‏إظهار الرسائل ذات التسميات القطيف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات القطيف. إظهار كافة الرسائل

02/01/2008

الدور الممكن للمثقفين في تعميم العلم



يمكن لمثقفي البلاد ان يلعبوا دورا فعالا في انعاش الحركة الفكرية وتعميقها. يستبطن هذا القول ادعاء بان هذه الحركة ما تزال دون المستوى المطلوب، وان دور المثقفين ما زال ادنى من قدراتهم الفعلية. ولعل الجميع يتفق معي على ان بوسعنا ان نفعل اكثر مما هو قائم، سواء على مستوى الكم أو الكيف.

على المستوى الكمي والافقي، ثمة شريحة واسعة من العلوم غير مطروقة اصلا في المجال العام. من ذلك مثلا الفلسفة بمختلف فروعها. فهي على ضرورتها للتفكير والبحث العلمي والثقافة في مختلف اشكالها وممارساتها، الا انها غائبة تماما عن مناقشاتنا وكتاباتنا. ولا تكاد تجدها الا في عدد قليل من المحاضرات الجامعية. وقد عبر الدكتور راشد المبارك في محاضرة له الاسبوع الماضي في القطيف عن شعور عميق بالحسرة لان احدا لا يهتم لهذا العلم، بل ان هناك من يمانع الحديث فيه ومناقشة قضاياه. من تلك العلوم ايضا، علم الاجتماع، وهو ايضا من العلوم الاساسية التي يتفرع عنها طائفة مهمة من العلوم مثل السياسة والتربية كما ان قضاياها وبحوثها تؤثر في شريحة واسعة من نشاطاتنا الحياتية من التنمية الاقتصادية الى العمران والادارة والتنظيم، الخ. ومثله ايضا علم القانون واهميته اوضح من اي بيان

نضيف الى العلوم الغائبة، تلك العلوم الحاضرة لكن في بعد واحد، منهجي أو اجتماعي أو تطبيقي. من ذلك مثلا الهندسة بمختلف تخصصاتها، فرغم امتلاكنا لعدد كبير نسبيا من الكليات الجامعية المتخصصة، ورغم العدد الكبير جدا من خريجي فروع الهندسة، اولئك الذين درسوا في المملكة أو خارجها، الا ان الانتاج العلمي في مختلف التخصصات الهندسية لا يزال ضئيلا جدا. يعرف حجم الانتاج العلمي من خلال الكتب والمقالات العلمية والمؤتمرات والنقاشات العلمية فضلا عن التطبيقات. بالرجوع الى الاحصاءات التي تنشرها هيئات عالمية متخصصة، فان نشاطنا في مختلف هذه الجوانب لا يزال في مستوى متدن جدا حتى بالقياس الى البلدان المجاورة مثل مصر وايران وباكستان

على المستوى الاجتماعي فان العلم ليس من موضوعات الاهتمام اليومي عند الاغلبية الساحقة من المواطنين. ويرجع هذا في ظني الى الفاصلة الاجتماعية الكبيرة بين النخبة العلمية والمثقفة وبين عامة الناس. اجد ان الغالبية الكبرى من اولادنا يستعملون الكمبيوتر ويقودون السيارة، لكنهم في المجمل يستعملونها كمنتج جاهز ونهائي، لا كموضوع للتجربة والاختبار. بعبارة اخرى فان تعاملهم مع العلوم ذو طابع استهلاكي في المجمل، وان معرفتهم بالتقنية لا تتجاوز استهلاكها ولا تصل الى انتاجها أو تعديلها أو تطويرها

في هذا الجانب والجوانب السابقة، تستطيع الحكومة فعل الكثير، لكن المسؤولية الكبرى تقع على المثقفين الافراد. بامكان هؤلاء ان يتنادوا الى عرض العلوم الغائبة أو المغيبة على الساحة، كي يجعلوها مألوفة لعامة الناس. كما ان بامكان حملة العلوم الطبيعية والهندسية فعل الشيء نفسه بطرح الجوانب التي تمس حياة الناس من تلك العلوم. في البلدان الغربية مثلا اصبحت قضايا مثل البيئة والتلوث والتنظيم العمراني وقضايا الاقتصاد والتمويل والطاقة، اصبحت مسائل متداولة ومفهومة حتى لطلبة المدارس، حين طرحها المتخصصون في اطارات بسيطة وقريبة من يوميات الناس وهمومهم المعيشية

يمكن للاعلام ان يلعب دورا هاما في ردم الفجوة التي تفصل العلماء والمتخصصين عن عامة الناس، واجد في تجربة التلفزيون البريطاني مثلا، دليلا قويا على جدوى هذا النوع من النشاط. ان معظم البرامج التي تسمى اجمالا بالوثائقية التي تعدها البي بي سي مثلا، تهدف اساسا الى توضيح قضايا علمية وتوصيلها الى عامة الناس. ووجدت ان وزارة التعليم البريطانية تمول وتدعم مثل هذه البرامج وتستعملها في مدارسها كاضافة الى برامج تعليم العلوم. خلاصة الكلام ان مبادرات المثقفين يمكن ان تسد جانبا من الفراغ المشهود في التداول الاجتماعي للثقافة والعلم ولعلها – من خلال ذلك - تسهم ايضا في استنقاذ الاعلام المحلي من حالة الهبوط والتكرار التي تغلب عليه، وهذا بذاته مطلب وحاجة.
عكاظ 2 يناير 2008  العدد : 2390
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20080102/Con20080102163163.htm

18/10/2007

الليبرات والليبرون المكبوتون المخدوعون

هذا تقريض لمقال للاستاذ عبد الكريم عائض نشرته جريدة الوطن السعودية في 15/10/2007 ، وهو نموذج عن الطريقة السائدة في معالجة قضايا السياسة والفلسفة في بلادنا.

وقد بدأ زميلنا البارع مقالته بالتاكيد على انه لا يهتم بالليبرالية ولا يأبه لها ، ولعله بهذا التاكيد اراد تلافي سوء الظن بانه ربما يكون من اولئك الطائشين الذين يهتمون بالليبرالية او يأبهون لها . بل انه استدل على ذلك بدليل يفلق الصخر لو تجلى له ، وهو انه لم يطالع حلقة طاش ما طاش المشهورة عن الليبراليين . وهذا لعمري دليل فات كل عالم .
 
 ثم ان الكاتب الكريم رأف بحالنا نحن الذين ابتلينا بالاهتمام بالليبرالية والبحث عنها ، خاصة بعد سقوط سوق الاسهم ثم ارتفاع اسعار الاغذية ، فعوضنا عن كل ذلك بشرح مختصر عن الليبرالية التي لم يأبه بها ابدا ، فاخبرنا ان اصلها كلمة “ليبر” وانها لاتينية تعني الحر ، وان “ليبراليسم” تعني الحرية (او تعين الحرية حسبما ورد في نص المقال – والله العالم ايهما الصحيح). فجزى الله الكاتب خيرا على هذه الفوائد العظيمة التي كان قراء الجريدة ومثقفو البلاد متعطشين لها ، وايما عطش .

 اخبرنا ايضا زاد الله فوائده ان الحرية كلمة ساحرة وان الدعوة اليها بهرت الكثير من المساكين من اخواننا الذين عانوا قبل سفرهم الى بلاد الله البعيدة من كبت جنسي واسري ومن اذى مطوع الحارة ، فاقبلوا عليها اقبال الطفل على جمرة يظنها حلوى ملونة ولا يخفى على القاريء ان الاستاذ عائض قد توصل في هذا التحليل البارع الى تفسير لم يسبقه به احد من فلاسفة الغرب والشرق ، في قديم الزمان وحديثه ، ولهذا فمن الممكن ان يسجل كرأي مرجعي يأخذ به الفلاسفة والباحثون حين يتحدثون عن الليبرالية واسرار افتتان الناس بجمالها ، خاصة بعدما اعرض كثير من العلماء عن نظرية فرويد المعروفة في التحليل النفسي ولا سيما تركيزه على الباعث الجنسي للافعال والميول الانسانية.

ولم ينس الاستاذ عائض تذكيرنا – جزاه الله خيرا – بان الباحثين واساتذة العلوم السياسية السعوديين وغيرهم من المثقفين الذين قرأوا الفلسفة الغربية وربما كتبوا عن الليبرالية ، لم يفهموا الليبرالية ، بل ربما لم يعرفوا حتى معناها ، ولهذا تفضل علينا – اكرمه الله – بتوضيح ان اصل الليبرالية هي كلمة “ليبر” اليونانية اي الحر وان الليبرالية تعني الحرية ، كما اوضحنا اعلاه.

فلله الحمد على ان اكرمني وغيري من طلبة العلوم السياسية بقراءة مقال الاستاذ عائض ، فعرفنا بعد سنين طويلة اضعناها في الدراسة والبحث والكتابة ، ان اصل الليبرالية هي ليبر وانها يونانية وتعني الرجل الحر وان ليبراليسم معناها الحرية. وربما يسمح لنا الاستاذ عائض باضافة المرأة الحرة ايضا ، خاصة للغربيات واشباههن من نسائنا المسترجلات. فيمكن – اذا سمح الاستاذ – ان نقول لهذه : “ياليبره” على وزن “ياحرمه” الذي نقوله لنسائنا العفيفات اللاتي لم ينخدعن بالليبرالية وبلاويها . كما نقول للرجل المخدوع بالغرب والاعيبه : ” ياليبر” ، على وزن “ياولد” الذي يقوله بعضنا للصبيان حين يغضب عليهم.

ولا تنتهي فوائد مقال الاستاذ عائض عند هذا الحد ، فهو يستثمر المناسبة لاخبارنا ايضا بان مباديء الحرية والاخاء والمساواة هي شعارات خداعة انبهرت بها شخصيات فكرية وسياسية فوقعت في فخاخ الماسونية. وهذا لعمري اكتشاف اعظم من سابقه ، فقد ظننت قبل مقال الاستاذ عائض بان السياسي والمفكر لا ينخدع بسهولة ولا ينبهر بجميل الكلام ، بل يجادل كل فكرة قبل تبنيها .

لكني اهتديت الان الى قلة بضاعتي وجهلي بالامور ، فالمفكرون والسياسيون ، حتى الدهاة منهم ، يقعون في شراك الخديعة ، ربما بصورة اسهل من باعة السمك في سوق القطيف لاني اسمع ان احدا لم ينجح حتى اليوم في مخادعة هؤلاء البائعين ، فلله الحمد والمنة على ان عرفنا قبل فوات الاوان بان باعة سوق السمك احسن من مفكرينا ومثقفينا ، لا سيما حين يتعلق الامر بالقيم الانسانية الرفيعة ، مثل الحرية والمساواة والاخاء .

ولا نكرر ذكر الليبرالية لان الاستاذ عائض قد اخبرنا سابقا بان ليبراليسم معناها الحرية ، والظاهر من المقال ان تلك الحرية هي نفس هذه الحرية التي انخدع بها دهاة السياسيين والمفكرين ووقعوا بسببها في حبائل الماسونية واشباهها.

والحقيقة ان فوائد مقال الاستاذ عائض لا تحصى وربما تحتاج الى مجلدات لشرحها ، ولا سيما تعيينه لمعنى الليبر والليبراليسم ، ثم الاسئلة التي طرحها (وربما لم يهتد اليها احد قبله فضلا عن ان يجيب عليها) ، وتاكيده بان الاجوبة لن تاتي من عند ليبراليينا (كتب في نص المقال “من عند ليبراليونا” ولعله يقصد شخصا او مكانا او اناسا اخرين غير “ليبراليينا” الذين نعرفهم ، او ربما هي شيء اخر غير الجمع العربي لكلمة ليبر- ليبرالي المشار اليها اعلاه).

وخلاصة القول ان الاستاذ عائض وجريدة الوطن قد سجلا هدف الموسم في هذا المقال الذي ارى ان تعاد طباعته في اعداد الجريدة القادمة وان يوزع على المثقفين واساتذة الجامعات والكتاب ، حتى يفهموا معنى الليبر والليبراليسم وما تقود اليه الحرية والمساواة من بلاء الانزلاق في شراك الماسونية.

موقع دروب 18 اكتوبر 2007
http://www.doroob.com/archives/?p=21901د
مقال الاستاذ عائض عبد الكريم "الليبرالية التي لم يفهمها احد" نشر في صحيفة الوطن السعودية  15 اكتوبر 2007 واعيد نشره في العربية. نت في 16 اكتوبر 2007 http://www.alarabiya.net/views/2007/10/16/40384.html

مقالات ذات علاقة



09/05/1994

مرثية لرجل يستحق مديد العمر



قليل من الناس يمر في هذه الدنيا مشوار الحياة الذي قدر له ثم يمضي ، ولكنه كالمقيم رغم رحيله ، ينام ملء جفونه بل تنام حتى جفونه ، وهو مستيقظ الروح ، اذ تجاوزت روحه حدود الجسد فانصبت فكرا وعلما وعطاء ، لايفنى حين تضم الجسد المؤقت اطراف المنام الاخير .

لا اخال احدا غير ولوع بهذا المقام بين الناس بعد فناء الجسد ، رغم ان كثيرا من اولئك الناس لايعمل للبقاء ، بل وربما لم ير في هذا النوع من البقاء مهما يستحق العناء ، وهو على اي حال جدل المجد وثمن المجد ، المجد الذي يطمح اليه الجميع لكن لا يطيق غالي ثمنه  من الطامحين الا القليل القليل .

انتهى الاستاذ محمد سعيد المسلم من مشوار الحياة ، ترجل الفارس من على صهوة جواده ، مدد قلمه في حنان العاشق وسط اوراقه وغفا ، مات الاستاذ ، لقد مات ، ومضى عن هذه الدار  . تتسلل خيوط الشمس هذا الصباح من فرجة الباب ، فلا يصافح دفئها الجسد الكليل ، فلم يعد منذ البارحة ممددا على الفراش الذي استضافه نحو عقد من الزمان .

نذكره اليوم وقد اصبح خبرا يروى ، رمزا لجيل من الرواد المكافحين في سبيل العلم والمجد ، رجلا تمدد حبه لوطنه في تفاصيل حياته ، فاصبح لايكون الا حيث يكون الوطن ، ولايتنفس الا عبير عشق الوطن ، ولايخط ورقا الا بريشة الوطن ، ايامه التي تمضي فينساها اكثر الناس ويحفظها قلم العاشق ، فتبقى حية حيث الحب هو الماء والهواء وحيث هو الاستمرار والبقاء .

بدون قلمه ربما كان اكثرنا لايدري اين كنا ولا من اين ابتدأنا ،  من دونه ربما عجزنا عن التمييز بين (ساحل الذهب) وخليج القراصنة ، رحم الله الاستاذ ، الذي من نتاج معاناته ، تعلمنا اية ارض حنون هذه التي نستظل وارف الظلال من نخيلها ، ومن سهر ليله عرفنا قيمة النسيم ، الذي مع دفئه يرطب ارواحنا ، اذ نستقبل البحر او نستقبل الصحراء  .

منذ اربعين عاما حين تسرب نسيم العصور الجديدة الى واحاتنا الغافية في احضان الرمل ، وفتحنا العيون على عالم جديد ، ونفضت بلادنا عن ردائها غبار ازمنة البؤس ، ظن كثير منا ان ماعندنا قد مات ، وماعند الغير هو الذي يستحق الحياة ، بل والذي يستحق ان يعاش له وفيه ، كنا على وشك ان ننقطع عن قديم ليس اكثره قليل الفائدة ، ونستبدله بغريب ليس كله مؤكد الفائدة ، في لحظات المخاض تلك ، كان قليل من عشاق ارضهم قلقا من ان ينفصل الناس عن حقائق الحياة ، فيصبح الوطن في عيونهم بلا قيمة ، وتصبح الارض عندهم مجرد تراب يسفو، اذ تنفخ في اشرعته الريح ، فانبرى ذلك النفر القليل للتذكير بقيمة الارض ، التي تنطوي على قيمة الانسان الذي عاش عليها فعمّر وبنى واختط لمن يخلفه طريقا للمجد ، بعضهم ضاعت صيحاته في ضجيج الانتقال بين العصرين ، وثلة قليلة ارادت توثيق ندائها وتحويله من موعظة الى علم ، فانكبت على اوراقها لتحفظ علينا مالو ترك لضاع ، بين تلك الثلة يبرز الاستاذ محمد سعيد المسلم ، الذي وقف جانبا كبيرا من حياته لدراسة تاريخ المنطقة وتوثيق ماجرى في ايامها ، مبتدئا بـ (ساحل الذهب الاسود) .

حينما تفتح كتابا في ايامك هذه ، عن تاريخ المنطقة او عن ادابها ، فستجد كم كان جهد المرحوم المسلم قيما وثمينا ، استطيع الزعم انه يندر ان تلقى كتابا في اللغة العربية ، درس تاريخ المنطقة ولم يستفد من (ساحل الذهب) قليلا او كثيرا ، وفي هذه السنوات الاخيرة ظهرت كتب ـ وان كانت لاتزال قليلة ـ عن تاريخ المنطقة الشرقية ، لكن جهود المرحوم المسلم تبقى فريدة وتبقى ـ لهذا السبب على الاقل ـ استثنائية القيمة ، فقد كتب الاستاذ تاريخ المنطقة يوم لم يكن احد مهتما بهذا الامر ، ويوم كان هذا النوع من الاعمال معاناة لايطيقها الا عاشق او صاحب رسالة .

 قيمة العمر في ما يبقى بعده ، وقيمة المرء في مقدار مايعطي ، بعض الناس يستحقون ان يعيشوا حياتهم تكرارا ، حيث حياتهم بحر من العطاء لبلادهم وللناس ، وبعض الناس يكاد يمل حياته ويملها الناس فينتظرون رحيله بفارغ الصبر ، ذلك هو الفرق بين الكسالى والمنتجين ، وذلك هو المقياس لاستحقاق نعمة الحياة ، ونعمة الذكر الشريف بعد الحياة ، رحم الله الاستاذ محمد سعيد المسلم الذي كان يستحق الحياة ويستحق شرفها وشرف الذكر فيما بعدها ، ويستحق حياة اطول من العقود السبعة التي افناها على هذه الارض ، لكن هذه مجرد امنية  ولكل اجل كتاب .
جريدة اليوم بتاريخ 9/5/94

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...