‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاجماع الوطني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاجماع الوطني. إظهار كافة الرسائل

27/11/2004

مشكلة الولاء الوطني في الانظمة الجديدة



في مرحلة اعادة بناء النظام السياسي الجديد ، يواجه العراق العديد من التحديات ، من بين ابرزها اعادة بناء فكرة الولاء الوطني . الولاء للوطن هو واحد من المفاهيم التاسيسية لاي مجتمع سياسي ، ويفترض كثيرون انه يتحقق بصورة طبيعية او كانعكاس للعلاقات الجديدة التي تنشأ عن وعي افراد المجتمع بوجود الدولة . خلافا لهذا الاعتقاد ، فان الاحساس بوجود الدولة ليس امرا بديهيا ، فقد ثبت ان هناك  بعض المجتمعات المعزولة – رغم قلتها ومحدودية حجمها – التي لا تشعر بوجود الدولة ، او لا تشعر بها كعامل مهم في حياتها اليومية والعامة .
يبدو للوهلة الاولى ان فكرة الولاء الوطني ، هي من البساطة والعفوية بحيث لا تحتاج الى مناقشة . في حقيقة الامر فانها - مثل كثير من الامور البسيطة الاخرى – ذات ظاهر مخادع ، فما نتصوره بسيطا وعفويا قد لا يكون كذلك . لو تأمل الانسان في كلا الجزئين اللذين يؤلفان الفكرة ، اي الولاء والوطن ، فسوف يندهش من حقيقة ان كلا منهما يفتقر الى تعريف نهائي متفق عليه . نحن نعلم مثلا ان فكرة الوطن في معناه السياسي ليست عميقة الجذور في تراثنا ، ولهذا فقد ظهرت اراء – خلال الستينات والسبعينات خاصة - تقول ان وطن الانسان هو دينه ، واذكر اننا كنا نتعلم في المدرسة الابتدائية نشيدا يقول (اضحى الاسلام لنا دينا وجميع الكون لنا سكنا) وهي تشير بوضوح الى المضمون الاممي للرسالة المحمدية ، وتعكسها في مفهوم سياسي يتعارض بصورة من الصور مع المفهوم الاقليمي الحديث للوطن.  ويعتقد كثير من القوميين العرب ان وطن العرب هو ارض العرب من اقصاها الى ادناها ، وليس الاقليم السياسي الخاص ، كما ان بعض الماركسيين كان يعتقد ان فكرة الوطن رجعية في الاساس ، فالعالم كله وطن لمن ينتج مقومات الحياة . وظهرت في الثمانينات حركة تدعو الى المواطنة الاممية وتنكر جبر الانسان على الارتباط باقليم محدد. هذا كله يظهر ان فكرة الوطن ، رغم ما تبدو عليه من بساطة ، هي فكرة معقدة في حقيقة الامر.

فكرة الولاء ليست بسيطة ايضا . فهي ترتبط بشدة بمفهوم الهوية . اذا كان الانسان يشعر بالانتماء الى قبيلته او طائفته بدرجة اقوى من الانتماء لمجتمعه السياسي ، فان ولاءه المركزي سيكون لتلك الدوائر . وتشتد حدة التمايز بين دوائر الانتماء المختلفة في الاقطار التي تشهد صراعات اهلية او انقسامات واسعة النطاق. لهذا فان من اولى واجبات الحكومة في اي بلد ، هو وضع الاطار المناسب لكي تتداخل الهويات الجزئية في الهوية الوطنية وتصبح جزء من مكوناتها بدلا من ان تكون مقابلا لها او بديلا عنها .

مشكلة الولاء الوطني في العراق هي واحد من الامثلة على تقصير الحكومات المتعاقبة في صياغة الهوية وعلاقة المجتمع بالدولة على نحو مناسب . وقد كشفت الصراعات الدائرة منذ سقوط النظام السابق عن التأزم الكامن في النسيج الاجتماعي ، والناتج في المقام الاول عن التحميل القسري لمفهوم غير صحيح للولاء ، وصياغة منحازة لفكرة الوطن . من بين ابرز الامثلة على ذلك التحميل القسري هو ربط الولاء للوطن بالولاء للنخبة الحاكمة ولشخص الرئيس بصورة خاصة ، وربط مصير البلد بمصيره الشخصي ، كما لو كان الوطن كله ، بارضه وشعبه وتراثه وثروته ، متلخصا في ذلك الشخص. واظن ان على عرب العراق ان يشعروا بالامتنان لاخوانهم الاكراد ، الذين رغم ان النظام السابق واسلافه قد استثنوهم من المعادلة التي تشكل الوطن العراقي ، الا نهم في المقابل تمسكوا بوحدة العراق وانتمائهم اليه.

تحويل الولاء الوطني الى ولاء سياسي للنخبة الحاكمة او شخص الرئيس له اثار كارثية على الوطن ، اذ ان الوطن يتحول من مظلة جامعة وملاذا مشتركا لكل ابنائه الى ما يشبه دائرة من دوائر الدولة . وفي هذه الحالة فان اي فشل او تقصير من جانب الحكومة ينعكس تلقائيا على العلاقة بين المواطن ووطنه . العراق اليوم بحاجة الى اعادة صياغة لمفهوم الوطن ومفهوم الولاء الوطني . والحقيقة ان دخول القوات المسلحة الوطنية في الصراعات الاهلية هو الذي اثار هذا الاشكال . وثمة من يخشى من تكرار تجربة النظام السابق ، حين كان ولاء القوات المسلحة من جيش وشرطة ومخابرات منصرفا الى شخص الرئيس ونخبته المقربة  ، بحيث لا يجد رجال القوات المسلحة حرجا في ان يقفوا ضد مواطنيهم وان يمارسوا القتل والتدمير ، لا لشيء الا لأن فريقا من المجتمع قد عارض الحكومة . الحكومة العراقية الحالية مسؤولة بشكل حاسم عن تغيير هذا المفهوم السقيم . الدولة يجب ان تكون تابعة للمجتمع ، والقوات المسلحة حارسة له لا وسيلة اعتداء عليه.

21/02/2004

اعادة بناء الاجماع الوطني


يعرف علم السياسة الاجماع الوطني بانه منظومة القيم والمفاهيم والتفاهمات والتقاليد المجتمعية التي تشكل قاعدة للتوافق بين اطراف المجتمع على طريقة معينة لتنظيم امورهم العامة ، والامور العامة هي تلك القضايا التي لا تخص فريقا بعينه ولا جهة بعينها ، بل يشترك فيها – غنما وغرما – مجموع المواطنين. 

فالاجماع الوطني بهذا المفهوم هو القاعدة المفهومية التي يقوم عليها المجتمع الوطني في صورته الموسعة . ما ندعوه بالمجتمع السعودي ، ليس في حقيقة الامر سوى تلك القاعدة وما يقوم عليها من مؤسسات وانماط عمل وعلاقات. ومن نافل القول ان الاجماع هو مصدر شرعية النظام العام والاستقرار في معناه الاجتماعي والسياسي.

مع انهيار الاجماع القديم بسبب المؤثرات الاقتصادية والثقافية والاندماج في السوق العالمي ، فان اعادة تكوين اجماع وطني جديد تتوقف على الاخذ بعين الاعتبار ما نتج عن تلك التاثيرات . وذلك لا يعني بالضرورة ان نحبها او نبغضها ، بل ان نتعامل معها كحقائق موضوعية اصبحت – شئنا ام ابينا – جزءا من الهيكل العام للحياة في بلادنا.
في عالم اليوم فان "المواطنة" هي المفهوم المحوري للاجماع الوطني ، بمعنى ان كل مفهوم او قيمة او تقليد او تفاهم بين اطراف المجتمع لا بد ان ينطلق من اقرار مسبق وغير مشروط بان المجتمع الوطني هو تأليف موسع من مجموع المواطنين الذين يحملون الجنسية ويقيمون ضمن الحدود الاقليمية للبلد. 
مفهوم المواطنة ليس عميق الجذور في ثقافتنا لكنه اصبح جزء لا ينفك منها مع قيام الدولة الحديثة ، الدولة التي تعرف من جانب اهلها والعالم على اساس السيادة ضمن اقليم جغرافي معين ، او ما يسمى بالتراب الوطني. ان اقرب مصطلح عربي تاريخي لمفهوم المواطنة هو مصطلح "الرعية" ، وهو مصطلح يمكن بالرجوع الى معناه اللغوي الاقتراب من مفهوم المواطنة ، لكنه تطور خلال التاريخ ليصب في مفهوم معارض تماما لفكرة المواطنة الحديثة ، ولهذا فانه يستعمل اليوم كمقابل لمفهوم المواطنة لا كمرادف او نظير.

 المواطنة في الدولة الحديثة هي تلخيص لمنظومة من الحقوق يتمتع بها الافراد مقابل ولائهم للنظام السياسي، وقد تطور هذا المفهوم خلال الثورتين الفرنسية والامريكية كبديل عن مفهوم "التابع = subordinate" او "الخاضع=subject" اذا اردنا الترجمة الحرفية. قبل القرن العشرين كان العضو في المجتمع السياسي "التابع او الخاضع في المفهوم الغربي"  يتمتع بحق وحيد فقط هو حق الحماية من العدوان ، ويؤدي في المقابل الواجبات التي تقررها الدولة . وفي كلا الحالين ، فلم يكن له اي دخالة في تقرير طبيعة تلك الحقوق والواجبات ولا كيفية ادائها.

ادى تطور علم السياسة والحياة السياسية معا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الى اعادة صياغة الاساس النظري للعلاقة بين الفرد والمجتمع ، ترتب عليه اعادة صياغة للعلاقة بين اعضاء المجتمع السياسي حيث ظهرت ثلاثة مفاهيم جديدة : المفهوم الاول هو ان المجتمع السياسي يتكون من اعضاء متساوين تقوم العلاقة بينهم على اساس الشراكة . الثاني : ان المجتمع السياسي هو اطار له اقليم جغرافي خاص وحدود تفصله عن المجتمعات الاخرى. الثالث : ان الحكومة في هذا المجتمع تمثل كل اعضاء المجتمع ، فهي وكيل ينوب عنهم في القيام بالامور العامة.

هذه المفاهيم الثلاثة اسست لكيان لم يكن معهودا في التاريخ القديم ، هو "الوطن" او الدولة الوطنية . وبالتالي فان اعضاء المجتمع السياسي اصبحوا مواطنين . بناء على المفهوم الاول والثاني ، فان العلاقة بين المواطنين تقوم على الشراكة المتساوية في التراب الوطني ، وبناء على المفهوم الثالث فان الحكومة هي مؤسسة تستهدف في المقام الاول خدمة اغراض المجتمع وليس قهره او التسلط عليه.

تطبيقا لهذا المفهوم ، فان تحول المنظورات والاعتقادات الخاصة ، ثقافية كانت او قيمية او سياسية ، الى التزامات عامة وقانونية يتوقف على الاختيار الحر والرضا الصريح من جانب بقية المواطنين . ولا يجوز لاي طرف اجتماعي فرض منظوراته على البقية ، مهما كانت في نظره صحيحة او مفيدة . علاقة الشراكة تعنى ان قبول الشركاء – وليس صحة الموضوع المطروح - هو الشرط الاول لكي يتحول الراي الى التزام قانوني عام .

بناء الاجماع الوطني الجديد يبدأ إذن من اعادة صياغة فكرة المواطنة على اساس الشراكة المتساوية في التراب الوطني ، الشراكة التي تعني المساواة في الفرص والمساواة في المسؤولية .
 Okaz ( Saturday 21 Feb 2004 ) - ISSUE NO 979

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...