‏إظهار الرسائل ذات التسميات المراة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المراة. إظهار كافة الرسائل

18/03/2010

تحولات التيار الديني-3 اعباء السياسة

ما يشاهد من جرأة على معارضة المؤسسات الدينية ونقد رجال الدين ، ليس ناتجا عن تراجع الايمان في نفوس الناس ، وليس سببه قيام جماعات او منظمات ، هدفها النيل من مكانة الدين ورجاله في المجتمع المسلم. خلال الثلاثين عاما الاخيرة تحولت شريحة كبيرة من العاملين في الحقل الديني ، الى العمل السياسي الصريح او الضمني ، بعدما كان همها الوحيد اخلاقيا يتمحور في الدعوة الى مكارم الاخلاق ، واحسان العمل وتعليم الناس عقائدهم وعباداتهم. تبعا لذلك نشأت حالة استقطاب متعدد في  المجتمع ، بين المحاور التي تمثلها الجماعات الدينية – السياسية المختلفة ، وكذلك بين الاتجاه الجديد المائل للسياسة ، وذلك الذي يصر على الاستمرار في الطريق التقليدي.

حين تتبنى خطابا سياسيا وحين تدعو لاهداف سياسية ، فانت بالضرورة تسعى لخلق نظام علاقة بينك وبين الناس ينطوي على نوع من السلطة. وهذا يستدعي اوتوماتيكيا بروز معارضة من جانب الاطراف التي تشعر بالمزاحمة او التهديد او حتى التدخل البسيط. هذه الاطراف تشمل الحكومات في المقام الاول ، لكنها تضم ايضا المجموعات الاخرى التي تتبنى خطابا مماثلا او تتمتع بنفوذ في المجتمع ، او تشعر بان ظهور دوائر  مصالح جديدة ينطوي على تهديد لدوائرها الخاصة.

نحن نتحدث اذن عن تطور طبيعي يمكن ان يحدث في اي مجتمع: السعي لفرض دائرة مصالح جديدة ، يؤدي الى رد فعل من جانب الدوائر الاخرى ، كما يؤدي  الى انشقاقات باعثها هو الاختلاف في تحديد تفاصيل المصلحة المنشودة وكيفية انجازها. وهذا وذاك يؤدي الى ظهور صراعات بين اطراف التيار نفسه.

شهدنا مثل هذا التطور في التيار السلفي السعودي ، خلال العقد الاخير من القرن المنصرم. اطلق الغزو العراقي للكويت في اغسطس 1990 سلسلة من التفاعلات داخل المجتمع السعودي ، ابرزت لاول مرة تيارا يتسع بالتدريج ويطالب بالاصلاح. بروز هذا التيار اثار رد فعل فوري وسط السلفيين ، الذي خشي قادتهم من ان تتجه البلاد الى الليبرالية ، بسبب الضغط الاجتماعي الداخلي ، او بسبب التحالف مع الولايات المتحدة الامريكية ، الذي عمقته الحاجات المتبادلة خلال الحرب على العراق.

في نوفمبر 1990 نظم 47 سيدة سعودية تظاهرة بالسيارات في شوارع الرياض ، من اجل اقرار حقهن في قيادتها . ردا على ذلك امر الشيخ عبد العزيز بن محمد آل الشيخ اعضاء هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بوقف المظاهرة واعتقال السيدات . لكن الشيخ عزل من منصبه بامر ملكي في منتصف ديسمبر التالي. اثارت تلك الحادثة جدلا شديدا في الوسط الديني ، وتحولت الى موضوع رئيسي لخطب الجمعة طيلة الاشهر الثلاثة التالية. ولاحظ عدد من الخطباء ان الحكومة لم تتخذ موقفا صارما مما اعتبروه هجوما تغريبيا ، بل على العكس من ذلك فان عزل رئيس الهيئة كان اشارة الى عزم الحكومة تقييد المؤسسات الدينية التي تتصرف دون اوامر رسمية مباشرة.

في يناير 1991 نشر عدد من الشخصيات البارزة ، وثيقة مطالب موجهة الى الحكومة ، تطالبها باجراء اصلاحات رئيسية في الادارة الرسمية وعلاقة الدولة بالمجتمع . وقع على الوثيقة مثقفون بارزون ومسؤولون سابقون وشخصيات ذات نفوذ اجتماعي ، ولم يكن بينهم اي رجل دين. وفي مايو 1991 قدم 200 من العلماء السلفيين البارزين خطابا مماثلا الى الملك فهد ، لكنه – بدلا من المطالبة باصلاحات سياسية – ركز على نقد  ما وصفه بالتباعد المشهود عن احكام الشريعة . وطالب الملك بتعزيز دور العلماء والمؤسسة الدينية في الدولة والمجتمع. تلى ذلك نشر وثيقة اكثر تفصيلا ، عرفت بمذكرة النصيحة ، وضعت في يونيو 1992 ووقع عليها 400 من المشايخ والدعاة من الطبقة الثانية والثالثة. كانت هذه المذكرة التي تشبه في صياغتها البرامج السياسية للاحزاب ، اول ظهور سياسي منظم وواسع النطاق للتيار السلفي المستقل والمعارض للحكومة. ايد كبار العلماء هذه المذكرة في اول الامر ، لكنهم سارعوا بادانتها ، كما تنصلوا من الخطاب السابق لان نشرهما يعد خروجا على تقاليد النصيحة لولي الامر. على خلفية هذا الموقف ، جرى اعتقال معظم الموقعين على "مذكرة النصيحة" او منعهم من السفر ، وكان هذا بداية لاوسع انشقاق في التيار السلفي.

 خلال السنوات التالية تحول عدد من موقعي مذكرة النصيحة الى رموز سياسية او شبه سياسية ، يلتف حولهم جيل الشباب ، بينما جرى تصنيف كبار العلماء كتقليديين او حكوميين. وشهدت البلاد للمرة الاولى حالة استقطاب في الوسط السلفي ، بين القطب الذي يدور في فلك الدولة ، وذلك الذي يحاول البقاء مستقلا خارج اطارها.



نشر في الايام  Thursday 18th March 2010 - NO 7647 https://www.alayam.com/alayam/Variety/392130/News.html

11/03/2010

تحولات التيار الديني - 2 نهايات المعارك


تحولات التيار الديني - 2
نهايات المعارك 


 قبل ثلاث سنوات اتخذ وزير العمل السعودي قرارا يمنع الرجال من العمل في بيع الملابس النسائية الداخلية . وكان غرض القرار هو توفير فرص عمل جديدة للنساء اللاتي يزيد معدل البطالة بينهن عن ضعف مثيله بين الذكور. لكن حملة مضادة تبناها تجار وناشطون في التيار الديني التقليدي افشلت البرنامج وعطلته. كانت هذه اخر المعارك الكبرى بين التيار الديني ومعارضيه. وقد نجح فيها لانه استطاع استثمار الجدل الدائر حول توجهات وزير العمل الدكتور غازي القصيبي ودوره.


لكن هذا الانتصار كان مكلفا جدا. فقد ادى الى تشديد عزلة التيار وتوسيع الجدل حول دوره السياسي واساليبه في التعبير عن مواقفه.


كما طال الجدل سلامة الاجتهادات الدينية التي يتبناها. ومنذ اوائل 2007 اصبحت "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" هدفا ثابتا لحملات صحفية تتبعت نشاطاتها وسلوكيات اعضائها وتصريحات مسؤوليها . وفي سابقة هي الاولى من نوعها اقيمت دعاوى قضائية ضد الهيئة على خلفية اتهامات باقتحام منزل وقتل صاحبه في  المدينة المنورة . كما اتهمت الهيئة في دعاوى اخرى بمطاردة اشخاص والتسبب في اضرار مادية وبدنية .



 وتعتبر  "الهيئة" حصنا منيعا للتيار الديني التقليدي واحد اهم مواقع نفوذه في المجتمع السعودي. ورغم ان القضاء قد برأ الهيئة في جميع تلك الدعاوى. الا ان صورتها كجهة دينية تعرضت لجرح عميق. وترتب على تلك الحوادث تغيير طاقمها الاداري وفرض قيود جديدة على عملها . من بين تلك القيود خصوصا نشير الى منعها من الاستعانة بمتطوعين في اعمالها . وفي الماضي كانت مجموعات المتطوعين الشباب هي الاكثر نشاطا وتشددا بين العاملين في صفوف "الهيئة". وكان هذا العمل يستخدم من جانب بعض الشيوخ كنوع من التدريب الحركي للشباب والدعاة الجدد. 

تمدد نقد الصحافة من نشاطات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى فتاوى رجال الدين المؤيدين لها . وقدم هؤلاء ما يمكن اعتباره فرصة ذهبية لناقديهم ، واعني بها تلك الفتاوى التي تثير السخط واحيانا السخرية ويصعب تبريرها او الدفاع عنها. في 2008 نشرت فتوى للشيخ اللحيدان الذي يعتبر الرجل الثاني في سلم المراتب الدينية ، تهاجم القنوات الفضائية وتنص على تكفيرهم وجواز قتلهم . كما نشر بيان للشيخ نفسه ينتقد فتح كليات علمية في جامعة الامام محمد بن سعود الدينية ويقول ان البلاد لا تحتاج الى اطباء ومهندسين بقدر حاجتها الى دعاة وعلماء دين . وبعدها بايام قليلة نشر كلام للشيخ المنجد هاجم فيه البرامج التلفزيونية الاجنبية وقال ان "ميكي ماوس" يستحق القتل. وجرى تصوير هذا الكلام في الصحافة كما لو كان فتوى بقتل ميكي ماوس. هذه الفتاوى والاراء اصبحت مادة اثيرة للاعلام المحلي. ونتيجة لذلك فقد اصبحت كفاءة رجال الدين وسلامة ارائهم موضع جدل في المجالس العامة والخاصة. ولم يسبق للمملكة ان شهدت خلال تاريخها الماضي جدلا بهذا الحجم حول المؤسسة الدينية ورجالها. بل كان ينظر اليهم في العادة كشركاء في النظام السياسي واصحاب نفوذ في الوسط الاجتماعي يستعصي على الجدل والمساءلة.

اثمر هذا الجدل عن كبح التطلعات السياسية للعديد من الحركيين ورجال الدين التقليديين. حتى سنوات قليلة كان هؤلاء يعتبرون انفسهم "شركاء طبيعيين" في السلطة السياسية. بل واستعمل بعضهم تعبيرات محددة تشير الى ان نظام البلاد مدين لجهودهم ودعمهم . اما في الوقت الحاضر فان اولئك يتجنبون الاشارة الى هذا الموضوع بعدما اصبح التصوير العام للتيار الديني ينحو الى اعتباره عبئا ثقيلا على النظام السياسي والبلاد ككل. لم يعد التيار الديني السلفي فعالا او صاحب مبادرة في السياسة كما كان في بداية العقد المنصرم ، ولم يعد شديدا وموحدا في الصراع ضد المنافسين كما كان حتى منتصف العقد الجاري. يبدو هذا التيار في الوقت الراهن مفككا ومختلفا حول نفسه وصورته وطريقة عمله واستهدافاته المباشرة والمستقبلية.

هذا الظرف الذي يبدو ملائما لاعداء التيار الديني ، ينطوي على فرص جديدة لهذا التيار ، لكنه ينطوي ايضا على تحديات ومخاطر. في الجانب الايجابي ، يبدو الظرف مناسبا جدا لمراجعة المتبنيات القديمة وتصحيح العلاقة المأزومة مع القوى الاجتماعية غير السلفية. لكنه في الجانب السلبي ينطوي على احتمال توسع حالات الاحباط ، مما يقود الى انشقاقات جديدة في داخل التيار، بعضها متشدد ايديولوجيا وبعضها انتهازي . وربما تواجه البلاد مخاطر ظهور نسخ شبيهة لحزب التحرير في حدها الادنى او "القاعدة" في حدها الاعلى. 



نشر في الايام  Thursday 11th March 2010 - NO 7640  http://alayam2.epkss.com/Issue/7640/PDF/Page20.pdf



رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...