‏إظهار الرسائل ذات التسميات تازم الهوية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات تازم الهوية. إظهار كافة الرسائل

04/09/2012

حول الهوية الوطنية والهويات الفرعية وتعارضاتها



المواطنة ليست مجرد بطاقة تحمل اسمك او رقمك المدني . بل هي وصف مختصر للعلاقة التي تجمع بين ابناء وطن واحد ، وتضم خصوصا حقوق الفرد على المجتمع السياسي الذي ينتمي اليه ، وواجباته تجاهه. مجموع اعضاء المجتمع السياسي يشكلون ما يعرف اليوم باسم "الامة" او "الشعب".
هذه علاقة مستحدثة تاسست على ارضية القانون الاعلى لهذا المجتمع ، الذي نطلق عليه في المملكة اسم "النظام الاساسي للحكم" ، ويطلق عليه في البلدان الاخرى اسم القانون الاساسي او الدستور. لان العلاقة بين المواطنين قائمة على ارضية القانون ، فان اختلافهم في الدين او المذهب او العرق او الجنس لا يعني شيئا.
ليس لهذه العلاقة المستحدثة جذور في تاريخنا الثقافي. ولهذا كانت مورد خلط وجدل ، بين اولئك الذين يقفون على ارضية التراث القديم وهؤلاء الذين ينظرون الى الموضوع من زاوية معاصرة. واذكر ان الاستاذ احمد بن باز قد تعرض قبل عامين لبواعث الجدل بين الطرفين ، ولخصها في ثلاثة ، هي أ) الارضية المعرفية التي قام عليها المفهوم الجديد للوطن والمواطنة ، ب) القلق من التزاحم بين الانتماء الوطني ونظيره الديني. ج) الرفض المسبق للمفاهيم التي تعتبر "وافدة" ، اي تلك التي تبلورت في الاطار الثقافي او التاريخي الغربي.
أحمد بن عبد العزيز بن باز
ايا كان الامر ، فان مبدأ المواطنة ، والعلاقات القائمة على ارضيتها ، تمثل اليوم الرابطة الوحيدة او  الرئيسية بين الافراد وبين وطنهم. في هذا الزمان لم يبعد ثمة قيمة سياسية للقبيلة او المذهب او الاقليم. هذه الانتماءات تصنف الان كهويات فرعية او هويات ما قبل الدولة. وهي قائمة في المعنى الثقافي والاجتماعي ، لكنها مجردة من المضمون السياسي.
لا نقر طبعا بالتعارض بين الهوية الفرعية والهوية الوطنية الجامعة. وحين يشهد المجتمع تعارضا فعليا بين الاثنين، فيجب على النخبة ان تقرع اجراس الخطر ، فهو يشير الى خطأ ما ، في مكان ما ، يجب تداركه ، والا تحول الى خط انكسار في المجتمع السياسي.
لا يمكن تجريد الفرد من هوياته الصغرى او الفرعية ، فهي تمثل خلاصة تاريخه ، وهي الخيط الذي يربطه بمحيطه الاجتماعي . ولو حاولنا قسره على التنكر لاي من هذه الهويات ، فسوف نخرج بشخصية ممزقة او "نفس مبتورة" كما وصفها المفكر الراحل داريوش شايغان.
الحل الصحيح هو ترتيب العلاقة بين هذه الهويات على قاعدة الفصل بين وظائفها. تتركز الوظيفة السياسية في الهوية الوطنية التي تربط بين جميع اعضاء الوطن الواحد . بينما ينشط المضمون الثقافي والروحي كمحتوى رئيس للهويات الفرعية التي تجمع بين الفرد ومحيطه القريب ، سواء كان جماعة دينية او قبيلة او قرية او عرقا .. الخ.
هكذا فعلت المجتمعات المتقدمة التي واجهت اشكالية الهوية ، وهكذا نجحت في تلافي خطوط الانكسار. نحن لسنا بدعا من الامم ، ولا نحتاج لاعادة اختراع العجلة. في القديم والحديث ، كان اعقل الناس من قرأ تجارب غيره واتعظ بنتائجها.
الاقتصادية 4 سبتمبر 2012

مقالات ذات صلة

 

 انهيار الاجماع القديم

التفكير الامني في قضايا الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

شراكة التراب وجدل المذاهب

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

 من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

وطن الكتب القديمة

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الاقليات والهوية : كيف تتحول عوامل التنوع الى خطوط انقسام في المجتمع الوطني

أمين معلوف... الهويات القاتلة

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

حزب الطائفة وحزب القبيلة

حول الانقسام الاجتماعي

حول المضمون القومي للصحوة الدينية

حول الهوية الجامعة والهويات الفرعية ومفهوم الوطن

حول الهوية الوطنية والهويات الفرعية وتعارضاتها

الخيار الحرج بين الهوية والتقدم

عن الهوية والمجتمع

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

الهوية المتأزمة

23/06/2004

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

خطاب العنف هو ايديولوجيا قائمة بذاتها. وهو  - مثل سائر الايديولوجيات - يستثمر اللغة السائدة ورموزها ، ويعيد ‏انتاجها في قوالب جديدة تبرر اغراضه وتعلي قدره. الايديولوجيا نظام مفهومي - قيمي يميل بطبيعته الى تعميم ‏نفسه ، وادعاء القدرة على تفسير الانسان والاشياء والعالم ، باعتماد نموذج تحليلي صارم يطبق على الجميع .

في المقابل ، يميل التدين المدني المعتاد الى تفسير كل عنصر من عناصر الحياة بصورة موضوعية ، اي من خلال النظر اليه ‏كموضوع خاص له معاييره وادوات التفسير الخاصة به. ولهذا يقال بان الايديولوجيا حجاب الحقيقة . لانها ‏ببساطة تصور الواقع على نحو افتراضي يخالف حقيقته. ونجد ابرز تمثلات هذا في منظور دعاة العنف ‏لمواطنيهم ، فهؤلاء لا يظهرون في ادبيات المجموعات الايديولوجية كشركاء واخوة ، بل كعلمانيين ومتغربين ‏ومبتدعة.. الخ ، اي كأعداء. على رغم ان شراكة الوطن لا تسمح بغير علاقة الشراكة ، والا كان المصير هو انهيار ‏السلام الاهلي وطغيان العنف المتبادل.‏

تعيد الايديولوجيا بناء ذهنية الفرد الذي يقع تحت تاثيرها ، فتحوله من فرد مدني ، او – حسب تصوير الفلاسفة ‏‏- كائن مدني بطبعه الاولي ، الى فرد ايديولوجي يهتم بالحدود التي تفصله عن الغير ، اكثر من اهتمامه بالمشتركات ‏التي تجمعه واياهم. ذهنية الفرد هي منظومة القيم والمفاهيم التي على ضوئها يصف الفرد نفسه لنفسه، ‏ويحدد المسافة بينه وبين الغير. تتشكل هذه المنظومة بتاثير عوامل مختلفة اجتماعية وثقافية واقتصادية. تاثير ‏الايديولوجيا على الذهنية يتحدد في اعادة ترصيف تلك المكونات وربطها بمعايير الايديولوجيا نفسها ، وعندئذ ‏فان الفرد يتناسى المعايير الموضوعية في تقييم علاقته مع الغير، اي يغفل كون هذا الغير حسن الخلق امينا ‏مهذبا متعلما ناجحا ، ويركز على موقفه من تلك الايديولوجيا الخاصة ، اي مع او ضد. ‏

خطورة خطاب العنف تكمن في قيامه على ايديولوجيا لبست رداء الدين. وأقول انها لبست رداء الدين لان ‏الناس لم يكونوا كفارا فاسلموا ، بل ان التدين اتخذ نموذجا خاصا ، يمكن تمييزه بوضوح عن التدين الاجتماعي ، ‏الذي كان متعارفا قبل اوائل الثمانينات الميلادية. في هذا النموذج يجد الانسان نفسه مسوقا الى تحديد هويته ‏، انطلاقا من معايير الايديولوجيا التي تركز على تعريف الاخر كعدو ، وهذا هو الفارق الجوهري بين فكرة الولاء ‏والبراء الايديولوجية ونظيرتها الدينية.‏

تفكيك خطاب العنف يبدأ بتفكيك الايديولوجيا التي توفر له المبررات ، وتحمله الى عقول الناس وقلوبهم . ‏تكشف تجارب العالم ان تفكيك الايديولوجيا لم يكن مهمة شاقة. سهولتها تكمن في اتكالها على صور افتراضية ‏عن الواقع ، ولهذا فان الخطوة الحاسمة لتفكيكها ، تتمثل في كشف الواقع امام الناس ، بمن فيهم اولئك الذين ‏يحتمل ان يقعوا تحت تاثيرها. ليست ايديولوجيا الارهاب التي نواجهها اليوم اكثر قوة وتماسكا من الايديولوجيا ‏الشيوعية في اوربا واسيا . لقد تفككت هذه الايديولوجيا خلال زمن قياسي ، حينما توفرت الفرصة للتعددية ‏الثقافية وحرية التعبير ، والغيت القوالب القسرية التي تقيد السلوك الاجتماعي للافراد. ينطوي المجتمع على ‏امكانات ثقافية هائلة ومتنوعة ، يمثل كل منها تحديا جديا لخطاب العنف . كما يمثل – من زاوية اخرى – احد ‏وجوه الواقع الذي تنكر ايديولجيا الارهاب وجوده . ‏

تحرير السلوك الاجتماعي من قيود التقاليد والايديولوجيا ، سوف يؤدي هو الاخر الى اشاعة الخطاب الذي يؤمن ‏بالحياة المدنية الطبيعية ، ويميل الى التساهل مع الذات والغير . وطبقا للدراسات المتوفرة عن تجارب التحول ‏الاجتماعي في بلدان مختلفة ، فان ازالة القيود المفروضة على الحريات الاجتماعية ، قد ادت مباشرة الى تعاظم ‏الامل في المستقبل وازدياد الثقة في النظام الاجتماعي. وكلا العاملين ، الامل في المستقبل والثقة ، يلعبان دورا ‏معاكسا تماما لما تبشر به ايديولوجيا الارهاب ، فهما يعززان الميل الى التصالح والتساهل ويضعفان جانب ‏المنازعة في شخصية الفرد . واظن ان جانبا كبيرا من التوتر النفسي الذي يستثمره الارهابيون ، هو ثمرة لضيق ‏مساحة الحريات الاجتماعية. ولهذا فان اطلاقها سيكون الخطوة الاولى لاعادة غول العنف الى قمقمه.‏


الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...