‏إظهار الرسائل ذات التسميات الانتخابات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الانتخابات. إظهار كافة الرسائل

18/12/2004

حذام العصر وسياساتها


 كافة الاحزاب التي قررت المشاركة في الانتخابات العراقية ، مثل تلك التي قاطعتها ، تدعي ان لديها برنامجا لاعادة بناء النظام السياسي العراقي الجديد، الا انه يستحيل تقريبا اختبار مصداقية اي من هذه البرامج . كما ان اغلبية الناخبين المفترضين لن يكونوا قادرين على المقارنة بين الطروحات المختلفة والتصويت على اساسها . ولهذا فان تلك البرامج هي اقرب الى الشعارات او الآمال منها الى خطط العمل . في ظني ان الاغلبية الحاسمة من الناخبين سوف تصوت لقائمة معينة بناء على المعرفة الشخصية لواحد او عدد من المرشحين في تلك القائمة ، او بناء على الانطباعات الشخصية عن تلك الاسماء ومن يدعمهم .
في ظل التركيز على الاشخاص او الاسماء ، فانه لا يضير المرشحين ان يعرضوا شعارات متشابهة ، الامر الذي يثير سؤالا مشروعا : اذا كانوا متفقين على كل هذه الامور فما الذي يتنافسون عليه اذن؟. 

اختصار السياسة في الاشخاص هي مشكلة مزمنة في العالم العربي ، وهي ترجع اساسا الى طبيعة العلائق الاجتماعية في المجتمعات التقليدية ، حيث ترتبط الثفة بالتعارف الشخصي او الكاريزما الحقيقية او المصطنعة للافراد الذين يسعون للسلطة سواء على المستوى الاجتماعي او السياسي. الناس في المجتمعات التقليدية لا يهتمون كثيرا بالتحقق من صدقية ما يعد به الشخص ، ولا يحاسبونه فيما بعد على النجاح او الفشل في تحقيق وعوده . ولهذا فانه يسهل دائما تقديم اعظم الوعود حتى لو كانت مستحيلة موضوعيا او عمليا.

تعاني الحركة الدينية من هذه المشكلة بدرجة اكبر من غيرها لاسباب كثيرة ، ابرزها ان فكرة الثقة بالشخص تتحول تدريجيا الى نوع من التسليم لذلك الشخص. نجد ان مقلدي العلماء واتباع القادة الدينيين  ينظرون الى الفقيه او القائد كتجسيد للحق . وفي هذه الحالة فان مقولاته وارائه العلمية تكتسي نوعا من العصمة ولا تقارن باي راي آخر . واذا انتقدها احد فان هذا النقد يفسر فورا على انه اعلان للعداوة او ضلال عن الحق اوانحراف عن الطريق ، الزعيم هو حذام العصر"اذا قالت حذام فصدقوها فان القول ما قالت حذام" .

الحركة الدينية تحتاج بدرجة اكبر من غيرها الى معالجة هذه المشكلة لانها لا تستند الى تجربة في العمل السياسي واضحة المعالم وقادرة على اقناع الاخرين . بعض تجارب الحركات الاسلامية المعاصرة في السلطة مخيبة للامال ، والاخرى مستثناة من جانب الاسلاميين العرب ، لاسباب طائفية او لارتباطها بجدل التقليد/الحداثة . في ظني ان عجز النخبة السياسية العربية – وبينها الاسلامية – عن ابتكار برامج للتحديث منسجمة مع شبكة العلاقات الثقافية الخاصة للمجتمع العربية ، ومتناغمة في الوقت ذاته مع متطلبات المدنية المعاصرة ، هو احد الدواعي المهمة لتركيزها على الاشخاص . كما ان غياب النقاش الحر حول برامج العمل يجعل الجميع مضطرا الى التعويل على الاشخاص .

التركيز على الشخص هو مشكلة للمجتمع والدولة معا ، وهو احد الاسباب التي تحول التنمية الاجتماعية والسياسية من مسار متواصل ومتصاعد الى مراحل متقطعة . ذلك ان التعويل على الشخص بدل المشروع او البرنامج يجعل وجوده على راس المجتمع قدرا لا مفر منه . نحن نعرف ان لكل شخص طاقة معينة ، فكرية او عملية ، ترتبط فائدتها وفاعليتها بمرحلة زمنية خاصة. فاذا تجاوز المجتمع تلك المرحلة ، فان زمام الامور ينبغي ان يتحول الى رجال اخرين اوضح انتماءا للمرحلة الجديدة واقدر على فهم متطلباتها "لكل زمان دولة ورجال" . 

حينما يجري التركيز على الشخص ، ايا كان السبب ، فان ذلك الحراك التنموي الطبيعي سوف يتوقف ، وينكمش معه الحراك الاجتماعي او يتحول الى نوع من التصادم بين القيم والاعراف الموروثة من جهة ومتطلبات التحديث المتواصل من جهة اخرى . في هذه المرحلة فان عدم التغيير سيؤدي بالضرورة الى استهلاك متعاظم للقيم الروحية والاخلاقية لصالح الشخص وتحويلها من آليات نظم للحركة الاجتماعية تحظى بالاجماع الى مبررات لقهر الاجيال الجديدة بواسطة الحرس الاجتماعي القديم.

منتصف ديسمبر 2004 

06/11/2004

الخروج من عصر المماليك

|| رغم اصوات القنابل التي تصم الآذان واخبار القتل اليومي ، بعض اخبار العراق تبعث الامل بانه يسعى لحلول طويلة الامد لمشكلاته المزمنة||


منذ قيام الدولة العراقية بعيد الحرب العالمية الاولى ، ابتلي هذا البلد بمشكلة التمرد المتكرر على السلطة المركزية . جوهر المشكلة يكمن في شعور بعض شرائح المجتمع العراقي بالغبن ازاء تمثيلها في السلطة الوطنية وما يترتب عليه بالضرورة من حرمان من التمتع بسهم منصف من ثروة البلد وحرمان من الفرص التي يفترض ان تتاح للجميع . في نهاية المطاف فان هذا المسار يؤدي الى قيام سلطة اقلية تقهر الاكثرية او سلطة اكثرية تقهر الاقليات.
دخول المجتمع المدني كلاعب مؤثر في الحياة السياسية هو الضمان الاقوى لمستقبل البلد
مشكلة النظام السياسي في بلد كالعراق انه ولد ناقصا مثل الاطفال الذين يولدون قبل الاوان ثم لا تتاح لهم الظروف المناسبة لتعويض ما فاتهم من نمو طبيعي . مسار النمو السياسي لاي نظام جديد يتكون من اربع مراحل : الاولى هي بناء الدولة وجوهرها قيام منظومة عليا تحتكر القرار والقوة. المرحلة الثانية هي بناء الامة وجوهرها توليد اجماع وطني بين مختلف شرائح المجتمع على المفاهيم الاساسية للنظام السياسي : اهدافه ، مصادر شرعيته ، وطرق حل الخلافات بصورة سلمية . المرحلة الثالثة : اشتراك جميع الشرائح الوطنية في صناعة السياسة. اما المرحلة الرابعة فجوهرها هو التوزيع العادل للمكاسب المادية والسياسية المتوفرة على كافة الشرائح .
اعتبر النظام السياسي في معظم الدول النامية ناقص النمو لانه توقف في كثير من الحالات عند اقامة السلطة القاهرة. وخلال الستينات الميلادية ساد اعتقاد بين نخب العالم الثالث بانها قادرة بمفردها على اعادة تصنيع مجتمعاتها . وفي العراق مثلا ، كان يقال ان (العراقي الجيد هو البعثي الجيد) . ومعناه ان من لم يكن بعثيا فان انتماءه الى العراق موضع شك. المشكلة في هذا المفهوم ان الانتماء لحزب البعث يتطلب بالضرورة تحولا ايديولوجيا قد لايطيقه معظم الناس.
نعرف اليوم ان الدولة ليست مسؤولة عن صناعة هوية المجتمع ، بل ولا يجوز لها ان تفرض على المجتمع هوية غير خياره الطبيعي . مسؤولية الدولة هي تمثيل هوية المجتمع العليا ، اي مجموع الهويات الصغرى القابلة للانضمام في اطار جامع يمثله مفهوم الوطن . ان اهمال هذا المفهوم قد ادى فعليا الى تكوين نخب سياسية منفصلة عن مجتمعاتها ، بل – في بعض الاحيان – معادية لمجتمعاتها. هذا التطور دعا المؤرخ الامريكي المعروف ريتشارد بوليت الى وصف هذه النخب بالمماليك الجدد ، مقارنة بمماليك القرن الثامن الهجري الذين اعتمدوا بصورة كلية على القوة العسكرية للحفاظ على سلطانهم .

 النخبة الحاكمة الجديدة في العراق ، يعيبها انها وصلت الى السلطة بدعم مباشر من قوة اجنبية . لكن ربما يشفع لها محاولتها الجادة – كما يظهر حتى الان – في وضع علاج طويل الامد لمشكلات هذا البلد . فهي تتجه الى المرحلة الثانية من بناء النظام السياسي التي ادى اهمالها طوال العقود الماضية الى تمزيق النسيج الوطني. الخطوة الاساسية التي نأمل ان ينجح فيها العراقيون هي توسيع النخبة الحاكمة كي تتمثل فيها كل الشرائح الاجتماعية ، الكبيرة منها والصغيرة . ثم اتفاق هذه النخبة على القواعد الكبرى للنظام السياسي الجديد ، ولا سيما ضمان تمثيل دائم ومنصف للجميع في الحياة السياسية ، واعتبار صناديق الانتخاب هي المرجع لحل الخلافات بين اهل السلطة.
الخطوة التي تثير الامل – رغم انها لم تحظ باهتمام يذكر من جانب وسائل الاعلام ، هي اتفاق النخبة على اقامة الانتخابات البرلمانية المقررة في موعدها المحدد في اول يناير القادم ، والدخول فيها بقائمة موحدة تمثل مختلف الاطياف السياسية العراقية . سيؤدي هذا على الاغلب الى معالجة قلق الضعفاء وتحجيم الرغبة في الاستفراد عند الاقوياء . في ظل اتفاق من هذا النوع سوف تتمكن الشرائح الضعيفة من ضمان موقع مناسب في النظام السياسي ، وسوف يجد الاقوياء – في الوقت نفسه – ان الطريق الاسهل للحصول على المكان المناسب هو الاتفاق مع الاخرين .

نوفمبر 2004

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...