‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفقه التقليدي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفقه التقليدي. إظهار كافة الرسائل

11/07/2018

شرع العقلاء


يفخر المسلمون عادة بأن دينهم اختص العلم بمرتبة عالية ، كما احترم العقل ومجد "اولي الالباب" وخصهم دون بقية الخلق بجانب من الخطاب القرآني.

 لكن لو أردنا الغوص في معنى هذا الكلام ، أي مكانة العلم والعقل في حياة المسلم وفي التشريع الديني ، فربما نجد ان ما نفخر به لفظيا ، نتحاشاه او حتى ننكره ونرفضه على مستوى العمل.
اذا كنا نقبل بمكانة سامية للعقل وما ينتجه من علم ، فالمفترض ان يظهر برهانه في نقاط الاشتباك وموارد التنازع ، وليس في تدبيج الكلام. ونقطة الاشتباك الأولى هي تحديد مكانة العقل مقارنة ببقية مصادر التشريع ، ثم الموازنة بين دور العقل ودور المصادر الاخرى في وضع او اختيار الاحكام.
ويذكر ان فقهاء المسلمين متفقون على مصدرين للتشريع هما القرآن والسنة. لكنهم اختلفوا في العقل والاجماع. والميل الغالب يتأرجح بين انكار كون العقل مصدرا للتشريع ، وبين اعتباره ملحقا بهما ، وان دوره هو الكشف عن الحكم الذي يفترض ان يحويه النص ، وليس اصدار الحكم بشكل مستقل عن النص.
الفرق بين الاثنين يتضح في الأمثلة التالية: يأمرنا النص باقامة حد القتل ، ويخبرنا العقل بناء على معطيات علمية بحتة ، بان هذا الحكم لا يؤدي غرضه الرئيس اي استئصال الجريمة ، او ان تطبيقه يسيء لصورة الاسلام او مجتمع المسلمين.  مثال ثان: يخبرنا النص بالصوم اذا شهد شهود بانهم رأو هلال رمضان ، ويخبرنا العلم ان الرؤية مستحيلة في ذلك اليوم. مثال ثالث: يخبرنا النص بان الفائدة على القروض حرام مطلقا ، ويخبرنا العقل بان الاقراض والاقتراض ، سبيل لازم للنمو الاقتصادي وتحسين معيشة الناس.
الغالبية العظمى ممن واجهوا هذا التعارض ، قرروا تقديم ما فهموه من النص على حكم العقل المستقل. ولهم في ذلك حجج معتبرة ، كالقول بان الخطأ محتمل من العقل وغير محتمل من النص ، فلا يقدم المحتمل على المؤكد. وان الشارع امرنا بالرجوع الى أمره ، اي النص. وان الانسان يريد ابراء ذمته أمام الله ، واتباع كلام الشارع محقق لبراءة الذمة.
هذه الحجج التي يبدو ظاهرها معقولا ، تضعنا – في بعض الاحيان على الاقل - امام مفارقات غير معقولة. من بينها مثلا تعارض الحكم الشرعي مع الواقع ، ومن بينها انفصال الحكم عن علته او حكمته ، او المصلحة المنظورة فيه. في المثال الثالث نعرف ان علة تحريم الفائدة على القرض هي منع الاستغلال. ونعرف ايضا ان الاستغلال غير مؤكد في كثير من القروض المعاصرة. كما نعرف ان اقتصاد المجتمعات ومعايش الناس لا تقوم الا بالقرض والاقتراض. هذا امر واقع يعيشه جميع الناس.. فما الذي نختار؟.
وفي المثال الثاني: نحن نأتمن الحسابات الفلكية على حياتنا ، حين نسافر بالطائرة او السفينة ، ونعتمدها في مختلف جوانب حياتنا. اي انها ليست مجرد احتمال نظري. فما العمل حين يقول لنا النص: اتركوا هذا الدليل الذي يعتبره كافة العقلاء حقيقة موضوعية ، واعتمدوا مفاد النص المعارض؟.
هذه الأمثلة والعشرات من أمثالها تستدعي مراجعة معمقة لفلسفة التشريع ، ولا سيما مكانة العقل ودوره في إنشاء الاحكام الشرعية. صحيح اننا نطيع أمر الله كي نبريء ذمتنا. لكن الأصح هو ان غرض الدين هو مساعدة المؤمنين به كي يحيوا حياة طيبة. وهذه ليست ممكنة مالم يكن الحكم الشرعي متصلا بالواقع ومنبعثا من حقائقه ومتفاعلا معها.
الشرق الاوسط الأربعاء - 27 شوال 1439 هـ - 11 يوليو 2018 مـ رقم العدد [14470]
http://aawsat.com/node/1327286

مقالات ذات علاقة


19/04/2017

نظرة على علم اصول الفقه

"أصول الفقه"  هو منهج البحث في أدلة الاحكام الشرعية. لا يمكن للفقيه ان يعمل دون الاعتماد على القواعد ونظم البحث والمقدمات النظرية التي تطورت في أطاره. المهمة الرئيسية لعلم اصول الفقه هي وضع الاطارات النظرية وصوغ المفاهيم الناظمة للبحث الفقهي. ومن هنا نقول ان تطور علم الاصول سيقود بالضرورة الى تطور الاجتهاد والارتقاء بمستوى البحث الفقهي ، وبالتالي انتاج أحكام شرعية أكثر دقة وملامسة لموضوعاتها وانسجاما مع روح الشريعة.

"اصول الفقه" علم عقلي ، يطور القواعد والمفاهيم ، او يستعيرها من العلوم الأخرى كالفلسفة والمنطق واللغة. من يقرأ في الفقه ، سوف يصادف على الدوام قواعد مبنية على حكم العقل مثل "لاضرر ولا ضرار" ، "دفع العسر والحرج" ، "امتناع التكليف بالمحال" ، "عدم جواز التكليف بما لا يطاق" ، "دفع الضرر بالضرر" ، "أولوية دفع المفسدة على جلب المصلحة" ، وعشرات القواعد المماثلة ، التي استعملها الشرع في إطاره الخاص.

رغم ان علم الاصول الذي لدينا لا يقارن بما كان عليه في بداياته. الا انه – مثل سائر علوم الشريعة الاخرى – تباطأ كثيرا ، ولا سيما في القرنين الاخيرين. نعرف هذا من المقارنة بينه وبين التطور الكبير للعلوم الموازية له ، مثل علوم اللغة والقانون والفلسفة وغيرها.  وأحتمل ان هذا مرتبط بتراجع العلم في العالم الاسلامي بشكل عام ، وعدم انفتاح دارسي الشريعة على العلوم الجديدة التي تطورت في اطار الحضارة الغربية.

لكني أجد سببا آخر ، وهو إعراضه عن التخصص. وهذه مشكلة فيه وفي علم الفقه ، وهو المستهلك الوحيد لنتائج علم الاصول. ان الثورة العلمية التي شهدها العالم ، ولاسيما في القرن العشرين ، مدينة في جانب كبير من زخمها الى رسوخ مبدأ التخصص العلمي ، الذي تحول بموجبه العلم الواحد الى عشرات من العلوم الفرعية ، المنفردة برجالها ومدارسها ونظرياتها ومجالات عملها. يستحيل ان ترى في هذه الايام فيلسوفا او عالم قانون او طبيبا أو رياضيا ، محيطا بكل فروع هذه العلوم. لأن سعتها وغناها يفوق قدرة فرد واحد على الاحاطة بفرع واحد ، فضلا عن كافة الفروع.

لو اتجهنا الى تطوير علم الاصول من خلال تطبيق مبدأ التخصص ، فسنرى باحثين متخصصين في اللغويات واللسانيات وعلم الدلالة ، واخرين في نظرية المعرفة ومنطق البحث العلمي ، وغيرهم في الهرمنيوتيك الفلسفي (التأويل) وفقه القانون. وهذه العلوم قريبة جدا من المجال المباشر لعلم اصول الفقه. لو حدث هذا فلربما تلاشت الفجوة الفاصلة بين علم الدين والعلوم الحديثة. ولربما حصلنا على منظومة واسعة من العلوم الاصولية. وسنجد ان القواعد التي ذكرناها في أول المقالة قد تضاعفت وتفرعت ، وبات بامكاننا الانتقال من الفقه المدون في الاف المسائل المنفردة الى فقه منظومي مرتب بقواعد عامة وفروع مترابطة. وأظن ان هذا سيكون تمهيدا فعالا لتطور الفكر الديني ، ومعه معنى الدين ودوره في الحياة العامة.

 

الشرق الاوسط 19 ابريل 2017
http://aawsat.com/node/905761

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...