‏إظهار الرسائل ذات التسميات المشاركة الشعبية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المشاركة الشعبية. إظهار كافة الرسائل

18/02/2015

عباءة السلطان

زبدة القول ان الاستقرار السياسي رهن بواحد من ثلاثة نماذج في ادارة المجتمع: أ) القمع العشوائي الذي يكسر نفوس الناس وأحلامهم. ب) توافق جمعي على تصور واحد عن المستقبل. ج) سعة الخيارات المتاحة في المجال العام ، كي يحقق الناس ذواتهم وتطلعاتهم بانفسهم.

علاقة المجتمع بالدولة قد تكون علاقة تغلب مطلق ، تعتمد استعمال مصادر القوة العامة في إخضاع الناس لمشيئة النخبة الحاكمة دون مساءلة او حساب. او تكون علاقة مغالبة بين المجتمع والدولة وهو ظرف اختلال توازن القوى بين الطرفين وانعدام التراضي بينهما. وهذا هو الحال الذي يغذي عوامل الاضطراب السياسي. او تكون علاقة مبنية على نموذج توافقي للحياة العامة وعمل الدولة.

لا توجد حكومة في العالم كله تتبنى علنا النموذج الاول. ولا يوجد مجتمع في العالم كله يرضى بهذا النموذج. لأنه ببساطة لا يليق بانسانية الانسان. لكنه قد يوجد كمضمون واقعي للعلاقة ، مغطى بعباءات مختلفة ، من أهمها ربما "وهم" الهدف المشترك الذي تدعي الدولة انها تحققه للناس.

تتضح حقيقة هذا الوهم من مقارنة النموذج السوفيتي قبل انهيار الاتحاد في 1991 بنموذج اقتصاد السوق الشائع في الدول الصناعية. معظم مواطني الاتحاد السوفيتي كانوا يشعرون بالامان المعيشي ، نظرا لالتزام الدولة بتوفير حاجاتهم الاساسية ، وابرزها التعليم والصحة والسكن والعمل.

لكن هؤلاء المواطنين انفسهم قرروا التخلي عن النموذج السوفيتي. وفي الانتخابات التالية ، لم يحقق الشيوعيون نجاحات تذكر رغم تركيزهم على الصعوبات الحياتية التي واجهها الروس بعد تخلي الدولة عن نظام التخطيط المركزي. فقد صوت غالبية الناخبين لصالح الاحزاب التي تعد بنموذج اكثر ليبرالية او تتبني تحرير الاقتصاد. ويبدو ان هذا هو الاتجاه العام في العالم كله هذه الايام.

السبب بساطة هو ايمان الناس بقدرتهم على صناعة حياتهم بأنفسهم ، ورغبتهم في ان تتركهم الدولة وشأنهم ، بدل ان تجعل نفسها رقيبا عليهم وأبا وأما لهم. لا يريد الناس العيش في ثياب آبائهم ولا يريدون البقاء في أحضان أمهاتهم ، بل يريدون تحقيق ذواتهم وتطلعاتهم بأنفسهم.

نحن إذن نتحدث عن نموذج للحكم يتيح خيارات واسعة ومتنوعة للناس ، مع تقليص التدخل الحكومي الى ادنى الحدود الممكنة.

ليس هذا سهلا في المجتمعات الشرقية ، التي تقدس العيش في عباءة السلطان او تحت ظلاله. لكنه يبدو الخيار الاسلم في مثل هذه الأوقات. لا يمكن لأي دولة ان تلبي حاجات الناس جميعا ، ولا يمكن لأي دولة ان تقمع الناس جميعا. ولدى العالم العربي ما يكفي من التجارب في هذين السياقين.

تجربتنا وتجربة العالم تؤكد انه كلما زاد تدخل الدولة في حياة الناس درجة ، انتج بالضرورة عامل احتكاك جديد بينهم وبينها. ومع تزايد هذه العوامل تتحول العلاقة الى مغالبة وتتحرك عوامل الانشقاق السياسي والاضطراب. والبديل عن هذا البؤس لا يستدعي زيادة في البيان.

الشرق الاوسط  18 فبراير 2015

http://aawsat.com/node/292156

08/04/2014

حين تكون في "الجماعة" وحين تصبح خارجها


"تنوع" ليس اول مشروع شارك فيه ياسر الغرباوي. فقبلها كان عضوا فاعلا في الجماعات الطلابية الاسلامية التي تنظم نشاطات محورها التثقيف الديني واقناع الطلبة بالتزام احكام الشريعة ، فضلا عن مصارعة التيارات الاخرى المنافسة - سياسيا او اجتماعيا - للتيار الديني الحركي. خلال هذه السنوات حصد ياسر ورفاقه مكاسب كثيرة ، كما واجهوا اخفاقات عديدة. وفي نهاية المطاف ، حين عاد للتأمل في مسيرته ، وجد انه ورفاقه لم يفعلوا شيئا سوى تكرار ما يفعله الجميع. هذا اشبه بزرع شجرة جديدة وسط الغابة او سكب سطل ماء في النهر. سأل ياسر نفسه: هل هذا هو الامل العظيم الذي راود نفسه التائقة للابداع والمشاركة في تغيير العالم؟.
هذه الاسئلة فتحت ذهنه على الخيارات البديلة ، اي الواقع المتنوع خارج "الجماعة".

حين حرر ذهنه من ذلك الاطار ، اكتشف قضايا في مصر اكثر اهمية ومشكلات اكثر حرجا ، لم تطرح ابدا وسط "الجماعة" ، ولا وردت في ادبياتهم ، ولم يعتبرها احدهم موضوعا يستحق التوقف ، مثل الفقر والفساد والطبقية والبطالة والاحباط الخ.
سأل ياسر نفسه: هل ستنتهي هذه المشكلات لو اصبح الناس اكثر تدينا؟.
لكن السؤال الذي الح على نفسه اكثر هو: اي من مشكلات البلاد يمكن لشاب مثله ان يشارك في حله؟.
في هذه المرحلة تعرف ياسر على المسألة الطائفية. رغم اقرار الدستور المصري بالحقوق المتساوية للمواطنين ، الا انه اكتشف للمرة الاولى ان الاقباط لا يعاملون – من جانب الحكومة – كمواطنين طبيعيين. ثمة تمييز مقنن ومكتوب ، وثمة تمييز متعارف عليه لكنه غير مكتوب ، يمارس ضد المواطن المسيحي فيما يتعلق بمكان عبادته وفي فرصته للمنافسة على الوظائف العامة وفي تعبيره عن رايه ومعتقده. في احدى المناسبات – يقول ياسر – قررت ان ارى كيف يعيش جيراني الاقباط. دخلت كنيسة. اخبرني القسيس انه كان قائدا لاحدى الكتائب التي اقتحمت خط بارليف في حرب اكتوبر 1973 ، بعد نهاية الحرب كوفيء جميع ضباط الفرقة التي تتبعها الكتيبة بوسام الشجاعة ونجمة اكتوبر ، عدا الضباط الاقباط وهو احدهم. حينها فهم ان كونه مصريا شجاعا لا يكفي كي يعامل مثل زملائه المسلمين. يومئذ قرر ترك الجيش والعمل قسيسا.
اسس ياسر وعدد من رفاقه مركز "تنوع" من اجل كشف واقع التمييز وفضح تجار الكراهية ، الذين يستعملون الدين لتفريق الناس وتبرير التمييز ضدهم. شارك في المركز شبان وشابات ، مسيحيون ومسلمون ، عملوا معا للتشهير بالكتاب والخطباء والشيوخ والقساوسة الذين يروجون الكراهية الدينية ، ومسؤولي الدولة الذين يمارسون التمييز الطائفي ، في الجانب القبطي والمسلم على السواء.
منذ تاسيسه قبل بضع سنوات ، انضم لمركز "تنوع" مئات من الشباب ، وتعاون معه الاف غيرهم. هذا النشاط نموذج على ان الجيل الجديد قادر على المساهمة في تغيير عالمه حين يحسن الاختيار.
الاقتصادية 8 ابريل 2014
http://www.aleqt.com/2014/04/08/article_839514.html
مقالات ذات علاقة


17/09/2013

الايديولوجيا والسياسة

يتحدثون الان عن عصر ما بعد الاصوليات. الفرضية السابقة هي ان الاسلاميين عاجزون – ايديولوجيا – عن المشاركة النظيفة في اللعبة الديمقراطية.
اميل الى الاعتقاد بان الربط بين ايديولوجيا الحاكم وسلوك الحكومة ، امر لا يخلو من مبالغة. يمكن تقدير قابلية هذه الجماعة او تلك للالتزام بنمط معين في العمل السياسي ، انطلاقا من تصورنا لثلاثة عوامل:
1- الثقافة السياسية : وهي خلاصة التجربة التاريخية لهذا البلد. ثمة بلدان لا يتصور قيام الدكتاتورية فيها ، حتى لو حصل فريق محدد على القوة المادية التي تمكنه من التسلط. وثمة بلدان على الخط المعاكس ، لا يتصور انتقالها الى ديمقراطية مفتوحة ، لان تجربتها التاريخية قصر على نظام التغلب او الاستبداد الفردي. فحتى لو تبدل القانون ، فان مؤسسات المجتمع التقليدي ستبقى موجها لحركة السياسة. ذلك ان نتاج التجربة التاريخية اكثر تاثيرا من المتبنيات النظرية ، سيما الجديدة منها. وليس ثمة فرق في هذا الجانب بين الاسلامي واليساري والليبرالي .
2- الكفاية الاجتماعية : التي تظهر في طبيعة العلاقة السابقة بين المجتمع والدولة. فكلما كان المجتمع قادرا على حل مشكلاته بنفسه ، كانت الديمقراطية اقرب منالا ، واقوى في الصمود امام طلاب التسلط والاستبداد. اما اذا كان المجتمع معتمدا بالكامل على الدولة ، فان التوازن سيكون راجحا لمصلحة القابضين على ازمتها ، وسيكون في وسعهم الانقلاب على الشعب في اي وقت شاؤوا. وهنا ايضا لاتجد فروقا حقيقية بين تيار اجتماعي وآخر ، فالانسان هو الانسان ، ومن ملك استأثر.
3- المشاركة الشعبية:  المجتمعات التي يشارك جمهورها بفاعلية في الحياة السياسية ، اقدر على تطوير نظام يعتمد الفصل بين السلطات ، والمحاسبة والتداول السلمي للسلطة. البلدان التي تنشط فيها منظمات المجتمع المدني. تضطر حكوماتها الى مراعاة المزاج الشعبي. بخلاف البلدان التي لا يشارك جمهورها في الحياة السياسية بنشاط ، فهي تمثل احتمالا اكبر لظهور الميول التسلطية في الجماعات السياسية.
الخارطة السياسية في البلدان العربية متشابهة الى حد كبير. سترى في جبهة الديمقراطيين تمثيلا لجميع التيارات الفكرية ، وترى نظائرها ايضا في الجبهة المعادية للديمقراطية. تجربة التاريخ القريب تعطي ادلة قوية على ان الاسلاميين لم يكونوا اسوأ من غيرهم في ممارسة السلطة.  فقد استخدموا الجيش مثل غيرهم. واستخدموا صناديق الاقتراع مثل منافسيهم.
زبدة القول ان الممارسة السياسية لا تعبر
عن الايديولوجيا ، الا بقدر ضئيل يصعب الاستدلال به في الحكم على هذه الايديولوجيا . ولذا فان الحكم بعجز الاسلاميين عن التزام قوانين اللعبة السياسية ، قابل لان ينسحب على كل فريق آخر. في كل تيار سياسي ، وفي كل مدرسة فكرية ، ثمة انواع من الناس والتوجهات تنتمي لبيئتها ، وتتاثر في سلوكها السياسي بمعطياتها. السياسة تصنع في مطبخ البيئة الاجتماعية والتجربة التاريخية ، وليس في مدارس النظرية.
http://www.aleqt.com/2013/09/17/article_786304.html

04/06/2013

الجمعيات الاهلية : الترخيص في غياب القانون


 (1)
فلنفترض ان عدة مواطنين شكلوا جمعية اسمها جمعية الادباء او جمعية البيئة او جمعية حماية الثروات العامة ... الخ . فهل سيعاقب هؤلاء او يجبرون على حل جمعيتهم؟.
لو طالعنا الوجه القانوني للمسالة، فهل يصح منع الناس من تشكيل تلك الجمعيات ، علما بانه لا يوجد – حسب علمي – اي نظام ينص على منعها ، او يحدد عقوبة على هذا الفعل؟.
النظام الاساسي للحكم ، اعلى قانون للبلد ، ينص صراحة في المادة 38 على انه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي، أو نص نظامي، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي". ومعنى هذا ان اي فعل لم يجر منعه بنظام صادر عن مجلس الوزراء ، فهو مباح ، ولا يجوز لاي هيئة حكومية منعه، فضلا عن معاقبة الفاعل.
(2)
الكلام السابق كله نظري ، ينطلق من فرضية صحيحة ، فحواها ان البلد يحكم بالقانون. لان القانون هو الضمان الوحيد لمنع تحكم الميول والاهواء الشخصية ، ولانه الحكم الفصل بين الناس ، الضعفاء والاقوياء ، الحكام والمحكومين.
لكن واقع الحال ينبئنا بغير ما افترضناه. فثمة اناس ارادوا تشكيل جمعية للمحامين فقيل لهم "لا بد من ترخيص" ، وثمة من اراد تشكيل جمعية للاعلاميين والكتاب ، فجوبه بجدار "لا بد من ترخيص" ، وحاول مجموعة شبان نابهين تنظيم جمعية للتوعية البيئية ، فقيل لهم "لا بد من ترخيص".
ها انا اسأل الان: ما هو النص القانوني الذي يستند اليه حراس بوابة "الترخيص"؟ . هل لدينا نظام صادر حسب الاصول ينص على منع تشكيل منظمات المجتمع المدني وجمعيات العمل التطوعي؟.
ومع العلم بعدم وجود نظام كهذا ، افلا يعتبر منع الناس من تشكيل جمعياتهم، مخالفة مباشرة لنص صريح في النظام الاساسي للحكم؟
(3)
لماذا نقول هذا الكلام؟
نقوله لان مئات من الناس يريدون فعليا المساهمة في تنمية مجتمعهم ، من خلال جمعيات للعمل التطوعي الاهلي. لكن "نظام الجمعيات الاهلية" الذي يفترض ان ينظم هذا النشاط ، لازال منذ نهاية 2010 حبيس درج ما في مجلس الوزراء ، بعدما دار اربع سنين ، بينه وبين مجلس الشورى ، حتى اقر بصيغته النهائية.
مسارعة مجلس الوزراء باصدار هذا النظام هو الحل الوحيد للخلل القانوني المتمثل في منع الناس من حق لهم ، دون سند قانوني. واذا لم يشأ المجلس اصدار النظام ، فيجب ترك الناس يقيمون جمعياتهم ، فهذا هو معنى المادة 38 من النظام الاساسي للحكم.
نطالب الناس بالتزام حدود القانون ، كما نطالب اجهزة الدولة قبل ذلك بان لا تقوم بعمل ، او تمتنع عن عمل ، ينطوي على مخالفة لاعلى نظام في البلد. هذا ما نسميه سيادة القانون.
الاقتصادية 4 يونيو 2013
مقالات ذات علاقة


26/03/2013

حول جاهزية المجتمع للمشاركة السياسية




كتاب "الثقافة المدينية =  The Civic Culture " كان ثمرة لابحاث ميدانية في خمسة مجتمعات متباينة ، استهدفت الاجابة على سؤال: هل ثمة علاقة بين الثقافة العامة للمجتمع وبين وضعه السياسي؟
انجز هذا البحث عالمان امريكيان هما غابرييل الموند وسيدني فيربا ، واصبح منذ نشره في 1963 مفتاحا رئيسيا في فهم العوامل البنيوية/غير السياسية المؤثرة في التنمية السياسية. قبل ذلك كانت بحوث التنمية تميل  الى التركيز على دور التحولات الاقتصادية ، وتبعا لها التطور القانوني والاداري لمؤسسة الدولة ، باعتبارها حجر الرحى في النمو الاجتماعي/السياسي.
Sydney Verba
تعبير "الثقافة" الذي نتداوله يشير عادة الى المعرفة المؤطرة في وسائل منظمة مثل الكتب والمحاضرات والنقاشات العلمية ، ويطلق على هذا المستوى احيانا اسم الثقافة العالمة. اما مفهوم "الثقافة" المتداول بين علماء الاجتماع فيركز على الخلفية الذهنية للافراد. تتشكل ذهنية الفرد كمحصلة للتجارب الشخصية، الذاكرة التاريخية، العوامل البيئية ، والتصويرات الرمزية لمجموع هذه العوامل. الذهنية - او العقل الباطن كما تسمى احيانا – تحدد ما لا يقل عن 90 بالمائة من افعال الفرد وردود فعله العفوية.
الثقافة السياسية لاعضاء مجتمع ما هي التي تحدد فهمهم للدولة ودورها: (تؤثر في حياتهم ام لا تؤثر ، تمثلهم ام تسيطر عليهم). كما تحدد مشاعرهم تجاهها (حب او كره ، تعاطف او ارتياب). اضافة الى تقييمهم لادائها (دون المتوقع او مطابق له او افضل منه ، مساعد لمصالح الجماعة او معيق).
توصل الباحثان الى تقسيم ثلاثي للمجتمعات بحسب ثقافتها السياسية:
Gabriel Almond
 أ) مجتمعات تجهل تماما دور الدولة في حياتها ، وربما لا تعي اصلا بالفارق بين وجود الحكومة وعدمه. اطلق على هذا الصنف اسم الثقافة الانعزالية.
 ب) مجتمعات تدرك وجود الدولة والقوى السياسية الاخرى وتتلقى تاثيراتها. لكن رد فعلها فاتر ، او ربما معدوم. فهي لا ترى نفسها قادرة على الفعل والتأثير ، او انها لا تعتبر الدولة قابلة للتاثر بنشاط الجماعة. واطلق على هذا الصنف اسم الثقافة المنفعلة.
ج) مجتمعات تتفاعل مع الدولة والقوى السياسية الموازية: تستقبل تاثيراتها وتسعى ايضا للتاثير عليها. لانها تنظر الى نفسها كجزء من العملية السياسية القائمة ، كفاعل قادرعلى المشاركة والتاثير. واطلق على هذا الصنف اسم ثقافة المشاركة.
تجربة البحث الميداني قادت الاستاذين الموند وفيربا الى الاعتقاد بان تبلور ثقافة سياسية من المستوى الثالث (المشاركة) هي ابرز عوامل التحول الديمقراطي. حين يدرك المجتمع اهمية الدولة ويتفاعل معها ويؤمن بقدرته على التاثير في قراراتها ، تتحول المشاركة الشعبية في الحياة السياسية الى ضرورة للدولة والمجتمع معا. السؤال التقليدي: "هل نعتبر هذا المجتمع جاهزا للمشاركة السياسية او غير جاهز" اجاب عليه الاستاذان الموند وفيربا بسؤال معاكس: "هل يدرك المجتمع فائدة التفاعل مع الدولة ، وقدرته على التاثير في قراراتها؟".
الاقتصادية 26 مارس 2013
http://www.aleqt.com/2013/03/26/article_742335.html



12/06/2012

حان الوقت كي يقيم المثقفون نواديهم المستقلة

أزمة في النادي الادبي بجيزان ، وازمة في نادي مكة المكرمة ، وقبلهما ازمة مماثلة في نادي المنطقة الشرقية. وربما نسمع قريبا عن ازمات في نوادي اخرى.
 هل يستحق الامر مناقشة صريحة لدوافع التازم في النوادي الادبية؟. هل هو مجرد خلاف شخصي على الرئاسة كما يوحي بعض اطراف النزاع . ام ان ما يظهر على السطح ليس سوى الدمامل الصغيرة التي تشير – دون تصريح – الى علة تستشري في الداخل؟.
الادب والدولة عالمان مختلفان. هذا هو جوهر المشكلة.  اقيمت النوادي الادبية يوم كان البعض يشعر بحاجة الى "رعاية" الحكومة لكل نشاط اهلي ، او "رقابة" الحكومة على كل نشاط اهلي. ولان الحكومة هي المخرج والمنتج ، فقد تحول النادي الى ما يشبه هيئة حكومية.
 وهذا هو المازق الكبير. الادارة الحكومية عالم مستقر لا يحتمل التغيير ولا يقبل الجدل. انه – كما وصفه احد تلاميذ ماكس فيبر – عالم اوراق ، كل جديد فيه مبني على قديم ، كل ورقة ترجع بالضرورة الى ورقة سابقة وكل قرار الى قرار قبله.
اما عالم الثقافة والفكر والادب فهو على النقيض. عالم يعيش على الاختلاف والجدل والتغيير الدائم.
لا يمكن وضع حدود للفكر لانه تمظهر للخيال.  لو وضعت حدودا للخيال فقد وأدته ، ولو قيدته فقد حولته من انتاج متجدد الى تكرار لما انتجه السابقون. الحكومة عالم اتباع اما الثقافة فهي عالم ابتداع ، وشتان بين العالمين.
مع اتساع شريحة المشتغلين بالثقافة والادب في المملكة ، تفاقمت الازمة. ليس سرا ان الاغلبية الساحقة من مثقفي المملكة ليسوا اعضاء في النوادي الادبية. وليس سرا ان معظم النتاج الثقافي السعودي يطبع خارج البلاد ، وهو يناقش ويثير الاهتمام خارج اطار النوادي الادبية. وليس سرا ان السنوات الاخيرة شهدت قيام منتديات اهلية تعقد نشاطات تزيد اضعافا مضاعفة عما تقوم به النوادي الادبية التي تمولها الدولة.
اذا اردنا مناقشة صريحة حول الازمات المتنقلة بين النوادي الادبية ، فهذا هو السؤال الاول: لماذا لا يرغب مثقفو البلاد في العمل ضمن هذه النوادي ؟ ولماذا لا يشكل نشاط النادي غير جزء هامشي من الحراك الثقافي على المستوى المحلي والوطني؟.
اعضاء نادي الشرقية ،  مثل اعضاء نادي مكة ونادي جيزان يطالبون وزارة الثقافة والاعلام بالتدخل. حسنا . لقد كانت الوزارة المنتج والمخرج طيلة السنوات الماضية ، فلماذا لم ينجح الفيلم ، ولماذا غاب الجمهور؟.
جوهر العلة في النوادي الادبية هو خضوعها لاشراف دائرة رسمية. ومطالبة الوزارة بالتدخل يشبه قول الشاعر "وداوني بالتي كانت هي الداء".
نعرف انه لا يمكن اختلاق وظيفة رسمية اسمها "كاتب" او "اديب" او "مفكر" او "ناقد" . كذلك لا يمكن تصنيع حياة فكرية او ادبية في دائرة رسمية او تحت اشراف دائرة رسمية.
اعتقد ان الحل الجذري هو تخلي الوزارة عن ولايتها على النوادي والاكتفاء بدور الداعم والحامي. يجب ان يتحول النادي الى مؤسسة اهلية كاملة. ويجب ان يسمح بفتح نوادي مماثلة ومنافسة ، سواء قررت الحكومة دعمها او اعفت نفسها من هذا العبء.
حان الوقت كي يشعر مسؤولو الوزارة بان حيوية الثقافة في المملكة تتوقف على تحرر المثقفين من وصاية الموظفين. وحان الوقت كي يشعر المثقفون انهم قادرون على تدبير امورهم وحل مشكلاتهم ولو بالخروج من هذا النادي واقامة ناد منافس.
الاقتصادية 12 يونيو 2012

مقالات ذات صلة

اربع سنوات ونصف على اقرار نظام الجمعيات الاهلية

حان الوقت كي يقيم المثقفون نواديهم المستقلة

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب) 

في الطريق الى المجتمع المدني

كي تستمر المنتديات الأهلية رافدا للحياة الثقافية

مجتمع العقلاء

المجتمع المدني كاداة لضمان الاستقرار

مكانة العامة في التفكير السياسي الديني: نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة والاجتماع السياسي

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية

من المجتمع الطفل الى المجتمع المدني: تأملات في معاني اليوم الوطني

المؤتمر الاهلي الموازي لقمة الكويت الخليجية

اليات التفاوض الجماعي كوسيلة لضمان رضى العامة

16/11/2009

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية


يعتقد الاستاذ جبير المليحان وعدد من مثقفي المنطقة الشرقية ان الوقت قد حان لقيام جمعية للادباء السعوديين ، اسوة بجمعية الاقتصاديين والجيولوجيين والاطباء وغيرها . والحق اننا متاخرون جدا في هذا الصدد .
جبير المليحان
ما الذي تضيفه جمعية ادباء الى المشهد الثقافي؟. سأل احد الزملاء ، ثم اجاب نفسه : ما الذي اضافته هيئة الصحفيين في دورتها الاولى والثانية غير افتتاح مبناها الفاخر؟. حسنا.. لقد اضافت مبنى واضافت اسما . هذا منجز بسيط جدا . لكنها اضافت منجزا آخر غير منظور: لقد فتحت بابا للحديث عن اشكال اخرى من العمل الاهلي المؤسسي. في ماضي الزمن كنا نعتبر كل تشكيل اهلي باعثا على الفرقة. لكننا اليوم نتحدث عنه كاداة لتحقيق الشراكة الاجتماعية في التنمية. ربما لم يلتفت كثير منا الى هذا التحول الذهني ، لكنه حصل فعلا .

لن ينكر احد ان فكرة المجتمع المدني قد اصبحت متداولة ومألوفة في بلادنا ، ولن ينكر احد ايضا ان تحولها من فكرة الى واقع يتم ببطء اكبر من المتوقع. يؤمن معظمنا بالحاجة الى مؤسسات المجتمع المدني. لكننا جميعا نبحث عمن يعلق الجرس او ربما نبحث عن الجرس المقصود . حتى الان يكتفي معظمنا بالحديث عن هذه الضرورة دون السعي لفك مغاليقها.

هناك بطبيعة الحال اقلية تتشكك في فائدة هذا النوع من المؤسسات ، وهناك من يريدها جزء من البيروقراطية الرسمية او تحت اشرافها المباشر. ولعل اقرب الامثلة الى ذلك هو الاقتراح الذي قدمه وزير التجارة بتقليص نسبة الاعضاء المنتخبين في مجالس الغرف التجارية وزيادة عدد الاعضاء الذين يعينهم الوزير . لدى الوزير بالتاكيد بعض المبررات ، لكننا نعلم ان الاتجاه السائد في الغرف التجارية يميل الى الخروج من عباءة الوزارة وليس العكس.

من المهم على اي حال اقناع البيروقراطيين بان التوسع الافقي والكمي لمؤسسات المجتمع المدني لن ينهي دور البيروقراطية الرسمية. هناك دائما مهمات جديدة وادوار جديدة ، موجودة لكنها محجوبة او مهملة او مختلطة . نعرف مثلا ان ظهور مبدأ "تقسيم العمل" يعد واحدا من اهم التطورات في تاريخ البشرية . تقسيم العمل قاد الى استقلال التخصصات والادوار وحقول الاهتمام والهموم ايضا . في الجانب الثقافي كمثل ، ثمة دور هام تلعبه الادارة الرسمية . لكن "الحياة الثقافية" هي مسار اجتماعي متمايز عن التجارة والسياسة والصحافة والحرف الاخرى ، وهي ايضا عمل اهلي  ينبغي ان يتحول من انشغال فردي الى علاقة مؤسسية بين الافراد الذين يحملون الهم الثقافي والذين يشاركون في الجدل الثقافي والذين يهمهم تطور مستوى الثقافة وانتاجها في المجتمع ككل.

 للعمل الثقافي سمات هي جزء من طبيعته ولا يكون حقيقيا الا معها ، وابرزها كونه عفويا ، اختياريا ، تطوعيا ، منبعثا من دافع شخصي ، ربما يكون عاطفيا وربما يكون مصلحيا او ايديولوجيا او غيره . العفوية والاختيارية يستحيل تاطيرها في القوالب البيروقراطية ، او اخضاعها لحدود القانون واوقات الدوام وما اشبه. لدينا في المملكة الاف من الاشخاص الذين تستهويهم الثقافة في شتى فروعها ، واظن ان كلا منهم يرغب في مساهمة اوسع واعمق من تلك التي يقدمها الان . 

هؤلاء جميعا هم السكان المتوقعون للبيت الذي نسميه بالحياة الثقافية . واذا نجحنا في اقامة الروابط التي تجمع هؤلاء مع اندادهم واشباههم فسوف نبدأ في رؤية ما ستكون عليه "الحياة الثقافية" في بلدنا. ا

لاندية الادبية هي مثال حي على العلاقة العكسية بين الثقافة والبيروقرطية . تعقد النوادي مناسبات ثقافية هامة جدا ، لكن حضورها محدود وقد لا يتجاوز بضع عشرات . في المقابل نجد المنتديات الاهلية البحتة تستقطب اضعاف هذا العدد ، ليس فقط بين الجمهور العام ، بل حتى من المهتمين والمشتغلين بالشان الثقافي. لا اشك ابدا ان كون الاخيرة اهلية بحتة هو سبب رئيسي . في الحقيقة فان هذه المنتديات ترفد النشاط الثقافي في بلدنا بقدر يتجاوز كثيرا المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية مثل النوادي الادبية وامثالها . هذا المثال ليس محصورا في مجتمعنا. في كل مجتمعات العالم الاخرى تتفوق المؤسسات الاهلية البحتة في استقطاب واطلاق النشاط التطوعي على نظيرتها الرسمية او المنضوية تحت عباءة البيروقراطية.

اذا اردنا تحويل المبادرات الثقافية القائمة الى حياة ثقافية ، فان جمعيات المثقفين هي الخطوة الاولى في هذا الطريق.

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...