28/01/2015

مواصلة الاصلاح

يجب ان يتواصل الاصلاح كي لا يتبدد زخمه او تتآكل ثماره. طبقا للاستاذ هما كاتوزيان فان تباطؤ التحديث في المجتمعات النامية يرجع في المقام الاول الى كثرة التقلبات السياسية وغير السياسية ، التي تعيق تراكم الخبرات وتحول التحديث من مبادرة الى حراك متصاعد.

الملك عبد الله يزور منازل فقيرة بحي الشميسي- الرياض في نوفمبر 2002

شهدت المملكة في عهد المرحوم الملك عبد الله  مجموعة مبادرات اصلاحية ، هي مؤشر على الامكانات المتاحة لتطوير الحياة العامة ، سيما في مواجهة الدعاية السوداء القائلة بان السعوديين عاجزون عن تطوير بلدهم او ان المجتمع السعودي عصي على الاصلاح.

لابد أولا من وضع هذه المبادرات ضمن ظرفها التاريخي ، كي لا نستهين بقيمة الجهد الذي بذل لاطلاقها. وأشير هنا الى نماذج مثل الجمعية الوطنية لحقوق الانسان ، هيئة مكافحة الفساد ، برامج مكافحة البطالة ، برنامج تطوير القضاء والتعليم ، الحوار الوطني ، ومجموعة المبادرات الخاصة بتمكين المرأة. كل من هذه المشروعات واجه عسرا شديدا في بدايته. ونعلم ان قوى نافذة في المجتمع والادارة الرسمية تنظر لمبادرات من هذا النوع كخطر على نفوذها ومصالحها المستقرة. ولهذا فهي تحاربها بشتى السبل ، بما فيها اثارة المشاعر الدينية وغرائز العدوان. اذكر بهذه الحقيقة كتبرير لما يعتبره كثير من الناس بطئا او تعثرا في مسارها. لكن التبرير مفيد للماضي وليس للمستقبل ، وهو لا يشكل عذرا ان استمر التباطؤ والتعثر.

وأعود الى مقولة الاستاذ كاتوزيان للتذكير بالحاجة الى صون هذه المنجزات وترسيخها وتوسيع نطاقات عملها ، اي منحها زخما جديدا ، كي تؤتي ثمارها الطيبة. الاصلاح تراكمي بمعنى انه يبنى على ما انجز في الماضي ويتوسع في اتجاهات جديدة. ويهمنى هنا التأكيد على ثلاثة مسارات اراها محورية ، وهي ترسيخ سيادة القانون وتوسيع المشاركة الشعبية في القرار ، والضمان القانوني للحريات والحقوق الشخصية والمدنية.

فيما يخص سيادة القانون ، فلعل البداية المناسبة هي تطوير النظام الاساسي للحكم الى دستور متكامل ، يوفر الاساس والمرجع القانوني لجميع الاصلاحات التالية ، ولتنظيم الحياة العامة في اوسع اطاراتها. اما توسيع المشاركة الشعبية في القرار ، فأولها في ظني هو اتباع آلية الانتخاب العام لاعضاء مجلس الشورى ، في دورته القادمة ، وتوسيع صلاحيات المجالس البلدية ، وتشكيلها بالكامل من اعضاء منتخبين. من المهم ايضا اصدار مدونة وطنية لحقوق المواطن ، تشكل اطارا للعلاقة بين المجتمع واجهزة الدولة ، سيما في الموضوعات التي يكثر فيها التباين بين مطالب الطرفين.

يجب التأكيد دائما على ان السعوديين قادرون على تطوير بلدهم وحل مشكلاتهم بالطريقة اللينة ، ومن خلال التعاون فيما بينهم ، دون الحاجة الى قسر او تصارع او معاسرة ، او تدخل من جانب الغير. تحويل هذا الايمان الى واقع ، رهن بتحريك وتنشيط المسار الاصلاحي وتوسيع آفاقه ، كي يشعر السعوديون بأنهم وضعوا آمالهم في المكان المناسب ، وكي يزدادوا فخرا بانفسهم ووطنهم.

الشرق الاوسط  28-1-2015 http://aawsat.com/node/276071

21/01/2015

دولة "الحارس الليلي"


سؤال: "ما هي وظيفة الحكومة" لم يشغل اساتذة الفلسفة السياسية العرب. لان العرف الجاري يفترض ان الحكومة هي الكل في الكل. اما في اوربا فقد كان هذا من الشواغل الاساسية للباحثين في العلوم السياسية ، منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم.
بين الحرب العالمية الاولى والثانية (1918-1937) تبنى معظم دول العالم مفهوم دولة الرفاهية ، التي تسمى ايضا "دولة المنفعة العامة". بموجب هذه النظرية تلتزم الحكومة بتوفير مستوى معقول من الخدمات العامة الاساسية للجمهور ، بدء من التعليم الى الصحة والمواصلات وصولا الى السكن وتوفير الوظائف. واعتبر قيام الحكومة بهذه الوظائف اغناء لمبدأ المواطنة. المتوقع طبعا ان يرحب كافة الناس بهذا التطور ، فكلنا نريد الحصول على تعليم وعلاج مجاني لأطفالنا ، وكلنا نريد الحصول على ضمان البطالة حين نفقد اعمالنا.
الفلاسفة والباحثون نظروا للمسألة من زاوية اخرى: كلما توسعت خدمات الحكومة ، اتسع بنفس المقدار تدخلها في الحياة الشخصية للأفراد. الحكومات الشيوعية هي النموذج المتطرف لهذا المفهوم: تضمن الدولة جميع حاجاتك ، لكنك ايضا لا تستطيع حتى التنفس دون موافقتها.
الفيلسوف الامريكي روبرت نوزيك جادل طويلا حول قصر وظائف الحكومة وسلطاتها على ضمان الامن العام ، وقارنها بالحارس الليلي الذي تدور مهمته حول ردع البغاة والمعتدين. في بريطانيا اطلق سياسي محافظ وصف "الدولة المربية=Nanny State" في سياق انتقاده لتوسع الحكومة في القيام بالوظائف التي يفترض ان تترك للمجتمع. طبقا لهذه الرؤية فان مجتمعا تقوم حكومته بكل شيء سوف يبقى طفلا خاملا وعاجزا عن ادارة حياته بنفسه.
لعل اقرب النقاشات العربية الى هذا المعنى هو النقاش حول تخصيص الخدمات العامة وترشيق الحكومة. واحدثها ربما هو النقاش حول الحكومة الالكترونية. محور النقاشات العربية هو تحسين كفاءة الخدمة ، اما النقاشات الاوربية فاهتمت بانعكاس دور الحكومة على الحريات الفردية. ولهذا فان مخرجات النقاش العربي تركز على دور القطاع التجاري الخاص ، بينما تركز النقاشات الاوربية على محورية المجتمع المدني كاطار لتطوير الحياة العامة والمشاركة الشعبية في القرار.
  حين أتأمل في انتكاسات الربيع العربي ، اتساءل: هل كان ضروريا ان تحمل الدولة العربية نفسها كل هذه المسؤوليات؟. ماذا كان سيحصل لو تركت للمجتمع القيام بكل شيء يستطيعه ، وقصرت دورها على التخطيط والمتابعة والقيادة؟.
في الوقت الحاضر اجد ان غضب الناس من قصور الخدمات العامة يتجه مباشرة للدولة ، لانها ببساطة تملك البلدية والطرق والمستوصف والمدرسة والهاتف والكهرباء وو.. الخ. بعبارة اخرى فان اي قصور في اي خدمة سيؤدي بالضرورة الى اضعاف شرعية الدولة واجماع الشعب عليها. ترى ماذا سيحصل لو تولى المجتمع هذه الامور كلها؟. ماذا سيحصل لو اقتصرت وظيفة الدولة على ضمان أمن البلد وقيادته. هل هذا سيوفر محركات جديدة للتقدم ام العكس ، هل سيصون الشرعية السياسية ام العكس؟.


الشرق الاوسط  21 يناير 2015 مـ رقم العدد [13203]
http://aawsat.com/node/270601

14/01/2015

استنهاض روح الجماعة



في اكتوبر الماضي اظهرت استطلاعات الرأي ان 15% فقط من الفرنسيين يرغبون في خوض الرئيس هولاند الانتخابات الرئاسية المقررة في 2017. وهذا ادنى مستوى تاييد يحصل عليه رئيس فرنسي منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن الحال تبدل كليا هذا الاسبوع ، بعدما نجح هولاند في تنظيم أوسع اصطفاف شعبي وراء الحكومة منذ الثورة الطلابية في 1968. الامر المؤكد ان الحكومة الفرنسية ماكانت تتمنى هجوما دمويا كالذي شهدته باريس وحصد 20 قتيلا. مثل هذا الهجوم سيثير ارتياب الجمهور في كفاءة الحكومة وقدرتها على صون الامن العام ، سيما في ظروف العالم الراهنة. لكن حكومة هولاند اظهرت براعة في التقاط كرة النار ثم رميها مرة اخرى في الاتجاه الذي ارادت ان يسرق انظار الناس ، ليس في فرنسا وحسب ، بل في اوربا والعالم اجمع. وهكذا تحولت باريس يوم الاحد الماضي الى مهوى لقلوب الفرنسيين ، بل عاصمة للعالم حين تقدم الرئيس هولاند مسيرة شعبية ، يحيط به زعماء من 50 دولة ، ويتبعهم نحو مليوني متظاهر.
لا أحسد الفرنسيين على ما حل بهم ، بل اغبطهم على هذه القدرة الفائقة في تحويل الهزائم الصغيرة الى انتصارات كبيرة. في الاحوال الاعتيادية يؤدي مثل ذلك الهجوم الارهابي الى اثارة الفزع بين الناس في المرحلة الاولى ، ثم اتهام الحكومة بالتقصير والفشل ، ثم انبعاث نزعة التلاوم والبحث عن كبش فداء ، ثم انفلات غريزة الانتقام من الشريحة التي ينتمي اليها القتلة ، وهم في هذه الحالة المسلمون والفرنسيون من اصول عربية وافريقية وربما بقية الاجانب.
مثل هذا السيناريو الذي تكرر فعليا في بلدان اخرى ، كان سيؤدي على الارجح الى مضاعفة عدد الضحايا وتعميق التفارق والانقسام في المجتمع الفرنسي ، اي تدشين ظرف اجتماعي – سياسي متأزم يصعب التنبؤ بنهاياته.
 بدل الانفعال بالحادثة ، قرر الرئيس الفرنسي تحويلها الى مناسبة لأحياء الاجماع الوطني وتعزيز دور فرنسا القيادي في العالم. منذ لحظة الهجوم تحول الرئيس ووزرائه الى مبشرين بقيم الجمهورية ، سيما قيمة الحرية والمساواة والتنوع الثقافي والسياسي ، مع التشديد على كونها ابرز اركان وحدة المجتمع والهوية الوطنية الجامعة. ولفت نظري خصوصا منع اليمين المتطرف من تنظيم مظاهرة معادية للمهاجرين ، فضلا عن منع زعيمه جان ماري لوبان من المشاركة في تظاهرة باريس الكبرى ، خشية تحويل جانب منها نحو شعارات العداء للمسلمين والاجانب.
الهجوم على صحيفة اشلي ايبدو كان من نوع الصدمات التي تهز توازن المجتمع وتطلق تيارا لا ينتهي من النزاعات الداخلية. لكن وجود قيادة بعيدة النظر حول هذه الصدمة الى مبرر لاستنهاض روح الجماعة. روح الجماعة هي الوطن الحقيقي. واذا انبعثت فانها توفر قوة هائلة ، يمكن استعمالها في النهوض بالوطن او في احتواء ما يواجه من تحديات.
الشرق الاوسط  14 يناير 2015 مـ رقم العدد [13196]
http://aawsat.com/node/266486#.VLitvbBDBTk.twitter

07/01/2015

استعادة الايمان بالذات




قد يكون الاحباط من اكثر المشاعر التصاقا بالاجيال الجديدة ، في الامم المتقدمة والمتخلفة على السواء. هذا يرجع الى سعة الفوارق بينها وبين الاجيال السابقة ، في انماط المعرفة والحاجات والتوقعات. اسئلة مثل: لماذا عجزنا عن حل الازمات الصغيرة التي تجاوزها العالم ، تشكل هما مؤرقا للاجيال الجديدة ، تنقض شرعية النظام الاجتماعي.
الامم التي واجهت هذا التحدي عالجته بواحدة من ثلاث وسائل: أ) تصدير أزماتها الى الخارج بافتعال صراعات مع دول اخرى. ب) توسيع قاعدة النظام السياسي باشراك عامة الناس ، سيما الاجيال الجديدة ، في الحياة العامة وصناعة القرار ، الامر الذي يوسع دائرة المسؤولية ويولد روحية جديدة في مواقع القيادة. ج) اطلاق ثورة وطنية في مسار او اكثر ، بهدف تحقيق انتصار حاسم وملموس ، يحيي الايمان بالذات ويعزز الاجماع الوطني.
نتحدث عادة عن معالجة تدريجية للازمات العامة ، تؤدي مع الزمن الى تطوير مؤسسي للمجتمع السياسي. لكن الواضح اليوم ان لدينا كما كبيرا من القضايا التي تحولت الى معضلات مزمنة بسبب الاهمال او اتباع حلول ترقيعية او ناقصة. قضايا مثل ازمة السكن والبطالة والاتكال المفرط على مبيعات البترول الخام وأمثالها ، كانت معروفة منذ زمن طويل. كانت خطة التنمية الاولى التي اطلقت في 1971 قد لاحظت هذه التحديات وأكدت على محوريتها. ومع هذا فلا زلنا نتحدث عنها كما لو انها اكتشاف اليوم. هذا يشير الى اهمال او غفلة يصعب تبريرها.
مرور الزمن لا ينسي الناس الازمات التي تؤرقهم. ربما يتكيفون معها ، وربما يستسلمون لها ، لكنهم لن يشعروا ابدا بانهم يعيشون وضعا طبيعيا. ان تعبيراتهم البسيطة عما يواجهون من عسر في حياتهم ، تؤدي مع التكرار الى نقض الايمان بالذات وتثبيط ارادة الاصلاح ، حتى في الامور الصغيرة. ويرجح عندي ان هذه المشاعر تساهم على نحو غير مباشر في تغذية الميول المتطرفة ، سيما بين الشباب.
اعتقد ان زمن الحلول المؤقتة والتدريجية قد فات ، وان العالم العربي كله بحاجة الى ثورة تجديد جذري وواسع النطاق ، ثورة تشارك فيها الحكومات والأهالي على نحو يكسر حلقة الفشل المريرة التي تشكل ربما اهم نواقض الايمان بالمستقبل ، كما تضعف شرعية النظام الاجتماعي.
نحن بحاجة الى ثورة صناعية تحررنا من الارتباط الحرج باسواق البترول العالمية. نحن بحاجة الى ثورة في مجال الادارة العامة تقود الى توسيع قاعدة النظام الاجتماعي – السياسي وارساء عقد اجتماعي جديد يكفل الحقوق والحريات المدنية ، كما يستوعب تطلعات الجيل الجديد.
قد يكون سهلا على اناس في مثل عمري ان يتكيفوا مع الواقع القائم ، مهما كان عسيرا. لكن هذا ليس حال الاجيال الجديدة التي تريد مستقبلا مختلفا. الانتقال للمستقبل يتوقف على اعادة بناء الاجماع الوطني على اسس تستوعب تحديات عصرنا والزاماته. ويجب ان نبدأ اليوم قبل فوات الاوان.
الشرق الاوسط 7 يناير 2015 العدد 13189

http://classic.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=800987&issueno=13189#.VL6V9SuUcbg

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...