "دروس من اليابان للشرق الأوسط". وهو يرى ان اخفاقنا في العلاقة مع الغرب سببه أننا اعتبرنا  هويتنا سدا ، اما اليابانيون فقد اعتبروها مجرد موضوع تمايز قابل للتدوير. الهوية في رأيه فرس جموح يمكن ان يقود عربة التقدم اذا ربط اليها ، لكنه قد يقلب العربة اذا اعترضها.
يعتقد شايغان ان موقفنا الملتبس من الغرب ، المندهش من تفوقه حينا والكاره له حينا اخر ، عرض لقلق عميق في داخل نفس المسلم ، سببه عدم استيعاب ظاهرة تاريخية كبرى هي الحداثة في معناها الواسع . نحن لم نحاول استيعاب الحداثة في دلالتها الفلسفية الخاصة ، كتجربة ابدعها الانسان من أجل تجاوز قيود الطبيعة ، وصولا الى السيطرة على عالمه ، بل تعاملنا معها من خلال تعارضاتها مع موروثنا النظري وتصوراتنا عن ماضينا. ولهذا فكل حكم عليها ارتدى منذ البدء رداء التقويم الاخلاقي ، مدحا او قدحا ، لا الموضوعي الذي يسعى للفهم ثم يشارك في تطوير الفكرة.
نحن اليوم مجرد مستهلك لمنتجات الحداثة الغربية. وكان حريا بنا ان نجتهد للمشاركة في بناء العالم وفي انتاج العلم الذي منح الغرب القوة والسيادة. المشاركة في صناعة عالمنا رهن باستيعابنا لديناميات هذا العالم وأسرار حركته. وهذا لن يتأتى ما لم نتعلم ، ولن نتعلم شيئا من العالم ما لم نتعارف معه. أول التعارف هو التواضع والانفتاح الكلي والصريح. مكونات هويتنا ، قناعاتنا وتقاليدنا ، منتج بشري ورثناه ، وقد كان مفيدا في زمن منتجيه. أما اليوم فليس سوى حجاب يمنعنا من فهم العالم الذي نعيش فيه تابعين متكلين على غيرنا.
يجب ان نضع جانبا مشاعر العداوة مع العالم ، ان نعيد صوغ هويتنا كشركاء في هذا العالم ، لا كفئة مصطفاة تنظر اليه من الأعلى ، ولا كجمع من المندهشين المستسلمين المنكرين لذاتهم. نحن قادرون على الفهم والمشاركة والمنافسة اذا اخترنا طريق الانفتاح والتفاهم  بدل الارتياب أو الكراهية.
الشرق الاوسط 25 نوفمبر 2015

18/11/2015

حديث الغرائز



بعض ردود الفعل في العالم العربي على هجوم باريس الارهابي تظهر اننا نعيش أزمة حقيقية. أثار انتباهي ان شريحة كبيرة من المثقفين والحركيين ، وخاصة بين الاسلاميين ومن يسايرهم ، اتخذوا موقفا شامتا ، وبعضهم استعمل لغة تبدو وكأنها تفسر ما حدث ، لكن عباراته عجزت عن إخفاء ان رغبته الخفية هي التبرير. بعضهم عبر عن الشماتة او التبرير بعبارات مثل انه لن يبكي او لن يتعاطف. مبررهم الوحيد هو ان العالم لم يتألم لقتلى العرب والمسلمين ، أو ان فرنسا – والغرب عموما – سبق الى ارتكاب الفضائع ضد العرب.
هذه الأصوات ليست بذات أهمية او تأثير في الغرب نفسه. انها قبضة زبد في محيط هائل الحجم هو حركة العالم وحراكه وصراعاته. لكن تأثيرها يقع علينا وفي محيطنا. فهي من نوع حديث الانسان الى نفسه. ليس حديث المحاسبة والنقد ومساءلة الذات ، بل حديث توكيد الذات ، من خلال الجهر بالغرائز والانفعالات ، التي أراد العقل ضبطها في ظروف السلم ، فاذا تفجرت الأزمات ارتخى عقال  العقل وهاجت أحصنة الغرائز.
مثل تلك الأقوال التي تعبر عن رغبة عارمة في التشفي والانتقام من الآخر ، تمثل – لو أردنا كسر حجاب التحفظ – حقيقة النفس المحطمة والمهزومة في عالمنا الاسلامي. النفس التي فشلت في فهم الآخر الغالب ، ثم فشلت في تقليده ، ثم فشلت في الاستغناء عنه ، ثم فشلت في العلاقة معه ، فارتدت على نفسها آسية لحالها ، حزينة على ماضيها ، ناقمة على عالمها ، فلم تجد تفريغا لهذا الاسى سوى صب الكراهية على أي مختلف ، قريبا أو بعيدا.
النفس المهزومة لاترى بسطاء الناس يعيشون حياتهم ويستمتعون بساعات فراغهم في ملعب لكرة القدم او حضور مسرحية او قتل الوقت في مقهى او التمشي في حديقة ، لا ترى الأطفال حاملين حقائبهم المدرسة الصغيرة بجانب أمهاتهم ، لا تسمع ضحكهم وأغانيهم. فهي لا ترى أشياء الحياة العادية البسيطة ، لا ترى غير صورة العدو المدجج بالسلاح يقتل المسلم هنا وهناك ، اليوم او قبل قرن من الزمان. لا ترى في الطفل سوى جنديا ربما يقتلنا بعد عشرين سنة او ثلاثين ، لاترى في الأم سوى الرحم الذي ربما يحمل الطفل القاتل.
لم ير أولئك الشامتون ان ضحايا باريس – وقبلهم ضحايا بيروت وعشرات المدن في الشرق والغرب - لم يكونوا جنودا ولا اعوانا للجنود. لم تكن باريس ساحة حرب ولا كانت بيروت.
إني أوجه اللوم الى الاسلاميين أكثر من غيرهم ، إلى الذين يدعون التدين أو الحرص على الدين أكثر من غيرهم. لقد كنت ساذجا حين ظننت ان الأكثر تدينا سيكون أكثر رحمة بالناس ، وعطفا عليهم ، وتعاطفا مع الضعيف والجريح والمتألم. ظننت ان الايمان عقال القسوة ، فاذا بي اجد هؤلاء الذين يدعون التدين اكثر قسوة وأقل عطفا. لم يعد الضعيف في عيونهم سوى نقطة في خريطة العدو ، مجرد اضرار جانبية في حرب تاريخية مجنونة لا تنتهي.
هذه النفس المأزومة هي سر هزيمتنا وتخلفنا عن حركة العالم. استسلامنا لخطابها الغرائزي هو الذي سمح بكل اشكال الانقسام في داخل أوطاننا. ان سعينا لاستعادة حياتنا واستنقاذ مستقبلنا لن تنجح أبدا اذا هيمنت هذه الثقافة الغرائزية على محيطنا. لن ننجح أبدا في استرجاع ذاتنا التائهة ما لم ننظفها من وسخ الكراهية والتشفي والرغبة في اذلال الآخرين وإيلامهم.
الشرق الاوسط 18 نوفمبر 2015
http://aawsat.com/node/499641

14/10/2015

بدايات تحول في الازمة السورية


ليس في الافق حل سريع او سهل المنال للازمة السورية. لكن ثمة تحولات في المشهد لا ينبغي اغفالها اذا ما اردنا فهم مسارات الاحداث في الاشهر القليلة القادمة.
شهدت الاسابيع الثلاثة الماضية اربعة أحداث ، تشكل ما أظنه ابرز عناوين التحول في مسارات الازمة. لعل ابرزها هو التدخل العسكري الروسي ، ثم اعلان وزير الخارجية السعودي انفتاح الرياض على مبدأ المفاوضات مع بقاء بشار الاسد خلال فترة انتقالية محددة المدة ، واعلان الولايات المتحدة انزال خمسين طنا من الذخيرة والسلاح لقوات معارضة "صديقة" في الحسكة شمال سوريا. وأخيرا الانفجار الدموي في العاصمة التركية انقرة ، الذي ذهب ضحيته نحو 100 مدني.
الخطوتان الروسية والامريكية تندرجان تحت عنوان واحد هو تعزيز الموقف الميداني للقوى الحليفة. كانت واشنطن قد فشلت في مشروع سابق يتضمن انشاء فرقة عسكرية عالية التدريب ، وبات موضوعا للتندر ، بعدما انكشف ان جميع اعضاء الفرقة سلموا انفسهم وسلاحهم لقوى اخرى ، باستثناء اربعة افراد.
ارسال الذخيرة والسلاح الى قوى المعارضة التي وصفت بالصديقة ، يعني ببساطة ان واشنطن قررت التعامل مع الساحة كما هي ، ومن دون شروط مشددة ، كما فعلت في الماضي. بمعنى آخر فان الهدف المباشر للولايات المتحدة قد تحول من "تصنيع" قوة جديدة ، الى "توضيب" قوى قائمة وتعزيزها ماديا وسياسيا ، كي تكون إطارا يجمع الأطراف التي تقبل بخياراتها السياسية.
التدخل العسكري الروسي يعمل على نفس المفهوم. فغرضه اقناع الجميع بأن حكومة دمشق هي خيار موسكو النهائي ، وهي التي ستتفاوض على مستقبل سوريا.
تصريح وزير الخارجية السعودي في موسكو عن انفتاح الرياض على حل تفاوضي بين الحكومة السورية ومعارضيها ، يشكل تطورا هاما في الموقف العربي. من المفهوم ان دولا ثقيلة الوزن مثل مصر والجزائر تميل الى هذا المبدأ الذي يتيح اقتسام السلطة بين الموالين والمعارضين. هذا يعني ان ابرز الدول العربية تقترب من توافق حول مبدأ الحل السياسي ، الذي يتضمن معالجة منفتحة للعقدة التي عطلت حتى الآن انعقاد مؤتمر جنيف-3 ، اعني عقدة بقاء الرئيس السوري بشار الاسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية.
يتسق هذا الاتجاه مع الموقف الذي اعلنه يوم الاحد الماضي وزير الخارجية البريطاني حول "امكانية" القبول ببقاء الاسد لفترة محددة ، مع نقل صلاحياته الى حكومة توافقية.
اما في تركيا فقد قالت الحكومة انها تشتبه بقوة في مسؤولية تنظيم داعش عن انفجار انقرة الذي يعتبر الاكثر دموية منذ زمن طويل. من الطبيعي ان يتبع هذا الهجوم موقف مختلف تجاه ما يجري في جارتها الجنوبية. ليس سرا ان الموقف التركي تجاه القوى المتشددة في سوريا ، بما فيها داعش ، لم يكن صلبا بما يكفي. وقيل احيانا انها ربما تنظر الى الجماعات الاسلامية المقاتلة كمعادل – ولو مؤقت – للقوة الكردية التي تنامت على حدودها الجنوبية بشكل مثير للقلق في العامين الماضيين.
ثمة على الساحة السورية عشرات من المجموعات المقاتلة ، بينها اربع او خمس قوى رئيسية. واظن ان واشنطن ستسعى لفرز يؤدي الى قيام تحالف سوف يضم اسلاميين بالتأكيد ، لكنه يستثني "المقاتلين الاجانب". ان الهدف المباشر لهذا المسعى هو تشكيل جبهة قادرة على تقديم التزامات سياسية حين تبدأ مفاوضات الحل.
هذه ليست مهمة سهلة. لكن توافق الاطراف الاقليمية على المبدأ سوف يدفع بالتوافقيين الى الواجهة ، مما يجعل الحل السياسي الخيار رقم واحد ، في ساحة عجزت حتى الآن عن تحديد ما تريد وما لاتريد.
الشرق الاوسط 14-10-2015

01/07/2015

الحل يبدأ في الموصل

 

  ربما ننشغل كثيرا في البحث عن كلمات مناسبة لإدانة المجزرة ، التي ارتكبها تنظيم داعش في مسجد الإمام الصادق في الكويت. وعلى أي حال فقد فعلنا شيئا كهذا بعد الحادث المماثل في الأحساء قبل تسعة أشهر، ثم في القطيف والدمام.


حقيقة الأمر أن بعضنا يضع يده على قلبه خائفا ، من أن تأتي الجمعة التالية بمجزرة مماثلة في مسجد ما، في هذه المدينة أو تلك. بعض المتحدثين قال: إن «داعش» بدأ للتو في استهداف المجتمعات الخليجية. وهذا تقدير غير دقيق، فقد حاول سابقا، وحاول تكرارا. ونحمد الله أن مجتمعات الخليج وحكوماتها ما زالت مصممة على مقاومة هذا الوحش الأعمى.

أظن أن الهدف المباشر لتنظيم داعش ، هو التشكيك في قدرة النظام الاجتماعي على الصمود أمام العواصف الصغيرة. وهذا تمهيد ضروري كي يتخلى الجمهور عن إيمانه بالنظام العام والجماعة الوطنية، ويستبدل بها مبدأ «حارة كل من ايدو الو» حسب تعبير دريد لحام في واحدة من مسرحياته القديمة. هذه الحارة مثال لمجتمع مفكك يأخذ أعضاؤه حقهم بعضلاتهم وليس بالقانون، ويحكمه حملة السلاح وليس الإجماع الوطني أو الإرادة العامة، كما هو شأن الدول الحديثة والمجتمعات المتمدنة.

بعد عام كامل من إعلان «داعش» دولته المزعومة في الموصل، لم يعد ثمة شك في أن الدماء والخراب هي الوعد الوحيد لهذا التنظيم المتوحش. لا زلت واثقا أن مجتمعات الخليج ستقاوم هذا التوحش. لكني في الوقت نفسه أشعر – مثل جميع الناس – بأن علينا أن لا نستهين بقدرته على التمدد في أوصالنا وثنايا مجتمعاتنا. لقد قيل الكثير عن الثغراث وخطوط الانكسار التي يتسرب منها هذا الوحش. وعلينا أن نواصل البحث الجاد والعمل الجاد لسد تلك الثغرات.

لكن لعل من اللازم اليوم أن نتجه إلى رأس الأفعى أيضا، وأعني بها تنظيم داعش في العراق، وفي مدينة الموصل على وجه التحديد. في الأربعينات الميلادية كانت حركات التحرير الماركسية تتحدث عن الدولة - القاعدة كضرورة لتدعيم وتعزيز انتشار تنظيماتها في المجتمعات الأخرى. ويعرف جميع أصحاب التجارب الحركية أن وجود سلطة حليفة مستقرة على أرض، توفر دعما عظيما، ماديا ونفسيا وسياسيا، للتمدد والانتشار.

صحيح أن «داعش» تمدد في مساحة واسعة من الأرض السورية، فضلا عن انتشاره المادي في العراق وليبيا، وربما غيرهما. لكن «داعش» العراق هو الرأس وهو مصدر الخطر الحقيقي. «داعش» السوري ليس مستقرا ولا مستقلا عن عاصمته في شمال العراق. ولهذا فإن القضاء المبرم على هذا التنظيم يبدأ من رأسه أي من عاصمته في الموصل.

منذ احتلال هذه المدينة نهاية يونيو (حزيران) 2014 حاول العراقيون جهدهم، ولم يفلحوا في القضاء على رأس الأفعى. يمكننا أن نقول الكثير في فشل الحكومة العراقية وأسباب إخفاقها والمبررات التي طرحت لتركها وحيدة تصارع مشكلاتها. لكن الحقيقة الماثلة أمامنا اليوم تخبرنا ببساطة أن كل يوم إضافي يمضيه التنظيم في الموصل، يزيده قوة وقدرة على التمدد، ليس في العراق فحسب، بل في الخليج وشمال أفريقيا وصولا إلى أوروبا.

إنني أدعو دول الخليج خصوصا والدول العربية عموما إلى الوقوف صفا واحدا مع الحكومة العراقية، وتنظيم حملة كاسحة للقضاء على هذا التنظيم في العراق.

في رأيي أن تبادل اللوم مع العراق وكيل الاتهامات لحكومته، مهما كانت صحيحة أو جدية، ترف لا يحتمله الموقف الحرج القائم اليوم. لو واصلنا سياسة التفرج والانتظار فقد نضطر لمحاربة التنظيم، ليس في الموصل، بل في كل شارع ومدينة على امتداد الخليج.

دعونا إذن نصغي لدعوة الإمام علي بن أبي طالب «اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا».

حتى أسابيع قليلة كانت الموصل تبدو بعيدة جدا عن حدودنا، وكان «داعش» مجرد تهديد يلوح في الأفق. أما اليوم فالواضح أن المسافات طويت، وأصبح «داعش» تهديدا داهما وجديا. وقد رأينا فعله رأي العين في الكويت والسعودية وفي تونس ومصر، ولا نعلم أي هدف آخر سينضم إلى هذه القائمة خلال الأسابيع التالية.

رأس الأفعى يوجد في الموصل والقضاء على تهديد «داعش» يبدأ في الموصل. والطريق إلى ذلك هو الاصطفاف مع الحكومة العراقية، مهما كانت سيئة أو ناقصة أو معيبة، الاصطفاف معها في مهمة محددة، هي القضاء المبرم على إعصار التوحش الذي يوشك أن يقضي على مكاسب قرن من المدنية والنظام في بلادنا وجوارها.

الشرق الاوسط الأربعاء - 14 شهر رمضان 1436 هـ - 01 يوليو 2015 مـ رقم العدد [13364]

https://aawsat.com/node/396766

03/06/2015

اين كنا .. اين صرنا: كيف غير الارهاب همومنا ونقاشاتنا



لن ينهزم السعوديون امام الارهاب ، ولن يفرطوا في وحدة وطنهم وسلامه الاجتماعي ، مهما حاول "داعش" او غيره. هذا امر لا نقاش فيه ولا تبرير ولا أدلة. هو هكذا لأن السعوديين يريدونه هكذا. لن نسأل احدا ان كان هذا الايمان صالحا او غير صالح ، ولن نسأل احدا ان كان يصلحنا ام يضرنا. لقد سألنا قلوبنا تكرارا فوجدناها على الدوام معا في نفس الدائرة. تتمايز الوانها وتختلف وجوهها ، لكنها تبقى في الجوهر واحدة.
لكن الناس يتساءلون ، وهم على حق: ماذا دهانا ، وكيف صرنا نتلقى الصدمة تلو الصدمة ، فنكتفي ببليغ القول ونرفع اصواتنا بالدعوة لاستدراك الاخطاء ، ثم تمر أيام فننشغل بغير تلك  الصدمة ، وننسى الثغرات التي دخل منها غربان الشر ، ثم لا ننتبه الا بعد الصدمة التالية ، فنعيد الكرة ، وهكذا.
هل تحولنا من التفكير الجاد في فهم وتفسير مشكلاتنا الى التسلي بالكلام المكرر حول تلك المشكلات؟ ام عجزنا عن اصلاح امورنا ، فعوضنا عن هذا العجز بالبحث عن مشاجب نعلق عليها فشلنا او قلة رغبتنا في الاصلاح؟.
في مثل هذه الايام قبل اربعة اعوام كنا نناقش تصورات متقدمة حول المجتمع المدني والاصلاح السياسي والحريات العامة وحقوق الانسان ومكافحة الفساد وصيانة المال العام واصلاح التعليم وتطوير القضاء ومكافحة البطالة وتغيير المسار الاقتصادي ، وأمثال هذه القضايا الكبرى.
أما اليوم فصحافتنا مشغولة بالتنديد بالقتلة ،  ومجالسنا مشغولة بالجدل حول ما يجري في الاقطار التي حولنا. ويتبادل بعضنا رسائل التحذير من الفتنة... الخ. بعبارة اخرى فقد نسينا تماما التفكير في القضايا التي كنا نراها – قبل اربع سنين – رهانات تقدم في مجال الاقتصاد والمجتمع والتربية والادارة.
من المعلوم ان المنشغل بالقلق على وجوده لا يفكر الا نادرا في قضايا التطوير والتقدم. لكن اليس من المحتمل ان تناسينا لتلك القضايا ، ايا كان سبب هذا التناسي ، هو الذي أدى الى انشغالنا بالقلق على وجودنا ووحدتنا وسلامة مجتمعنا؟.
ليلة البارحة سألني صديقي: اليس من الممكن ان يكون سبب التراجع هو توقفنا في منتصف الطريق يومذاك؟. فحوى هذا السؤال ان المجتمعات المنشغلة بالتقدم تعالج مشكلاتها الكبرى ، فتنحل مشاكلها الصغيرة من دون عناء. اما حين تتخلى عن قضايا التقدم ، فسوف تنشغل بالمشكلات الصغيرة ، ومع مرور الوقت سوف تتضخم انعكاسات المشاكل الكبرى ، وينتقل تاثيرها من موضوعاتها الخاصة الى الوجود الاجتماعي والوطني بمجمله.
قضايا مثل الحوار الوطني والتعصب والتشدد الديني وتطوير التعليم ، كان ينظر اليها كعناوين لتحولات ضرورية في جوانب محددة من حياة المجتمع السعودي. لكننا لم نتقدم فيها الا قليلا. فها نحن اليوم نتحدث عن العلاقة المباشرة بين كل من هذه العناوين وبين الثغرات الامنية التي أدت الى مقتل عشرات من مواطنينا ، مدنيين وعسكريين ، خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة.
تلك القضايا كانت تعبيرا عن فهم محدد للمشكلات التي يواجهها بلدنا ، وقد ترتب عليه يومئذ ما يشبه الاجماع الوطني على طرق العلاج. لكن تناسينا لتلك القضايا وانشغالنا بما حولنا ، ادى واقعيا الى اهمالها او ابطائها. هذا ادى بطبيعة الحال الى انبعاث جديد للمشكلات التي كنا نريد علاجها يومذاك ، انبعاث في ثوب مختلف وبواجهات اكثر قسوة واشد ايلاما ، لأنها واقعة فعليا وليست مجرد استشراف للمستقبل كما كان الامر قبل اربع سنين.
الهجمات التي شنها "داعش" استثمرت ظرفا فوضويا ، هو احد نتائج الانهيارات السياسية في المحيط الاقليمي. واظن ان رد الفعل الاستراتيجي والصحيح على هذه الثغرة ليس أمنيا فقط ، بل بالعودة الى احياء قضايا الاصلاح الوطني ، واعادة الزخم السياسي والجماهيري لمشروع الاصلاح الذي شكل في وقت من الاوقات موضوعا للاجماع الوطني ورمزا لارادة الحياة والتقدم في بلدنا.
الشرق الاوسط 15 شعبان 1436 هـ - 03 يونيو 2015 مـ رقم العدد [13336]
http://bit.ly/1K2KISk

حكاية سعودية.. تحولات اياد مدني

  عدت في الايام الماضية الى كتاب الاستاذ اياد مدني "حكاية سعودية" الذي نشر العام الماضي باللغة الانكليزية. وهو من نوع الكتب التي ...