‏إظهار الرسائل ذات التسميات الولاية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الولاية. إظهار كافة الرسائل

04/09/2009

دعوة لاستقالة المرأة



يعتزم عدد من النساء السعوديات تنظيم حملة بعنوان "ولي امري ادرى بامري". وخلفية الحملة كما تقول السيدات الفاضلات هو مقاومة التيار التغريبي الذي بدأ يؤثر بقوة في المجتمع السعودي ، تاثيرا يزاحم التقاليد المقيدة لحركة النساء ، ولا سيما تلك التقاليد المحمية بالقانون . ولم يثر هذا الاعلان حماسا كبيرا في الشارع السعودي ، حتى بين اولئك المصنفين عادة ضمن الفريق التقليدي الذي يتبنى عادة مثل هذه الافكار.

وأظن ان معظم الناس سوف ينظر باستهجان الى هذه المبادرة ، لانها تأتي في الاتجاه المعاكس تماما لتطلعات المجتمع ولا سيما نصفه النسائي. في كل دول العالم تتمتع المرأة بحد ادنى من الحقوق مثل الاعتراف بوجودها المستقل وتساويها مع الرجال في حقوق التملك والتعليم والوظيفة واختيار شريك الحياة. لكن بالنسبة للمجتمع السعودي فان هذه الحقوق الاولية ليست منجزة . ثمة شريحة واسعة من التقاليد والاعراف الموروثة تشدد على تبعية المرأة للرجل ورهن حصولها على حقوقها بموافقته .

وقعت المملكة على عدد من الاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق النساء واهمها ربما هو "العهد الدولي لازالة كل اشكال التمييز ضد المرأة" المعروف اختصارا باسم "سيداو". كما ان الحكومة اقرت في اوقات مختلفة اجراءات يفترض ان تسهل للنساء التمتع بتلك الحقوق الاولية . لكن معظم تلك الالتزامات بقيت حبرا على ورق بسبب مقاومة فريق من التقليديين المتشددين الذين يخشون من ان اي تنازل مهما كان صغيرا سوف يتحول الى سيل لا يمكن مقاومته .
وقبل عامين قرر وزير العمل الزام المتاجر التي تبيع ملابس نسائية داخلية بتوظيف سيدات ، وكان متوقعا لهذا القرار ان يسعد التقليديين الذين يشكون من تفشي الاختلاط في الاسواق . لكن على خلاف المتوقع ، قاوم هؤلاء قرار الوزير بشدة حتى اوقفوا تنفيذه . وقيل يومئذ انهم استندوا الى تحالف غير معلن مع التجار الذين يرفضون تحميلهم اعباء جديدة . المبرر الوحيد الذي طرحه اولئك هو ان قرار وزير العمل سوف يشجع النساء على الخروج من بيوتهن للعمل ، وهذا يخالف تفسيرهم للاية المباركة "وقرن في بيوتكن".

يمكن النظر الى حملة "ولي امري ادرى بامري" من زاويتين متعاكستين . من الزاوية الاولى يمكن ان ترى فيها تبريرا اضافيا لحرمان المرأة من حقوقها الاولية ودعما للاتجاه التقليدي الذي يقاوم كل تحرك في الاتجاه الايجابي ، حتى ضمن المستويات البسيطة التي تطالب بها النساء السعوديات مثل حق التملك واختيار التخصص العلمي والوظيفة والسفر. لكن يمكن النظر اليه من زاوية معاكسة تتمثل في كونه مبادرة نسائية ربما تستنهض مبادرات موازية في نفس الاتجاه او في الاتجاه المعاكس.

في الوقت الحاضر لا تشارك المرأة السعودية في اي من النشاطات التي تصنف ضمن مفهوم "المجتمع المدني" ، ولهذا فان اي مبادرة او نشاط نسائي سوف يكون موضع ترحيب لانه سيكون امثولة ونموذجا واقعيا يشجع السيدات اللاتي يرغبن في التعبير عن رايهن والمشاركة في النقاشات والنشاطات الاجتماعية . حتى الان فشلت كل المحاولات لاطلاق حركة نسائية على المستوى الوطني بسبب صعوبة البداية وقلة النماذج التي تشير الى جدوى مثل هذا العمل . من هذه الزاوية فقط فان تلك المبادرة ، مهما كان رأينا فيها ، تستحق الاهتمام والتشجيع ، لانها تقدم نموذجا للاخريات عن امكانية قيام النساء باطلاق حركة تعبر عن تطلعاتهن . طالما قام احد بهذا العمل فان الاخريات يستطعن القيام بمثله .

الفكرة التي تطرحها الحملة هي تاكيد على استقالة المرأة من مسؤولياتها ، تحت مبرر انها عاجزة عن ادارة حياتها بمفردها . انها – حسب راي اولئك السيدات – لا تدري عن امرها ، ربما لا تملك القدرة الذهنية او الروحية التي تتيح لها انتخاب الخيارات المناسبة لحياتها . وبالتالي فمن الافضل الاستمرار في التقاليد الحالية التي تؤكد على ان الرجل ، سواء كان ابا او زوجا او اخا ، هو المخول بالتفكير واتخاذ القرار فيما يخص حياتها .

هذه بطبيعة الحال دعوى قديمة وسخيفة ، واظن ان كل من تامل فيها سيقابلها باستهجان وربما يسخر ممن اطلقها . لكنها على اي حال فكرة مطروحة ويدافع عنها فريق في المجتمع يستند الى اعراف راسخة وتفسيرات لنصوص دينية او اراء لعلماء . ولهذا فانها تستحق النقاش.
الايام  4 سبتمبر 2009

24/08/2009

«ولي أمري أدرى بأمري»: زاوية مختلفة



حملة «ولي أمري أدرى بأمري» تستحق التقدير والإشادة لسبب وحيد هو كونها أحد البواعث المحتملة لقيام الحركة النسائية التي نعتقد أنها ضرورية للمجتمع السعودي. بعض القراء سوف يغرق في الضحك من هذا التحليل. لكن دعنا نؤخر الضحك إلى النهاية لعلنا نكتشف أسبابا أخرى أو نعيد النظر. وأشير هنا إلى نقطتين: 

تتعلق الأولى بمشاركة المرأة في الشأن العام، والتي تعتبر مسلمة معروفة في تجارب التنمية البشرية أو الشاملة. تمكين المرأة يعني تمكين نصف المجتمع، وهو يكتسي أهمية خاصة في المجتمعات التقليدية نظرا لأن معظم الجهد التنموي يستهدف إعادة توزيع القيم وتجديد التقاليد الاجتماعية بما يناسب الحياة المعاصرة. أما النقطة الثانية فتتعلق بالحركية الاجتماعية social mobility التي تعتبر معيارا لقابلية المجتمع للتغيير والتطور. الحركية الاجتماعية في أرقى أطوارها تتمثل في تحول بعض شرائح المجتمع من منفعل سلبي بنشاطات الآخرين إلى فاعل أو مشارك في الفعل.

 إذا تزايدت الشرائح التي تقوم بمبادرات وتسعى للتأثير في المجال العام، فإن المجال العام بذاته سيكون نشطا ومتنوعا. كل مبادرة تولد حراكا في جانب يستنهض حراكا موازيا، مماثلا أو معاكسا. ويفتح الطريق أمام أنواع جديدة من المبادرات. مسمى المبادرة التي نتحدث عنها اليوم وأسماء المشاركين فيها ليست مهمة، حجمها عند الولادة ليس معيارا، أهدافها المعلنة ليست مؤشرا نهائيا على طبيعتها. ما هو مهم هو نفس المبادرة والتموج الذي نتوقع أن يحدث بعد قيامها.


تاريخيا كان الدور الاجتماعي للمرأة السعودية محدودا أو معدوما. وأقصد بالتحديد دورها كفاعل اجتماعي أو كصانع لتيار اجتماعي. النشاطات القليلة التي قامت بها السيدات السعوديات كان أغلبها ملحقا بنشاطات رجالية أو خاضعا لأجندات رجالية.

 المجتمع السعودي بقي خاليا من حركة نسائية مثل تلك التي نعرفها في البلدان المجاورة وبلدان العالم الأخرى. الثقافة العامة والتقاليد الموروثة أعطت للرجال احتكارا فعالا وكاملا للمجال العام وما يدور فيه من نشاطات. ونتيجة لهذا لا ينظر المجتمع السعودي إلى المرأة كعامل تأثير في الثقافة أو الحركة الاجتماعية أو منظومات القيم. بل إن كل شيء يتعلق بالمرأة نفسها يصدر عن الرجال، من معايير السلوك إلى الثقافة إلى القرار...إلخ.

المبادرة الجديدة تقدم فرصة لتغيير في المعادلة القائمة، أي المعادلة التي تفرض على النساء البقاء في الصفوف الخلفية وانتظار أن يحدد لهن الرجال أدوارهن وأعمالهن وطريقة تفكيرهن ونظام معيشتهن. أفهم بطبيعة الحال أن مبادرة بهذا الحجم الصغير لن تصنع ذلك التغيير، كما أن هذه المبادرة بالذات تؤكد على بقاء النساء في الصفوف الخلفية، ولذلك فليس متوقعا أن تقود بذاتها إلى عكس ما تسعى إليه. لكني أنظر ـــ كما أسلفت ـــ إلى المبادرة من حيث هي، وإلى التموجات الموازية التي يمكن أن تحدثها. المبادرات التأسيسية، أي تلك التي تنطلق من واقع جامد أو متوقف، تعطي للجميع نموذجا محتملا. 

إذا دعوت الناس إلى تحمل المسؤولية في مجتمع ساكن، فسوف يتردد معظمهم وسوف يحتجون بصعوبة العمل أو استحالته. سيقول لك الناس: لو كانت الدعوة عملية وواقعية أو ممكنة لتسابق إليها عشرات من الناس. انكفاء الناس جميعا دليل على وجود مانع حقيقي، قد يكون القانون أو العرف أو رد فعل المجتمع أو أي عائق آخر، المهم أن انعدام النموذج يساوي ـــ في رأي الناس ـــ عدم إمكانيته أو عدم جدواه.

لهذا السبب، ولهذا السبب فقط، أجد في حملة «ولي أمري أدرى بأمري» إشارة تبعث على التفاؤل، وأعتقد أنها ستفتح الباب أمام مبادرات موازية، مماثلة أو معاكسة كما أشرت.

أفهم أن هذه المبادرة تنطلق من مفهوم رجعي أو نكوصي للعلاقات الاجتماعية، ولهذا السبب ربما اعتبرها بعض الناشطين والناشطات معيقا للتطور. ومع تقديري لهذا القلق، فقد فضلت مناقشة الحدث من زاواية مختلفة. أما مناقشة مضمون الحملة فسوف أتركها لمقال مقبل بعون الله.
الاثنين, 24 أغسطس 2009 

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...